في الذكرى التاسعة للثورة.. حفتر يقتل أحلام الليبيين

الاثنين 17 فبراير 2020 04:44 م

قبل 17 فبراير/ شباط 2011، كان من الصعب تصور أن يثور الشعب الليبي، الخاضع لنظام سلطوي لم يتردد في قتل قرابة 1300 معتقل في يوم واحد بسجن أبو سليم، عام 1996، ونسج حبال ولاء متينة مع شيوخ القبائل النافذين، ونقل مراكز القوة العسكرية من الجيش إلى الكتائب الأمنية، بقيادة أولاده وأبناء عمومته.

لكن، ومع كل ذلك الترهيب والترغيب، لم يخرج الشعب الليبي عن قاعدة "الدومينو"، التي أسقطت الحجر الغربي في تونس، ثم الشرقي في مصر، وبقي نظام معمر القذافي بالمنتصف في ليبيا، يعاند منطق الشعوب، رغم أنه أول زعيم عربي تنبأ بسقوط جميع القادة العرب، بعد انهيار نظام صدام حسين (1979- 2003).

اندلعت شرارة الثورة في مدينة بنغازي (شرق)، يوم 17 فبراير/ شباط 2011، بمظاهرات سلمية، واجهها القذافي (1969: 2011) بالرصاص الحي، لكن لم يستطع أن يقضي عليها، بل زاد الناس غضبًا، وبدأت انشقاقات داخل الجيش والحكومة والسلك الدبلوماسي، واقتحم محتجون غاضبون ثكنات مدججة بالسلاح.

سريعًا، سقطت بنغازي في أيدي الثوار، خاصة بعد انشقاق وزير الداخلية، قائد القوات الخاصة، اللواء "عبد الفتاح يونس"، مع نحو ثلاثة آلاف من رجاله، كما التحق بالثورة "مهدي البرغثي"، قائد كتيبة دبابات في بنغازي، ولم تمض سوى أيام حتى كانت المدينة وكامل الشرق الليبي في أيدي الثوار.

غضب "القذافي" حينها، وقرر إرسال كتائبه إلى بنغازي لوأد الثورة في معقلها، لكن شرارتها امتدت إلى مدن أخرى في الغرب الليبي، مثل مصراتة (200 كلم شرق العاصمة طرابلس) والزنتان في جبل نفوسة (170 كلم جنوب غرب طرابلس)، بل حتى في “الزاوية” التي لا تبعد سوى نحو 50 كلم عن العاصمة.

فشل القذافي في دخول بنغازي، بعد تدخل طيران تحالف دولي، بقيادة فرنسا، لكنه قاوم السقوط لأشهر طويلة، واقتحم مدينة الزاوية ونكّل بثوارها، وحاصر مصراتة، التي لم تكن يصلها المؤن إلا من البحر.

أما الزنتان، التي كانت معزولة ومحاصرة في ظهر الجبل، فتمكن الفرنسيون من إنشاء مهبط سري للطائرات، وزودوا الثوار بصواريخ "مولان" المضادة للدبابات.

كان المتوقع أن يتمكن الثوار من دخول طرابلس من الشرق، لكن كتائب القذافي كانت تصدهم دومًا في منطقة الهلال النفطي "الرخوة" عسكريًا، غير أن صمود مصراتة والزنتان أمام الحصار، كان مقدمة لانهيار كتائب القذافي في المنطقة الغربية، وبعد أن وصل ثوار المدينتين إلى أبواب طرابلس، حدثت مفاجأة، فقد ألقت إحدى الكتائب المكلفة بحماية العاصمة أسلحتها، وتخلت عن القذافي، بتنسيق بين قائدها والثوار.

سقوط طرابلس كان سريعًا، وحاول القذافي الاحتماء بأبناء قبيلته في مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، إلا أن الثوار لاحقوه هناك، وقتلوه في 20 أكتوبر/ تشرين أول 2011، بعد أكثر من ثمانية أشهر من الثورة.

  • سقط القذافي.. وماذا بعد؟

قبيل سقوط نظام القذافي، أصدر المجلس الوطني الانتقالي (قيادة الثورة)، في أغسطس/ آب 2011، إعلانًا دستوريًا، وهو بمثابة دستور مؤقت للبلاد، وعلى ضوئه جرت انتخابات المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي)، في 7 يوليو/ تموز 2012.

قاد هذه المرحلة كل من "مصطفى عبد الجليل"، رئيس المجلس الانتقالي، و"محمود جبريل"، رئيس المجلس التنفيذي (بمثابة الحكومة المؤقتة).

ونتج عن انتخاب المؤتمر الوطني العام فوز تحالف "جبريل"، المشكل من أحزاب صغيرة، بالمرتبة الأولى، بفارق بسيط عن حزب “العدالة والبناء” (إسلامي معتدل).

لكن الحكومة آلت إلى "عبدالرحمان الكيب"، وواجهت ليبيا مشكلة انتشار السلاح، وصعوبة بناء جيش موحد، وتنافس كتائب الثوار فيما بينها للسيطرة على أماكن حساسة، خاصة في العاصمة، وعلى رأسها مطار طرابلس الدولي.

وتم تشكيل "الدروع" (أشبه بالحرس الثوري) لاحتواء كتائب الثوار كقوة رديفة للجيش، لكن كثيرًا ما اشتكى سياسيون من تدخل الكتائب في عمل الحكومة والبرلمان، ووصل الأمر حد اختطاف رئيس الحكومة، علي زيدان، في 2013، ثم إطلاق سراحه بعد أيام.

  • حفتر يُقسِّم البلاد

كان الوضع الأمني والسياسي هشًا للغاية، إذ فشل البرلمان التأسيسي في إصدار دستور دائم، رغم تمديد ولايته عامين بدلًا عن عام واحد، وتحت ضغط شعبي، وافق على إجراء انتخابات برلمانية لانتخاب مجلس للنواب لا تتجاوز ولايته عامًا واحدًا غير قابل للتمديد.

وقبل نحو 40 يومًا من إجراء الانتخابات البرلمانية، أطلق اللواء متقاعد، خليفة حفتر، "عملية الكرامة"، منتصف مايو/ أيار 2014، وقسّم مؤسسات ليبيا وكتائبها بين داعم له ورافض لمشروعه "المستنسخ" من نظام "القذافي"، حسب منتقدين.

حصل "حفتر" على دعم معظم قبائل الشرق الليبي، لكنه أخفق في السيطرة على بنغازي، وفي الغرب انقسمت طرابلس بين كتائب مصراتة وحلفائها، والزنتان وداعميها، وشكلت مصراتة تحالف "فجر ليبيا"، الذي نجح في طرد الكتائب الداعمة لـ"حفتر" من المطار وجميع أحياء العاصمة.

سياسيًا، انحاز معظم وزراء حكومة "عبدالله الثني" إلى حفتر، وانتقلوا من طرابلس إلى مدينة البيضاء (شرق)، الخاضعة لقائد "عملية الكرامة"

أما مجلس النواب الجديد، فانحاز أكثر من ثلثيه إلى حفتر، وعقدوا أول اجتماع لهم بمدينة طبرق (أقصى الشرق)، بدلًا عن طرابلس، قبل الانتقال بشكل دائم إلى بنغازي، كما ينص الإعلان الدستوري.

وأدى هذا الوضع إلى انقسام الجيش الهش، وعودة البرلمان التأسيسي للنشاط؛ بحجة خرق "النواب" للإعلان الدستوري، وتشكيل حكومة جديدة في طرابلس، تحت اسم "حكومة الإنقاذ"، مقابل الحكومة المؤقتة في البيضاء.

حظي "حفتر" بدعم عسكري من الإمارات ومصر وفرنسا، مما سمح له بتحقيق بعض التقدم في بنغازي، لكن ثلثي مساحة ليبيا وسكانها كان تحت سيطرة حكومة الإنقاذ في طرابلس.

وفي نهاية 2015، وبرعاية الأمم المتحدة، تمكن وفدان من مجلس النواب في طبرق، والمؤتمر الوطني في طرابلس، من تشكيل مجلس رئاسي من تسعة أعضاء، برئاسة فائز السراج، الذي يترأس أيضًا حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليًا.

لكن "حفتر" اعتبر أنه المستهدف الأول بهذا الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية؛ لأنه يضع سلطة تعيين القادة العسكريين بيد المجلس الرئاسي، لذا عمل على عرقلة تنفيذ الاتفاق.

  • حروب "حفتر" الصغيرة

استطاع المجلس الرئاسي دخول طرابلس، نهاية مارس/ آذار 2016، رغم معارضة حكومة الإنقاذ، بقيادة "خليفة الغويل"، لكن مناورات حفتر ورئيس مجلس النواب الموالي له، "عقيلة صالح"، أجهضت نيل حكومة الوفاق ثقة البرلمان، رغم أن غالبية النواب يدعمونها.

دخلت حكومة الوفاق في صراع مع حكومة الإنقاذ بطرابلس، انتهى بحسم الأولى الأمر لصالحها عسكريًا في 2017، بينما استغل "حفتر" ذلك في القضاء على آخر معاقل مجلس شورى ثوار بنغازي في المدينة، عام 2017، بعد ثلاث سنوات من القتال.

وسيّطر "حفتر" على قاعدتين جويتين استراتيجيتين في سبها (جنوب غرب) والجفرة (وسط) في 2016، واقتحمت "ميليشياته" مدينة درنة (شرق)، في 2018، بعد أكثر من ثمانية أشهر من القتال ضد مجلس شورى مجاهدي درنة.

وفي مطلع 2019، استغل "حفتر" نزاعًا قبليًا في إقليم فزان (جنوب)، وأطلق عملية عسكرية، وسيطر خلال شهرين على معظم مدن وبلدات الإقليم، خاصة مطاراته وحقوله النفطية.

وبعد أن تغلغل أنصاره في مدن الغرب، وعقد صفقات مع بعض كتائبه، حرك "حفتر" ميليشياته من شرق ليبيا نحو طرابلس، في 4 أبريل/ نيسان 2019، لكن توحيد كتائب مصراتة والزنتان والزاوية، إضافة إلى كتائب طرابلس، لجهودها، حرمه من نصر سريع.

ورغم اتفاق 12 دولة وأربع منظمات إقليمية ودولية، في مؤتمر برلين، يوم 19 يناير/ كانون ثاني الماضي، على ضرورة الالتزام بوقف لإطلاق النار، قائم منذ 12 من ذلك الشهر بمبادرة تركية روسية، ومصادقة مجلس الأمن على قرارات المؤتمر بقرار دولي، إلا أن "حفتر"، وفي تحدٍ للمجتمع الدولي، أعلن رفضه وقف إطلاق النار إلى غاية دخول طرابلس.

  • حلم الثورة لم يتحقق

 

عندما ثاروا على القذافي، حلم الليبيون أن يعيشوا في أمان وكرامة، وأن يصبح بلدهم منفتحًا على العالم الخارجي ومتطورًا وزاخرًا بالعمران والحضارة، فليبيا غنية بالنفط والغاز، وعدد سكانها قليل (نحو 6.9 مليون نسمة)، ويمكنهم بسهولة أن يصلوا إلى مستوى دول الخليج في رغد العيش.

ويروي الليبيون، بفخر ممزوج بمرارة، أن أحد أمراء دبي زار طرابلس في عهد الملك محمد إدريس السنوسي (1951-1969) لمعالجة عينيه، فأُعجب بالعاصمة الليبية وقال للملك السنوسي: "ليت دبي تصبح مثل عروس البحر المتوسط (لقب كانت تُعرف به طرابلس)".

لكن، شتان اليوم بين دبي وطرابلس، رغم أن الأخيرة زاخرة بالعراقة، وأزقتها القديمة العابقة بروح الحضارة.

 

 

المصدر | الأناضول

  كلمات مفتاحية

خليفة حفتر الثورة الليبية

طرفا الصراع في ليبيا يتأهبان لمواجهة طويلة

ميليشيات "حفتر" تقصف ميناء طرابلس للمرة الأولى

إصرار أممي على عقد مباحثات جنيف للسلام حول لبيبا