عقيدة اغتيال القادة من المنظور الأمريكي

الجمعة 7 فبراير 2020 11:47 م

دائما ما كانت هناك وجهات نظر متباينة حول استعمال "الاغتيال" كأداة في إطار "فن الحكم"، فإن قَتل شخص باسم "الدفاع عن الوطن" ينطوي على قضية أخلاقية واستراتيجية. وبالنسبة للمدافعين عن استخدام "الاغتيال"، فهو وسيلة دموية لكنها تمنع نزاعا أكبر.

وأكد "توماس مور"، عالم اللاهوت في القرن الـ 16، الذي تم تصعيده "قديسا" عام 1935 من قبل الكنيسة الكاثوليكية، أن اغتيال "أمير العدو" يستحق "ثوابا عظيما" إذا أنقذ حياة الأبرياء. واعتقد الفيلسوف الهولندي "هوجو جروتيوس"، الذي وضع مفاهيم مبكرة للسلوك الصحيح في الحرب، أنه "يجوز قتل العدو في أي مكان على الإطلاق".

ولكن مع مرور الوقت، مال الزعماء السياسيون لرفض شرعية قتل بعضهم البعض بشكل غادر. وفي عام 1789، وصف "توماس جيفرسون" في رسالة إلى "جيمس ماديسون"؛ "الاغتيال، والتسميم، والحنث باليمين" على أنها انتهاكات غير حضارية، "ذاع صيتها فقط خلال رعب القرن الـ 18".

وفي القرن العشرين، تبنت الدول القومية عمليات الاغتيال. وخلال الحرب العالمية الثانية، درب الجواسيس البريطانيون عملاء من تشيكسلوفاكيا لقتل الجنرال النازي "راينهارد هايدريش"، وخططت العديد من الحكومات، السوفيتية والبريطانية والأمريكية، من دون جدوى لقتل "أدولف هتلر".

وأقنعت المحرقة (الهولوكوست) بعض قادة (إسرائيل) فيما بعد؛ بأن مطاردة الأفراد كانت أداة دفاع لا مفر منها لدولة صغيرة مهددة من قبل أناس يرفضون حقهم في الوجود.

ولكن كما قال "توم سيغيف"، مؤلف كتاب "دولة بأي ثمن، سيرة جديدة لديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لـ (إسرائيل)": "كان بن غوريون ضد الإرهاب الشخصي، ضد اغتيال الألمان. لقد اعتقد أن تجنيد النازيين السابقين في الموساد أكثر فائدة. ربما كان متعاطفا مع من أرادوا الانتقام، لكن كان يعتقد أن الانتقام ليس شيئا مفيدا".

وفي العقود التي تلت ذلك، أدى الإرهاب إلى تآكل التمييز بين زمن الحرب ووقت السلم. وبعد أن قامت مجموعة "أيلول الأسود"، الجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية، بقتل 11 من أعضاء الفريق الأولمبي الإسرائيلي عام 1972 في ميونيخ، وافقت رئيسة الوزراء "جولدا مائير" على مهمة لتعقب القتلة. وقال "سيغيف": "كان هذا شيئا بين العقاب والانتقام والردع".

وفي عام 1954، أثناء مهمة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لإزاحة رئيس جواتيمالا، أنتجت الوكالة "دراسة عن الاغتيال"، وهو دليل إرشادي مصنف حول ما أسمته "تدبيرا متطرفا"، والذي تضمن نصائح مفصلة.

وأشارت إلى أهمية اختيار "طول الحبل أو السلك أو الحزام، وفق ما إذا كان الهدف قويا أو ضعيفا". ووضعت ملاحظة بأن "الأشخاص الذين يرون في الأمر مسألة غير أخلاقية فعليهم ألا يشاركوا في ذلك".

وبين عامي 1960 و1965، حاولت "سي آي إيه" ما لا يقل عن 8 مرات قتل "فيدل كاسترو"، بما في ذلك حيلة اعتمدت على علبة من "السيجار" المسموم. وفي كتاب "لعبة الأمم.. دفاع كلاسيكي عن سياسات القوة"، من تأليف "مايلز كوبلاند"، رئيس "سي آي إيه" السابق في الشرق الأوسط، عرض الاغتيال كأداة "غير أخلاقية" في إطار "فن القيام بما يلزم".

وفي عام 1962، قال "زكريا محي الدين"، رئيس المخابرات في عهد الرئيس المصري "جمال عبدالناصر": "الهدف المشترك بين اللاعبين في لعبة الأمم هو مجرد الحفاظ على اللعبة. لأن بديل اللعبة هو الحرب".

لكن لكل لعبة قواعد، وحتى في ذروة عمل جواسيس الحرب الباردة، فقد تجنبوا قتل بعضهم البعض. وكتب "فريدريك بي هيتز"، المفتش العام السابق في "سي آي إيه"، في وقت لاحق: "إذا استهدفتَ جهاز أمن معارض، فسوف يستهدفك ردا على ذلك. ثم يولد القتل قتلا جديدا. وندخل في حلقة من القتل بلا نهاية".

وفي عام 1975، بدأت لجنة الكونجرس المعروفة باسم "لجنة الكنيسة" بالتحقيق في مزاعم سوء المعاملة من قبل وكالات الاستخبارات. وفي العام التالي، كشفت المخططات الفاشلة ضد "كاسترو" وآخرين. وأصدر الرئيس "جيرالد فورد" أمرا تنفيذيا أعلن فيه أنه لا يجوز لأي موظف حكومي أمريكي "الانخراط في الاغتيالات السياسية أو المشاركة في التخطيط لها".

وفي عام 1981، وسع "رونالد ريجان" الأمر وأسقط كلمة "السياسية" من التقييد، وأصبح الحظر عامّا.

وبعد 5 أعوام، ردا على مقتل قوات أمريكية في تفجير ديسكو في برلين الغربية، قصفت إدارة "ريجان" الثكنات التي عاش فيها الزعيم الليبي "معمر القذافي". لكن الأخير الذي كان قد تم إطلاعه على الخطة، استطاع الهروب. ولم يتغير الموقف الرسمي للولايات المتحدة بشأن الاغتيال.

وفي يوليو/تموز 2001، أدانت الولايات المتحدة (إسرائيل) بسبب ما أسماه "مارتن إنديك"، السفير الأمريكي في (إسرائيل)، بـ "الاغتيالات المستهدفة" للفلسطينيين. وقال في ذلك الوقت: "إنها عمليات قتل خارج نطاق القضاء، ونحن لا ندعم ذلك".

وبعد ذلك بشهرين، فتحت الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/أيلول مرحلة جديدة في علاقة أمريكا بالاغتيالات، حيث سمح الرئيس "جورج بوش" باستخدام طائرات بدون طيار وغارات من قبل قوات الكوماندوز وضربات صاروخية عبر صواريخ كروز خارج مناطق الحرب المعترف بها.

وفي عام 2007، وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود أولمرت" و"بوش" على توسيع نطاق التعاون بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي، على الرغم من التردد من جانب ضباط الاستخبارات في البلدين.

ويذكر "أولمرت" ذلك قائلا: "لقد قال لي بوش: أنت تعرف كيف هو الحال مع هؤلاء الرجال، إنهم لا يرغبون في مشاركة كل شيء.. وقلت له: انظر، سأعطي رفاقي أمرا بالانفتاح تماما، وستعطي رفاقك أمرا بالانفتاح تماما". وفيما بعد، وافقوا على إجراء عمليات مشتركة ضد إيران، التي كانت تسعى إلى تطوير برنامج نووي.

وسهّل ظهور أسلحة دقيقة ووجود الهواتف المحمولة زيادة هائلة في مهمات الاغتيال. ووفقا لكتاب "انهض واقتل أولا"، الذي يشرح تاريخ الاغتيالات الإسرائيلية، من تأليف "رونين برجمان"، نفذت البلاد قرابة 500 عملية اغتيال بين عامي 1948 و2000، ثم تسارعت وتيرة الاغتيالات.

وفي سبتمبر/أيلول 2000، بعد أن شنت حركة "حماس" حملة تفجيرات ضد المستوطنين الإسرائيليين، شرعت الحكومة الإسرائيلية في عملية لتعقب صناع القنابل واللوجستيين والقادة البارزين مثل الشيخ "أحمد ياسين"، أحد مؤسسي الحركة.

وتم اغتيال "ياسين" عام 2004 على كرسيه المتحرك بصاروخ من مروحية عسكرية إسرائيلية. وفي حقبة سابقة، كانت غارات الكوماندوز تتطلب أسابيع من التخطيط، أما الآن فيمكن توجيه ضربة عبر طائرة بدون طيار في غضون ساعات.

وبين عامي 2000 و2018، أجرت (إسرائيل) ما لا يقل عن 800 عملية من هذا القبيل، حسب إحصاء "بيرجمان"، فيما زادت عمليات الاغتيال الأمريكية أيضا بشكل حاد منذ عام 2001.

ووفقا لمؤسسة "نيو أمريكا"، التي تتعقب الضربات عبر الطائرات بدون طيار وغيرها من الأعمال الأمريكية في باكستان واليمن والصومال، أطلقت إدارة "بوش" ما لا يقل عن 50 عملية اغتيال في تلك البلدان.

وقد أخذ الرئيس السابق "باراك أوباما" الأمور إلى أبعد من ذلك. وفي 8 أعوام من ولايته، نفذت إدارته 572 غارة خلال حروب الظل على تنظيم "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" والميليشيات التي لا تعد ولا تحصى.

وفي عام 2011، أمر "أوباما" بغارة الكوماندوز التي قتلت "أسامة بن لادن"، في مجمع سكني في باكستان. وقد تحدث في كثير من الأحيان عن الحاجة إلى "حرب عادلة"، كما تصورها الفلاسفة المسيحيون، حتى عندما اعتنق عقيدة حرب الطائرات بدون طيار.

ورأى "مايكل والزر"، مؤلف كتاب "حروب عادلة وغير عادلة"، تصاعد هجمات الطائرات بدون طيار كجزء من نوع جديد من الحروب، دون خطوط أمامية أو حدود رسمية.

ويقول: "القتل المستهدف يعد استجابة لظهور قوى مثل طالبان، التي تضرب في دولة مجاورة عبر الحدود ثم تختبئ. إذا كان الهدف عسكريا شرعيا، وإذا تم فعل كل شيء يمكن القيام به للتأكد من ضرب الهدف وعدم قتل أشخاص أبرياء، فأعتقد أنه، وأكره أن أقول ذلك، ليس شيئا سيئا. لكن لست متأكدا من أنه يتم فعل كل ما يلزم. وإذا كان الدليل المتراكم يؤكد أنه لا يتم فعل ما يلزم، فلا يمكن تبرير الاغتيال، لأن احتمال النجاح هو أحد شروط العمل العسكري العادل".

وتصف الولايات المتحدة عمليات الاغتيال هذه بأنها "قتل مستهدف"، وهو مصطلح ليس له تاريخ طويل في القانون الدولي، لتمييزها عن الاغتيالات التي يحظرها صراحة الأمر التنفيذي لـ "ريجان" واتفاقية "لاهاي". وفي (إسرائيل)، يتم استخدام المصطلحين.

وفي الممارسة العملية، جعلت حروب الطائرات بدون طيار المصطلحين مترادفين إلى حد كبير، حيث يتم استخدام مصطلح "التهديد الوشيك" بشكل مطاط وفقا لـ "كين روث"، المدير التنفيذي لـ "هيومن رايتس ووتش".

وقال "روث": "لقد امتد مفهوم الهجوم الوشيك حتى أصبح بلا معنى.  لقد حولت الولايات المتحدة الأمر إلى شيء أشبه بـ (هذا إرهابي، وقد يكون لديه، في مرحلة ما، خطة لتنفيذ هجوم إرهابي. ولن نكون قادرين على إيقافه. لذلك دعونا نقتله فقط)".

وتابع قائلا: "بصراحة، هذا أمر استثنائي للغاية، ويجب ألا يحدث إلا في أضيق الظروف. لقد أصبح فعلا أمريكيا عاديا تقريبا".

وبحلول نهاية فترة ولاية "أوباما" الثانية، بعد 15 عاما من بدء هجمات الطائرات بدون طيار، لم يعد الأمريكيون يهتمون بالأمر كثيرا. وفي استطلاعات الرأي، تقول غالبية كبيرة من الأمريكيين إنهم يدعمون عمليات "القتل المستهدفة"؛ في حين أن غالبية الناس في معظم البلدان الأخرى ضدها بشدة.

ووفقا لمؤسسة "نيو أمريكا"، في الأعوام الـ 3 الماضية، شن الرئيس "دونالد ترامب" ما لا يقل عن 260 هجوما، بزيادة بنسبة 20% في هذا النوع من الهجمات على أساس سنوي.

المصدر | آدم إنتوس/نيويوركر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

عملية اغتيال سياسة الاغتيالات المخابرات الأمريكية

دبلوماسي إسرائيلي يلمح لاغتيال نصرالله على غرار سليماني