الحديدة وتبادل الأسرى.. هكذا أدار الحوثيون قناة التفاوض الخلفية مع السعودية

الأحد 23 فبراير 2020 06:28 م

"القناة الخلفية للمحادثات تحقق تقدما".. بهذه الكلمات اعترف وزير الخارجية السعودي، الأمير "فيصل بن فرحان"، للمرة الأولى بانخراط الرياض في تفاوض مباشر مع جماعة أنصار الله اليمنية (الحوثيين)، ما اعتبره المراقبون مؤشرا مهما على إمكانية الوصول الوصول إلى تسوية مقبولة من الطرفين.

وجاء الاعتراف السعودي في كلمة لوزير الخارجية خلال مؤتمر ميونخ للأمن، 15 فبراير/ شباط، أكد فيها أن بلاده "ملتزمة بالمضي قدما في المفاوضات".

قبل نجو أسبوع واحد من تصريحات "بن فرحان"، استضافت العاصمة الأردنية عمان الاجتماعات المباشرة بين الحكومة اليمنية والسعوديين من جانب والحوثيين من جانب آخر، لتعلن الأمم المتحدة،يوم 17 فبراير/شباط عن اتفاق الجانبين على خطة تفصيلية لإتمام أول عملية تبادل أسرى ومحتجزين، بمن فيهم جنود سعوديون وسودانيون.

ونص الاتفاق على إطلاق سراح أكثر من 1400 من الأسرى والمعتقلين لدى الحكومة والحوثيين في المرحلة الأولى تتبعها جولات أخرى حتى الانتهاء من تبادل كافة الأسرى من الطرفين والذين يقدر عددهم بأكثر من 10 آلاف أسير كان الطرفان قد تبادلا معلومات عنهم في اتفاق ستوكهولم نهاية عام 2018، وفقا لما نقلته قناة الجزيرة عن مصادرها.

وتلا ذلك إعلان الجيش اليمني، المدعوم من السعودية، الأربعاء 19 فبراير/شباط، التوصل إلى اتفاق مع الحوثي، مكون من 7 نقاط، لتثبيت التهدئة بمحافظة الحديدة، غربي البلاد، ويتضمن 7 نقاط، أهمها: الالتزام بوقف إطلاق النار في كل جبهات ومديريات الحديدة، ووقف الاعتداءات على نقاط الرقابة، واعتبار أي قصف صاروخي أو مدفعي من كلا الطرفين انتهاك للهدنة ومؤشر لتصعيد عسكري.

واتفق الطرفان كذلك على منع أي تحليق للطيران بأنواعه وإيقاف الغارات الجوية، إضافة إلى دعوة بعثة الأمم المتحدة لسرعة نشر مراقبين ضمن نقاط الرقابة الخمس التي تم إنشاؤها في المدينة في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ضمن المساعي الرامية إلى حل الوضع في المحافظة بشكل سلمي بناء على اتفاق ستوكهولم.

تصعيد حوثي

قبيل المفاوضات الأخيرة، استخدم الحوثيون العديد من أوراق الضغط لجلب المملكة إلى طاولة التفاوض. على رأس هذه الأوراق هوية بعض المعتقلين أنفسهم حيث العميد "ناصر منصور هادي"، شقيق الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي"، هو أحد المعتقلين اليمنيين الأربعة الذين من المحتمل أن يتم الإفراج عنهم في المرحلة الأولى للاتفاق في حال تنفيذه.

أما ورقة الضغط الثانية فتمثلت في تصعيد حوثي نوعي على المستوى الميداني، بعدما شهدت الأشهر الماضية هدوءا نسبيا في العمليات القتالية على عدة جبهات.

وتعمد الحوثيون تصعيد العنف على جبهة شرقي العاصمة صنعاء بهجوم صاروخي على معسكر لقوات الحكومة المدعومة من السعودية، في 19 يناير/ كانون الثاني، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص.

وبالتزامن، شهدت جبهات القتال في محافظة الجوف، أكبر محافظات الشمال اليمني، معارك عنيفة بين القوات الحكومية ومسلحي الحوثي، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.

لكن التصعيد الحوثي بلغ ذروته الجمعة 14 فبراير/شباط، عندما أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين "يحيى سريع" إسقاط طائرة حربية من طراز "تورنيدو" تابعة للتحالف العربي في سماء الجوف، قبل أن يعترف التحالف بالواقعة، ويقول إن الطائرة سعودية.

وفي اليوم التالي، السبت 15 فبراير/شباط، أعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية، التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء، العميد "عبدالخالق العجري"، اعتقال أفراد يعملون لصالح الاستخبارات السعودية، بدعوى إدارتهم "أعمالا تخريبية" في اليمن، شملت التجسس على قدرات الدفاع الجوي والقوة الصاروخية لدى جماعة أنصار الله المدعومة، فضلا عن "اختراق كافة المؤسسات الأمنية والعسكرية من خلال تكثيف عملية استقطاب العاملين فيها".

وأخيرا في يوم الجمعة 21 فبراير/ شباط، أكدت قوات الدفاع الجوي السعودي تمكنها من اعتراض صواريخ باليستية أطلقها الحوثيون تجاه عدة مدن في المملكة، فيما تحدثت مصادر عن توقف مؤقت في مطار جدة.

تطور استراتيجي

ويبدو أن هجمات جماعة الحوثي، التي شهدت تطورا نوعيا كبيرا خلال العام الأخير دفعت المملكة لمراجعة سياستها في اليمن سعيا نحو تقليص وتيرة الاشتباكات.

ويرجح مراقبون أن المملكة توصلت إلى هذا القرار في أعقاب الهجمات التي أصابت منشآت أرامكو في بقيق وخريص في سبتمبر/ أيلول.

ومن المرجح أن نجاح الحوثيين في إسقاط طائرة "تورنيدو" سوف يعزز من هذا التوجه لدى الرياض.

وتمتلك طائرات "تورنيدو" إمكانات عسكرية كبيرة، ولديها القدرة على القيام بواجبات الإسناد الجوي القريب، والضربات الأرضية، وتأمين التفوق الجوي، والاعتراض، والضربات البحرية، والاستطلاع، كما يمكنها العمل ليلاً على ارتفاعات مختلفة وفي جميع الظروف الجوية، وبسرعة تفوق سرعة الصوت مرتين.

وإزاء تلك القدرات، فإن إسقاط الطائرة يعني أن الحوثيين يمتلكون، في الحد الأدنى، صواريخ "سام 7" أو "سام 9" المحمولة على الكتف، وهو ما يمثل "انقلابا في موازين القوى ويحيد الذراع الطويلة للتحالف ويقيد حركته في السماء.

وفي السياق ذاته، ينوه الخبير العسكري والاستراتيجي اليمني اللواء "عبدالله الجفري" إلى أن القيادة الحوثية أعلنت في السابق أن عام 2020 سيكون عام المنظومات الدفاعية والصاروخية المتطورة، التي سيكون بإمكانها إسقاط الطائرات الحديثة، وهو ما حدث بالفعل، ما يؤشر إلى وصول الدعم الإيراني لجماعة أنصار الله إلى مستوى استراتيجي قد يدفع السعودية لتقليص أنشطتها الجوية في اليمن.

في السياق ذاته، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن مصدر عسكري (لم تسمه) تأكيدها على أن أسلحة جديدة ومتطورة يتم تهريبها من إيران إلى الحوثيين.

وأمام هذا التصاعد النوعي في قدراتها، بدا أن جماعة الحوثي هي صاحبة اليد العليا في التفاوض مع السعودية، لذا وصف وزير النقل اليمني "صالح الجبواني" الحوار السعودي مع الجماعة بأنه "غير متكافئ".

واعتبر "الجبواني"، خلال استضافته ضمن برنامج "حديث خاص" على شاشة "التليفزيون العربي"، إسقاط الحوثيين لطائرة التحالف العربي الأخيرة "تطورا خطيرا يعني حصولهم على صواريخ أرض جو من إيران".

وإزاء ذلك، يرى الخبير "بيتر سالسبري"، وهو كبير المحللين في شؤون اليمن لدى مجموعة الأزمات الدولية، أن الحوثيين يفرضون، عبر تصعيدهم الميداني، حلا لمشكلة مستعصية ظهرت خلال المفاوضات السابقة مع السعوديين، مفادها أن طرفي الحرب "يكونان جيدين عند الموافقة على الاتفاق مع بعضهما البعض، لكنهما لا يكونان كذلك عندما يتعلق الأمر بتحويل تلك الاتفاقات إلى أفعال على أرض الواقع بسبب عدم وجود دوافع كافية لإنهاء القتال"، وفقا لما أوردته شبكة ""NBR الأمريكية.

وينوه "سالسبري"، في هذا الصدد" إلى أن السعوديين كانوا في غرفة المفاوضات مع الحوثيين هذه المرة، وهو ما لم يحدث في الاجتماعات السابقة؛ لذا فإن نوعية المسار التفاوضي تتحسن.

وربط خبير مجموعة الأزمات الدولية بين بدء الطرفين (السعودي والحوثي) للتفاوض المباشر منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وبين الهجوم الكبير على البنية التحتية للنفط السعودي في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي طالت منشأة بقيق النفطية، في إشارة إلى أن التصعيد العسكري هو ما دفع السعوديين لقبول التفاوض من الأساس، وهو نفسه الذي قد يجبرهم على تقديم تنازلات خلاله أيضا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الحديدة فيصل بن فرحان الحوثيين عبد ربه منصور هادي

اتفاق لتفعيل تهدئة بين الحكومة اليمنية والحوثيين في الحديدة

تأجيل محادثات تبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين لأجل غير مسمى