العصا والجزرة.. هكذا أدارت طالبان مفاوضاتها الماراثونية مع واشنطن

الأحد 16 فبراير 2020 09:48 م

"أضاعت الولايات المتحدة الكثير من وقتنا وطاقتنا تحت مسمى محادثات السلام، على القيادة أن تقرر إن كانت ستبرم الاتفاق أم ستوقف عملية السلام للأبد وتهتم بساحة القتال"..

هكذا قدم تعليق قيادي في حركة "طالبان" الأفغانية على مسار المفاوضات بين الحركة والمسؤولين الأمريكيين في الدوحة مؤخرا، تعبيرا موجزا عن الطريقة التي أدارت بها الحركة تلك المفاوضات.

فالحركة تبنت نهجا صارما في إدارة مفاوضاتها التي تستهدف بالأساس جلاء القوات الأجنبية، بما فيها الأمريكية، من أفغانستان، بعدما سلم رجال دين منتمون للحركة رسالة قوية هذا الشهر إلى الولايات المتحدة عبر فريق التفاوض التابع لهم وطلبوا منهم إبرام اتفاق سلام قبل بدء "موسم القتال" في الربيع، وفقا لما أوردته "رويترز".

وبقدر ما قدم هذا النهج مؤشرا على صلابة "طالبان"، أثبت أيضا تمتعها بقدر كبير من دهاء التفاوض السياسي، وهو ما لم يكن معروفا عن الحركة التي حكمت أفغانستان في فترة ما قبل الغزو الأمريكي للبلاد في 2001.

وبينما يعزو مراقبون للشأن الأفغاني هذا التطور في أداء الحركة إلى خبرة 18 عاما من القتال الميداني، مكنتها من حوز موقع ميداني قوي بفضل سيطرتها على ما يقارب نصف الجغرافيا الأفغانية، يعزوه آخرون إلى مراجعات فكرية أجرتها الحركة وانفتاح إقليمي ودولي مكنها من كسب شبكة علاقات، جعلت من إمكانية عودتها إلى سدة السلطة في أفغانستان أمرا ممكنا.

تناسب ذلك مع توقيت يريد فيه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" تطبيق أحد وعوده الانتخابية، القاضية بسحب قوات بلاده المؤلفة من 13 ألف عنصر من أفغانستان.

غير أن توالي تعرض تلك القوات لهجمات "طالبان" وتعرضها لخسائر فادحة جعل من سحب القوات أحاديا أشبه بانتكاس عسكري أمريكي، وهو ما يرفضه الرئيس الأمريكي، الذي فضلت إدارته الدخول في مفاوضات مباشرة مع "طالبان" برعاية الدوحة، على أمل الوصول إلى اتفاق مع الحركة يمكن لـ"ترامب" استخدامه كورقة رابحة لتعزيز فرصه في الفوز بالانتخابات المقررة نهاية العام الحالي.

مخاوف الهزيمة

ويشير المحلل السياسي المختص بالشؤون الأفغانية والآسيوية "انتظار خادم" إلى أن قبول الولايات المتحدة التعامل بندية مع حركة "طالبان" يظهر مخاوف واشنطن من التعرض لهزيمة كتلك التي تعرض لها الروس وقبلهم البريطانيون في أفغانستان، وفقا لما أورده موقع "عربي 21".

وبذلك دخلت "طالبان" التفاوض من مركز قوة نسبية، خاصة بعدما كشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن الخسائر الأمريكية في أفغانستان هائلة، وأن هجمات الأفغان بقيادة "طالبان" تسببت في مقتل نحو 2400 أمريكي، وإصابة أكثر من 20 ألفاً آخرين على مدى الأعوام الـ18 الماضية.

وعلى مستوى الخسارة المادية، أنفقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الدفاع "البنتاجون"، ووزارة الخارجية، ما بين 934 مليار دولار و978 مليار دولار على حرب أفغانستان وجهود إعادة البناء، وفقاً لتقديرات أجرتها "نيتا كروفورد"، أستاذة العلوم السياسية والمديرة المشاركة لمشروع تكاليف الحرب في جامعة "براون".

من هنا بدت "طالبان" صلبة في مفاوضات الدوحة، التي جرت في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي كادت تصل لطريق مسدود بعدما اشترط المفاوضون الأمريكيون وقفا شاملا لإطلاق النار ولمدة طويلة قبل أي اتفاق على انسحاب القوات الأمريكية، وهو ما رفضته الحركة، التي قدمت عرضا بـ"خفض العنف" لمدة قصيرة (من 7 إلى 10 أيام).

وفي الشهر ذاته، نجح الطرفان في وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق تضمّن وضع جدول زمني واضح لسحب الجنود الأمريكيين من أفغانستان، وهو المطلب الرئيسي لـ"طالبان"، في مقابل التزام الحركة بعدم استخدام مقاتلين أجانب على أراضي أفغانستان.

غير أن شهور التفاوض كانت مليئة بفترات المد والجزر، التي تعاطت فيها "طالبان" مع الولايات المتحدة بأسلوب "العصا والجزرة" الأمريكي الشهير، حيث أبدت مرونة إزاء مطالبات ضمان عدم استخدام أفغانستان كقاعدة عدوان ضد الولايات المتحدة مستقبلا، بينما أبدت تشددا إزاء أي مماطلة في سحب القوات الأجنبية، وكثيرا ما استخدمت عملياتها العسكرية كورقة ضغط أثناء فترات التفاوض.

وفي هذا الإطار، أعلن "ترامب"، في سبتمبر/أيلول، أن "مفاوضات السلام مع طالبان انتهت"، متهما الحركة بـ"إظهار سوء النية" وذلك بعد شنها هجوما في كابول أسفر عن مقتل جندي أمريكي، و11 مواطنا أفغانياً، أثناء انعقاد جلسات التفاوض بالدوحة.

لكن الحركة الأفغانية لم تتراجع، بل واصلت عملياتها وأكدت أنها غير ملتزمة بأي وقف للعنف طالما أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن بعد.

وفي السياق أعلن الجيش الأمريكي، في بيان أصدره بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني الماضي، أن اثنين من أفراد قواته في أفغانستان قتلا وأصيب اثنان آخران، بجروح عندما أصيبت مركبتهم في انفجار قنبلة على جانب الطريق جنوبي أفغانستان، دون أن يحدد هوية القتلى، بينما أعلنت "طالبان" مسؤوليتها عن الهجوم، وأكدت أن الانفجار أسفر عن مقتل كل الجنود بالمركبة.

لاحقا، أعلن المتحدث باسم الحركة "ذبيح الله مجاهد"، في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، إسقاط طائرة تحمل أمريكيين في غزنى، مؤكدا أن جميع ركابها قد قتلوا، ومنهم ضباط كبار كانوا في مهمة تجسسية.

ملحق سري

كانت هذه العمليات تهدف إلى إظهار أن طالبان توصلت إلى اتفاق سلام مع أمريكا "تحت ضغط الحرب"، بدليل إجرائها مباحثات سرية منذ عام 2012 مع الولايات المتحدة في عدد من دول العالم، منها السعودية والإمارات وباكستان وروسيا، دون توقيع اتفاق.

هذا ما تظهره أيضا "الملاحق السرية" لاتفاق السلام المنتظر توقيعه خلال الأيام المقبلة بين واشنطن والتي نشرتها مجلة "تايم" الأمريكية مؤخرا.

ووفقا لـ"تايم" من المرجح أن ينص الاتفاق على "تخفيض" عدد الجنود الأمريكيين بأفغانستان والإبقاء على نحو 8600 منهم لأغراض "مكافحة الإرهاب"، مقابل تعهد "طالبان" بإيقاف هجماتها على القوات الأمريكية.

ولذا يصف المراسل الحربي المخضرم بقناة الجزيرة القطرية "تيسير علوني" مجريات عملية التفاوض الطويلة مع "طالبان" بأنها هزيمة مدوية للأمريكيين سياسيا وعسكريا، قائلا: "بعد تصنيف الأمريكان طالبان بأنها إرهابية ووعيدهم بسحقها أوفدوا زلماي خليل زاد كمبعوث خاص إلى مقر المكتب السياسي للحركة في الدوحة، ليجلس مع هؤلاء (الإرهابيين) ويتفاوض معهم بمستوى الند للند"، وفقا لما أورده موقع "الخليج أونلاين".

وعليه، فإن الرواية العامة التي صدرت عن "البنتاجون" ووزارة الخارجية الأمريكية بشأن إحراز الولايات المتحدة تقدماً في حرب أفغانستان، ووصفهما تلك الحرب بأنها "تستحق التكاليف"، سواء البشرية والاقتصادية، لم يكن سوى حلقة جديدة في مسلسل "تضليل الرأي العام الأمريكي"، وهو ما أقر به "جون سوبكو"، رئيس مكتب المفتش العام لإعادة إعمار أفغانستان، في تصريحاته لصحيفة "واشنطن بوست" مؤكدا بأنه ينوي تدشين مشروع فيدرالي للبحث في إخفاقات الحرب الأمريكية.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

حركة طالبان دونالد ترامب

اتفاق سلام محتمل بين أمريكا وطالبان إذا قلصت الحركة الهجمات

توقيع اتفاق السلام بين طالبان وأمريكا بقطر خلال أيام