جيوبوليتيكال فيوتشرز: كيف يرى العرب إسطنبول؟

الثلاثاء 11 فبراير 2020 10:12 م

تعتبر إسطنبول لزوارها رمزا لإمبراطورية، وليس عاصمة لدولة قومية. وكانت هذه المدينة المتنوعة عرقيا كبيرة للغاية بالنسبة لنوع الدولة التي أسسها "مصطفى كمال أتاتورك" خلال حرب الاستقلال (1919-1923). وبالنسبة له، فإن العاصمة الحالية، "أنقرة"، تناسب نظامه الجمهوري أفضل من إسطنبول، التي تعبر أكثر عن الإرث الإمبراطوري الذي سعى بحماس إلى حله. وبالنسبة للأتراك، تعد إسطنبول مركزا ثقافيا وقوة اقتصادية في البلاد.

ولقد احتفظ العرب بإسطنبول في مكانة عالية لقرون كمقر لحكم الإمبراطورية العثمانية، آخر دولة خلافة. وبحلول القرن الـ 19، أضعف النفوذ البريطاني والحركة القومية وحركة القومية العربية الإمبراطورية العثمانية إلى درجة لا يمكن إصلاحها. وتسببت الجهود المبذولة لتغيير تركيبتها بعد انقلاب الشباب التركي عام 1908 في فقدان ثقة العرب بالإمبراطورية، خاصة بعد أن تخلى القوميين الأتراك عن تركيبة الدولة متعددة الأعراق. وردا على ذلك، تحول الناس في سوريا الكبرى والعراق، وهي الأراضي الوحيدة الناطقة بالعربية الباقية في الإمبراطورية آنذاك، إلى القومية العربية، وقبلوها افتراضيا دون فهم تعقيد تطور الهوية الوطنية.

وغير مدركين لاتفاقية "سايكس بيكو" لعام 1916 بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم العراق وسوريا الكبرى، فقد أعلن الهاشميون في الدولة السعودية العربية الجهاد ضد العثمانيين، على أمل إقامة مملكة عربية. وسواء كان هذا مبررا أم لا، فقد خلق هذا إسفينا بين العرب والأتراك لم يُشفَ مطلقا. لكن فشل القومية العربية وما تلاها من الاضطرابات الناجمة عن التشدد الإسلامي يبدو أنه قد قرب تركيا من العرب من جديد في الأعوام الأخيرة.

وبدأ التغيير الجوهري بتأسيس "حزب العدالة والتنمية" عام 2001، الذي انطلق ليصبح الحزب الحاكم بعد أن أصبح "رجب طيب أردوغان" رئيسا للوزراء في عام 2003 ثم رئيسا في عام 2014.

وانفتح "أردوغان" على المنطقة العربية كجزء من أجندة السياسة الخارجية التي أطلق عليها "العثمانية الجديدة"، وهو مفهوم يشير إلى الاعتزاز بالإمبريالية السابقة لإسطنبول في الشرق الأوسط ومنطقة البلقان والقوقاز. وكان سلوكه تجاه (إسرائيل) جذابا بشكل خاص لبعض العرب. وفي عام 2009، خرج من اجتماع في "دافوس" بعد اشتباكه مع رئيس وزراء (إسرائيل) بشأن الهجوم العسكري في غزة. وفي عام 2010، أصبح بطلا للعرب بعد أن قتلت (إسرائيل) 9 نشطاء أتراك على متن "مافي مرمرة"، التي كانت تقود أسطولا لكسر الحصار المفروض على غزة.

فـ "أردوغان"، بعد كل شيء، إسلامي من داخله. وكانت إيماءاته تجاه العرب أكثر واقعية في خطاباته. وأعادت خطبه الكاريزمية ذكريات الرئيس المصري الراحل "جمال عبد الناصر"، الذي نالت أفكاره القومية العربية قلوب وعقول العرب في جميع أنحاء المنطقة. وفي عهد "ناصر"، أصبحت القاهرة مكة السياح العرب. وفي ظل "أردوغان"، اتخذت إسطنبول هذه المكانة.

وتواصل إسطنبول، تلك المدينة الآسرة التي تمتد عبر أوروبا وآسيا، جذب العرب للعودة إليها مرارا وتكرارا. ومنذ بداية الانتفاضات العربية في ديسمبر/كانون الأول 2010، لم تكن وجهة سياحية شهيرة فحسب، بل كانت أيضا ملاذا للنشطاء العرب وزعماء المعارضة الذين خسروا المعركة لتحرير مجتمعاتهم من قيود الاستبداد. ويتم التحدث بالعربية هناك على نطاق واسع، وغالبا ما يعتقد الزوار أنهم في مكان مألوف. وبالنسبة إلى السكان المحليين، يوجد في إسطنبول عدد من العرب يفوق عدد النساء المحجبات في بيروت. وتستخدم العديد من العلامات التجارية ومناطق الجذب السياحي اللغة العربية، وغالبا ما تقوم الشركات بتعيين موظفين يتحدثون العربية.

وأصبحت إسطنبول أيضا المدينة المفضلة لمحطات التلفزيون الفضائية المناهضة للحكومات. وتجد العشرات من المحطات السورية والليبية والعراقية والمصرية واليمنية التي لا تستطيع البث في الداخل أن إسطنبول مناسبة بشكل مثالي لجماهيرها. ويشمل طالبو اللجوء العرب في إسطنبول الناشطين الدينيين، مثل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وحزب الإصلاح اليمني، وقادة المعارضة العلمانية القومية مثل "أيمن نور"، الذي أسس في ديسمبر/كانون الأول 2019 مجموعة العمل الوطنية المصرية لإسقاط النظام المصري الحالي. وفي الأعوام الأخيرة، كانت إسطنبول منتدى للمثقفين العرب وقادة المعارضة، حيث اختفى النقاش السياسي في أماكن أخرى في المنطقة.

ويتم إنفاق الأموال العربية على نطاق واسع في المدينة. فقد أنشأ اللاجئون القادمون من الانتفاضات، الهاربين من الموت والاضطهاد والفقر، مدينة عربية صغيرة مزدهرة في حي "آق سراي" في إسطنبول. وقد لجأ الشباب العرب العاطلون عن العمل، الذين يأسوا للحصول على فرصة، إلى مدينة إسطنبول. وجمع آخرون مدخرات حياتهم لفتح شركة عائلية أو شراء شقة في إسطنبول، نظرا للاستقرار والأمن النسبي هناك مقارنة ببلدانهم الأصلية. وسافر النائب العام السعودي "سعود المجيب" إلى إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018 للتحقيق في اغتيال "جمال خاشقجي". وخلال محادثاته التي استمرت يومين مع المسؤولين الأتراك لم ينسَ التوقف للتسوق في المدينة. وعاد إلى المملكة العربية السعودية مع 5 حقائب كبيرة من البضائع، و4 مجموعات من الحلويات.

ومع ذلك، فإن رؤساء الدول العربية، مثل زعماء مصر والسعودية والإمارات، لديهم أسباب للخوف من "أردوغان"؛ فأجندته الإسلامية السرية المزعومة تخيفهم، خاصة لأنها تصبح ناجحة اقتصاديا. وهم يشعرون بالتهديد بسبب روابط حزب العدالة والتنمية مع جماعة الإخوان المسلمين، وترى دبي أن إسطنبول منافس جاد في السفر والسياحة العالمية.

ويفقد اللاجئون عموما بعض المكانة عندما يبالغون في وجودهم في مجتمع مضيف، خاصة في بيئة قومية عرقية مثل تركيا. ويوجد ما لا يقل عن 1.2 مليون مهاجر ولاجئ وطالب لجوء عربي في إسطنبول. ويستثني هذا الرقم المواطنين الأتراك من أصول عربية. ووفقا لمثل عربي، "من يترك داره، يقل مقداره"، فإنه على الرغم من أن العرب والأتراك يتقاسمون العديد من القيم الثقافية، فهناك سمات سلوكية محددة تمايز بينهم وتسبب التوتر والاستياء. ومن المرجح أن لا يشعر العرب بالترحيب في أجزاء من اسطنبول يسكنها العلمانيون والقوميون مقارنة بمناطق مثل الفاتح المؤيدة بشدة لحزب العدالة والتنمية. وفي عام 2016، أصبح وسم "لا أريد السوريين في بلدي" فيروسيا على تويتر، ودخل العرب في إسطنبول وبقية تركيا في السياسة المثيرة للانقسام في البلاد.

ومن الشائع في تركيا وضع العرب ككبش فداء. ويلوم الكثير من وسائل الإعلام والجمهور العرب بشكل عام والسوريين بشكل خاص على إشعال الأزمة الاقتصادية في البلاد. وفي الحقيقة، هناك خلل في الميزان التجاري. وتعد التقلبات في المشاعر المعادية للعرب في تركيا طبيعية، وقد تحدث في أي بيئة اجتماعية، بغض النظر عن من يحكم تركيا. ومن المرجح أن يواصل العرب التقارب مع إسطنبول، رغم أن حجم هذا التقارب يتوقف على قدرة أنقرة على أن تصبح قوة إقليمية ناجحة.

المصدر | هلال خاشان - جيوبوليتيكال فيوتشرز

  كلمات مفتاحية

مدينة إسطنبول

بلدية إسطنبول تطالب المتاجر بتغيير اللافتات العربية

لماذا أصبحت إسطنبول وجهة اللاجئين والمعارضين العرب؟