هــل الإرهــاب قضيـة كوكبــية؟

الثلاثاء 4 أغسطس 2015 04:08 ص

لا شك في أن أخطر قضية تشغل الساسة في عالم اليوم، هي أن الفرصة باتت متاحة للجميع لاستثمار منجزات العلم والتكنولوجيا، بينما البشرية منقسمة إلى أقلية تحظى بمزايا منتجات هذه المنجزات، فيما غالبية الجنس البشري محرومة منها. ومن هنا تأتي إشكالية ما يسمى الإرهاب في عصرنا.

فالإرهاب أصبح قضية كوكبية تنبعث من صميم النظام الدولي ذاته، إذ لم يعد الإرهاب قضية هامشية، بل أصبح يحتلّ موقعاً مركزياً في ظل العولمة، حيث أصبحت هناك ضرورة ملحّة لمراجعة أسس النظام الدولي الراهن لتحديد موقع الإرهاب كظاهرة عضوية فيه، وليس مجرد قضية عارضة أو هامشية.

فالإرهاب ليس مجرد عمل إجرامي فحسب، بل ينطوي أيضاً على مضمون سياسي حيث هناك من يشعرون بأنه لا مكان لهم بين الأحياء في ظل النظام الدولي القائم، وحتى تُكتب لهم الحياة فلا مفر من جرّ أبرياء آخرين إلى الموت مثلهم. تلك هي ورقتهم التفاوضية التي تستمدّ استمراريتها من استعداد العديد من الشباب «المؤمن» للاستشهاد.

فالملاحظ أن النظام الدولي الراهن الذي ينسب إلى نفسه صفة العولمة، فشل في إقامة علاقات تضامن بين البشر تفوق ما بينهم من أسباب الفرقة والاصطدام. تلك هي المأساة، إنها مأساة لم يبدّدها ما أنجز من تقدّم في مجالي العلم والتكنولوجيا وحق الجميع في استثمار منجزاتهما. إنها مأساة يتطلّب علاجها إعادة النظر في مجمل معطيات النظام الدولي وعيوبه ومساوئه، وأوجه التفاوت والخلل، التي يعاني من تجلياتها وآثارها جموع البسطاء والشرفاء في مجتمعات الجنوب.

فمثلاً، أصبح العلم المعاصر عالماً يكتنفه العديد من أسباب الالتباس، فيما كان التقدّم العلمي يبدو في الماضي أنه غزو مطرد للمجهول، وأن التوسع في العلم والمعرفة يقابله تقلّص وانكماش في مجال الجهل، ولكن لم يعد الأمر هكذا، إذ أصبحنا ندرك أنه كلما زدنا علماً زدنا إدراكاً بما لا نعلمه، وأصبح العلم يتقدّم في شكل مطلق وتتقهقر إنجازاته في شكل نسبي، الأمر الذي أصبح يشيع الحيرة والشك أكثر مما يؤسس الإحساس بالطمأنينة واليقين. ولم يعد الأمر يقتصر على العلم، بل شمل السياسة.

فالنظام الدولي الراهن أصبح ثنائي القطبية، فهناك القطب الذي تتزعمه أميركا، يقابلها القطب الآخر المتمرّد على نواقص هذا النظام وعيوبه، ويجسّد العنف شكله الأكثر تطرفاً، وأصبح السؤال: من الذي سينتصر، الولايات المتحدة بإمكاناتها التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية الهائلة، أم القطب الآخر بمشروعية حقوقه في كسر دائرة الاحتكار الذي تنعم به الأقلية العولمية وانتزاع حقّه في اقتسام الموارد والثروات والتمتع بمنجزات العلم والتكنولوجيا؟ فالصراع أصبح يدور بين معسكر القوة الذي تمثّله أميركا وحلفاؤها، وبين معسكر الحق ويمثله المستضعفون في أنحاء الأرض. قد ينتصر معسكر القوة مرحلياً، لكنه سيخسر منظومة القيم التي طالما تشدّق بها مثل الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان.

أما معسكر الحق فينطلق من الإيمان المطلق بحقوقه المشروعة، أي من عالم المطلقات في مواجهة عالم تحكمه النسبيات. هذا هو جوهر الصراع الذي قد يستغرق زمناً حتى تتوازن كفة الأمور بين معسكر القوة ومعسكر الحق.

* د. عواطف عبد الرحمن كاتبة مصرية وأستاذ بكلية الإعلام - جامعة القاهرة.  

  كلمات مفتاحية

الإرهاب العولمة النظام الدولي أمريكا

الحركات الجهادية العنيفة ولدت من العولمة.. وليس من الإسلام السياسي

«النظام العالمي»: قراءة في أوراق «هنري كيسنجر»

الهيمنة مفتاح النظام الدولي