أوراق أردوغان.. كيف تخطط تركيا لمواجهة معضلة إدلب؟

السبت 29 فبراير 2020 10:34 م

"دماء جنودنا لن تذهب سدى وستستمر أنشطتنا العسكرية في الأراضي السورية حتى كسر جميع السواعد التي اعتدت على العلم التركي".. هكذا عبرت الرئاسة التركية، الخميس (27 فبراير/شباط)، عن إصرار أنقرة على الثأر لمقتل العشرات من جنود الجيش التركي جراء قصف جوي على إدلب، وسط مؤشرات على اقتراب التنسيق التركي الروسي بشأن سوريا من الوصول إلى طريق مسدود.

وتدور معظم المعارك العسكرية في الوقت الراهن حول مدينة سراقب، في ريف إدلب الشرقي، حيث تخضع المدينة لقصف جوي عنيف من قبل الطيران الروسي.

وتعد سراقب ذات موقع استراتيجي كونها تمثل عقدة هامة على الطريقين الدوليين حلب-دمشق "M5"، وحلب-اللاذقية "M4"، ومع سيطرة المعارضة المسلحة على المدينة ومحيطها تكون قد قطعت الطريقين الدوليين، ولا سيما طريق "M5" بعد أيام قليلة من سيطرة قوات النظام عليه، وفكت الحصار عن 3 نقاط مراقبة محيطة بالمدينة من جهات الشمال، والشرق، والغرب، أقامها الجيش التركي قبل أسبوعين.

ولذا يربط الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بين مسار التصعيد الروسي وبين تطور الأحداث في إدلب "الذي بدأ يتغير لصالح بلاده" حسبما قال، الخميس (27 فبراير/شباط)، في كلمة له خلال افتتاح أكاديمية السياسة لحزب "العدالة والتنمية" التركي في أنقرة، مضيفا: "لولا دعم روسيا وإيران، لما استطاع النظام السوري الصمود حتى الآن في البلاد".

ومساء الخميس (27 فبراير/شباط)، عقد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" اجتماعا بحضور وزير الدفاع "خلوصي أكار" ووزير الخارجية "مولود جاويش أوغلو" ورئيس الاستخبارات الوطنية "هاكان فيدان" ورئيس هيئة أركان الجيش "يشار جولر"، في إطار بحث سبل الرد على التصعيد المدعوم من روسيا ضد القوات التركية في إدلب.

ويعني فشل خطط النظام السوري والروس للسيطرة والتحكّم بالطريقين الدوليين "M4" و"M5"، عودة المعارضة المسلحة لتكون لاعباً رئيسياً في الصراع على الشمال الغربي من سوريا، بعد أن فقدت خلال الشهر الحالي الكثير من أوراقها في المنطقة.

وبعدما واصلت فصائل المعارضة السورية المسلحة، المدعومة من أنقرة، تقدمها في هذا المحور، مسيطرة على قرية الترنبة جنوب غرب سراقب، بالتزامن مع استرجاع بلدة كنصفرة في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، شنت قوات النظام هجوما معاكسا لاستعادة سراقب بدعم جوي روسي، لكنها فشلت في ذلك.

وتظهر تلك التطورات الميدانية المتسارعة في إدلب فشل تركيا وروسيا في ردم الخلافات بينهما خلال الجولة الجديدة من المفاوضات حول إدلب، والتي بدأت منذ الأربعاء (26 فبراير/شباط) في أنقرة، وهو ما تُرجم بمعارك عنيفة على الأرض، تخللها حديث للتلفزيون الروسي عن إطلاق خبراء عسكريين أتراك ومقاتلين في المعارضة السورية المسلحة صواريخ محمولة على الكتف على طائرات روسية في إدلب.

ويتعمق الخلاف التركي الروسي حول إدلب ومناطق الشمال السوري، إذ يطالب الروس بتثبيت الوضع الميداني الراهن، بما يعني الإقرار بسيطرة قوات النظام على القرى التي طردت قوات المعارضة المسلحة منها، لكن الأتراك رفضوا هذا الطرح بشكل كامل، مصرّين على مطلبهم الرئيسي منذ بدء الجولة الأخيرة من المفاوضات، بانسحاب قوات النظام والميليشيات المساندة لها، إلى ما وراء النقاط التركية الواقعة على حدود منطقة خفض التصعيد المحددة بموجب اتفاق سوتشي في سبتمبر/أيلول 2018.

ويبدو أن انعكاسات هذا الخلاف بدأت في الظهور إلى السطح، وهو ما عبر عنه حديث الكرملين عن أن الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ليست لديه خطط للقاء نظيره التركي "رجب طيب أردوغان" في الخامس من مارس/آذار المقبل لبحث الوضع في إدلب، رغم إعلان الأخير عن ذلك بنفسه.

صدام مباشر

في ضوء ذلك، ذكرت دورية "أوراسيا ديلي" الروسية أن خطر الصدام المباشر بين الروس والأتراك بات كبيرا، ودعت الدورية موسكو إلى الضغط على القيادة السياسية التركية عبر جنرالات الجيش التركي الذين يتخوفون من مزيد الخسائر في حال تفاقم التصعيد العسكري بإدلب.

وتزعم الصحيفة الروسية أن العديد من الضباط الأتراك رفيعو الرتب ينظرون إلى ما يجري في إدلب في سياق "محاولة لتوريط بلادهم في نزاع مع روسيا"، وأن هناك خلافا داخليا بين العسكريين والمدنيين المعينين من "أردوغان" في قيادة الأركان العامة ووزارة الدفاع.

لكن "أوراسيا ديلي" استبعدت التعويل على سيناريو عصيان القيادة العسكرية التركية لـ "أردوغان"، مشيرة إلى أن ولاء قيادات الجيش لرئيس الجمهورية لم يعد محل شك منذ إحباط محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016.

ويتفق مع هذا التقدير رئيس مكتب "روسيا 24" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "يفغيني بودوبني"، الذي يؤكد أن العسكريين الأتراك المتمركزين في نقاط المراقبة التركية في إدلب ملتزمون بتقديم مختلف أنواع الدعم لمسلحي المعارضة المسلحة.

ويرجح "بودوبني" سيناريو انفجار الصدام الميداني بين تركيا وروسيا، خاصة في ظل قصف الطيران الحربي الروسي بمضادات الطيران المحمولة من قبل المعارضة المدعومة من تركيا.

وكان موقع "المصدر" الإسرائيلي قد بث في 20 فبراير/شباط الماضي، فيديو قال إنه يظهر كيف يحاول المسلحون المدعومون من تركيا إسقاط قاذفة روسية من طراز "سو–24"، بواسطة مضدات الطيران المحمولة في سماء إدلب.

أوراق ضغط

وإزاء ذلك، تحاول أنقرة الالتفاف حول علاقاتها المتوترة مع موسكو عبر مغازلة الولايات المتحدة، في محاولة يائسة لتأمين دعم قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) للقوات التركية في إدلب، إضافة إلى محاولة توسيع نطاق المباحثات بشأن إدلب لتشمل ألمانيا وفرنسا أيضا.

ورغم التصريحات الأمريكية المؤيدة لموقف تركيا في إدلب، يستبعد الأستاذ بجامعة جورج واشنطن "رضوان زيادة" أن تتدخل الولايات المتحدة عسكريا لمؤازرة تركيا في سوريا، لافتا إلى أن معركة إدلب تكشف مدى سلبية إدارة الرئيس "دونالد ترامب" في التعامل مع الكارثة الإنسانية هناك، وفق رؤية مفادها أن الاستثمار في سوريا قضية خاسرة بكل الأحوال، وفقا لما أورده موقع "العربي الجديد".

وفي المقابل، يبدو أن واشنطن على استعداد لقبول تدخل من قبل حلف الناتو لمساندة تركيا ولو دبلوماسيا، وهو ما ظهر في تنديد الأمين العام للحلف "ينس ستولتنبرغ" بما وصفها "الغارات الجوية العشوائية للنظام السوري وحليفه الروسي" في إدلب، وتوجيهه دعوة صريحة إلى دمشق وموسكو لـ"وقف هجومهما".

ويؤيد هذا الترجيح المحلل التركي "عبدالقادر سيلفي"، في مقال نشره بصحيفة "حرييت"، ذكر فيه أن تركيا تسعى لتعزيز أوراقها في مواجهة روسيا من خلال الناتو، وتسعى لأن "يترجم الحلف تنديده إلى أفعال عبر طلعات جوية رادعة في إدلب، وتقديم الدعم للقوات التركية من خلال نشر بطاريات الدفاع الجوي الأمريكية باتريوت".

وفي أدنى التقديرات، تطمح تركيا أن سعلن الناتو حظرا للطيران فوق سماء إدلب، وهو ما طلبه "أردوغان" بنفسه من "ترامب"، في اتصال سابق بينهما.

لكن أي تدخل للناتو دعما لتركيا لن يأتي بدون ثمن، وتأمل واشنطن أن الضربات الموجعة التي تعرضت لها القوات التركية في إدلب سوف تجبر أنقرة على إعادة النظر في علاقاتها مع موسكو والتخلي عن استخدامها لأنظمة الدفاع الجوي الروسية "إس-400"، وفقا لما نقلته وكالة إنترفاكس.

ولطالما عبرت واشنطن عن اعتقادها بأن روسيا يمكن أن تستخدم منظومة "إس-400" حال نشرها في تركيا للحصول على معلومات حول مقاتلات الجيل الخامس "إف-35"، ولذا فإنها استبعدت تركيا من برنامج تصنيع المقاتلة، وأوقفت تدريب الطيارين الأتراك على التحليق بها.

فيضان اللاجئين

وعلى التوازي، تكثف تركيا من ضغوطها على أوروبا عبر التلويح بفتح الأبواب أمام تدفق المهاجرين السوريين إلى القارة العجوز.

وفي هذا الإطار، صرح مسؤول تركي رفيع لوكالة "رويترز"، الخميس (27 فبراير/شباط)، أن تركيا قررت "عدم منع اللاجئين السوريين من الوصول إلى أوروبا سواء براً أو بحراً"، مع اقتراب تدفق نحو مليون نازح جديد إلى تركيا من إدلب.

وتسعى تركيا من خلال هذه الورقة إلى الضغط على دول الناتو لاتخاذ موقف حاسم في إدلب، وجذب القوى الأوروبية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا إلى طاولة المفاوضات حول الشمال السوري.

لكن يبدو أن روسيا عازمة على غلق هذا الباب، إذ عبرت المتحدثة وزارة الخارجية "ماريا زاخاروفا"، الخميس (27 فبراير/شباط) عن شكوكها بجدوى انضمام فرنسا وألمانيا ودول أخرى إلى المباحثات الروسية التركية حول الوضع في إدلب، قائلة: "إذا كان الحديث يدور حول المباحثات الثنائية فيجب أن يتم إيجاد الحلول بصيغة ثنائية". وأشارت إلى أن دولاً أخرى غير روسيا وتركيا لم تلعب "أي دور حاسم" في تسوية الوضع على الأرض بسوريا.

غير أن الباحث في العلاقات الدولية "علي باكير" يشير إلى عدم وجود مؤشرات حقيقية على إمكانية مساهمة الناتو بشكل مباشر في دعم عمليات تركيا في إدلب، وأن أقصى ما يمكن أن تطمح إليه أنقرة هو الحصول على بعض الأصول الدفاعية مثل صواريخ "باتريوت"، وفقا لما أورده موقع "عربي 21".

ويرى الباحث التركي أن هذه الصيغة مناسبة لأنقرة، "فالأمر بالنسبة لتركيا لا يتعلق بالقوات، إذ لديها القدرة العسكرية الكافية لسحق نظام الأسد وحلفائه أيضا، لكن المشكلة في احتمالية تدخل القوة الجوية الروسية" حسب قوله.

((2))

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

إدلب المعارضة السورية المسلحة منطقة خفض التصعيد حلف شمال الأطلسي الناتو دونالد ترامب

درع الربيع.. عملية تركية جديدة ضد قوات الأسد بإدلب