المعادلة الصعبة.. كيف تدير تركيا أزمة إدلب؟

الجمعة 28 فبراير 2020 11:56 ص

تقع محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وهي آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة السورية ولا تتمتع بحماية مباشرة من قبل تركيا أو الولايات المتحدة. طوال الحرب السورية، أصبحت المحافظة مكانًا يأوي الكثير من اللاجئين السوريين بعد اقتحام قوات النظام السوري جيوب المقاومة الأخرى. والآن يسعى النظام السوري بسرعة لاستعادة أكبر قدر ممكن من المحافظة.

  • كسر الاتفاقات الروسية التركية

 وأقامت تركيا نقاط مراقبة عسكرية جديدة لردع تقدم النظام السوري إضافة إلى النقاط الـ 12 الأصلية المتفق عليها بين روسيا وتركيا في سبتمبر/أيلول 2018 والتي تخطتها قوات النظام.

ونشرت تركيا معدات وقوات إضافية في المحافظة، لكن هذه القوات ظلت بعيدة عن الخطوط الأمامية، في حين واصل النظام، بدعم روسي وإيراني، تقدمه نحو مدينة إدلب.

وبما أن كل محاولاتها السابقة لردع النظام قد فشلت، تحاول أنقرة الآن إيجاد طريقة للحد من الأضرار التي يمكن أن تسببها الهجمات على مصالح تركيا.

ولتحقيق هذه الغاية، طلبت تركيا رسميًا من الولايات المتحدة نشر بطاريات صواريخ "باتريوت" للمساعدة في تثبيط القوة الجوية الروسية بالقرب من إدلب وهي حيلة واضحة لتحذير الروس من أن أنقرة ستحاول اجتذاب الأمريكيين إذا استمرت الهجمات. كما دعمت تركياهجمات المعارضة.

وبالرغم من تصاعد لهجة الخطاب بين الجانبين التركي والروسي بعد مقتل عدد من الجنود الأتراك، فقد أبقت أنقرة الأبواب مفتوحة أمام الروس، واستمرت في القيام بدوريات مع روسيا شمال شرق البلاد وتواصل الحوار مع موسكو حول شروط قمة 5 مارس/آذار التي تستهدف تثبيت "عدم التصعيد".

يسعى النظام السوري، بمساعدة روسية وإيرانية، لتحقيق أقصى قدر من التقدم في محافظة إدلب، ودفع تركيا والمعارضة أقرب إلى الحدود التركية. وبالرغم أن تركيا عززت قواتها، فقد استمرت روسيا في طلعاتها الجوية لدعم تقدم النظام السوري وقمع هجمات المعارضة المدعومة من تركيا، في حين تعرض موسكو شروطًا جديدة على تركيا تشير إلى أن دور أنقرة سيتقلص كثيراً هناك.

إزاء هذه الأوضاع أرسلت الولايات المتحدة حليف تركيا في حلف شمال الأطلسي، دبلوماسييها لاستغلال التوترات بين روسيا وتركيا من خلال مسؤولين من وزارة الخارجية الأمريكية كوزير الخارجية "مايك بومبيو" إلى الممثل الخاص في سوريا "جيمس جيفري"، كما تم تقديم الدعم الخطابي لتركيا بشأن سياستها في إدلب. ويبدو أن هذا قد ولد بعض الثمار في شكل طلب لصواريخ "باتريوت" في إشارة إلى أن تركيا تريد تنسيقاً أوثق مع واشنطن حول مستقبل شمال غرب سوريا على الأقل. لكن إجابة أمريكا على هذا الطلب أبعد ما تكون عن اليقين.

  • ماذا بعد؟

ما ستقوم به تركيا والولايات المتحدة وسوريا وروسيا بعد ذلك سيحدد نتائج وضع إدلب. لكن يبدو أن هناك إشارات قليلة تشير إلى أن تركيا ستحصل على ما تحتاجه لوقف هجوم النظام السوري والحفاظ على نفوذها في إدلب.

من المحتمل أن تتدهور العلاقات التركية الروسية على المدى القصير، ولكن إلى أي مدى وما هو العمق المتبقي. لقد حدثت بالفعل بعض تجزئة التداعيات، مما يوحي بحد أقصى للمدى الذي تريد تركيا أن تذهب به ضد روسيا، حتى في سوريا نفسها. فقد بدأت القوات التركية والروسية دوريات مشتركة مرة أخرى في الشمال الشرقي يوم 17 فبراير/شباط، حتى مع اندلاع القتال في إدلب. لكن مثل هذا التقسيم قد يصبح أكثر صعوبة لكلا الجانبين مع مرور الوقت.

في هذه الأثناء، ستحاول تركيا إبطاء هجوم النظام السوري دون إثارة أزمة عسكرية. لكن بينما تشير تركيا إلى أنها سترسل قوات لردع التقدم السوري، فإن روسيا ستحاول الإشارة إلى أن مثل هذه القوات تشكل ردعًا ضعيفًا  من خلال دعم المزيد من الهجمات. كل هذه الأعمال المتبادلة يمكن أن تتصاعد بسهولة إلى أزمة أكثر خطورة بين البلدين، حيث يحاول كل جانب الحفاظ على قدر من النفوذ على الآخر. حتى منظومة "إس 400"، التي ترمز إلى مستوى جديد من العلاقات بين روسيا وتركيا، قد تصبح في وقت ما "ورقة لعب" يستخدمها الاثنان.

بالنسبة للعلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا فإن المجال الذي يجب مراقبته تحديداً، هو إلى أي مدى تحاول الولايات المتحدة استخدام وضع إدلب كوسيلة للحد من النفوذ الروسي في تركيا. تريد الولايات المتحدة تقليل العلاقات الروسية التركية الناشئة، لا سيما في المجال العسكري، ولكنها لا ترغب بتقديم دعم ملموس لتركيا في هذا المسعى.

تُظهر الولايات المتحدة علامات على أنها ستلقي بثقلها الدبلوماسي خلف تركيا، لكن من غير المحتمل أن يشكل الثقل الدبلوماسي مخاطرة على أجزاء أخرى من العلاقات الأمريكية الروسية مثل الوضع المتوتر بين الولايات المتحدة وروسيا شمال شرق سوريا. علاوة على ذلك، تريد تركيا من الولايات المتحدة أن تُظهر تدابير أقوى من الإجراءات الدبلوماسية فقط إذا كانت على وشك البدء في تقليص العلاقات مع موسكو لصالح واشنطن.

يعد طلب نظام صواريخ "باتريوت" مجال مناسب لاختبار جدية واشنطن، خاصة أن آخر مرة واجهت فيها تركيا أزمة مع روسيا عام 2015، لم تكن الولايات المتحدة على استعداد لتوفير نفس النظام لاحتياجات تركيا الدفاعية. قد تسير الولايات المتحدة أيضًا بتدابير أقل شعبية لدعم تركيا، بما في ذلك النظر في صفقات دفاعية جديدة، وهو تغيير ملحوظ في علاقتها مع أنقرة خاصة بعد تصاعد الأزمة التي خلفتها صفقة "إس- 400".

فيما يتعلق بالعلاقة التركية الأوروبية، وخاصة علاقات تركيا مع فرنسا وألمانيا. تشير تركيا إلى أنها تريد دعمًا دبلوماسيًا ضد روسيا، وربما دعمًا ماديًا في مواجهة تدفق اللاجئين الجديد، في حالة تفاقم أزمة إدلب. وحتى الآن ، ليس من الواضح إلى أي مدى ستذهب باريس وبرلين أبعد من كلمات الدعم للوضع الإنساني ناهيك، ولا يبدو أنهما ستشاركان بسهولة في خط دعم آخر لموجة جديدة من اللاجئين من سوريا، كما فعلوا عام 2016.

لذا تضطر تركيا لإرسال اللاجئين إلى أوروبا مرة أخرى.

إذا أظهرت الولايات المتحدة دعماً أكبر لتركيا يتجاوز الخطابة، فسيشجع ذلك تركيا على البقاء في إدلب. ولكن إذا لم تقدم واشنطن دعما حقيقيا، فسوف تواجه أنقرة خيارًا صعبًا حيث ستضطر أن تواجه بمفردها هجمات النظام السوري المدعومة من روسيا، وهو أمر من غير المرجح أن تنجح فيه أنقرة ويترك مستقبل استراتيجية تركيا في سوريا بحاجة إلى تعديل جدي، وقد يؤدي إلى كشف النفوذ التركي في أجزاء أخرى من سوريا.

المصدر | ريان بول / ستراتفور- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

معركة إدلب العلاقات التركية الروسية قوات النظام السوري العلاقات التركية الأوروبية

درع الربيع.. عملية تركية جديدة ضد قوات الأسد بإدلب