أزمة دبي العقارية.. هل فقدت الإمارة جاذبيتها كوجهة استثمارية؟

الأربعاء 4 مارس 2020 09:14 م

"سوق العقارات في دبي يعاني أسوأ أوقاته منذ عام 2009".. هكذا عبرت شبكة "بلومبرج" الأمريكية عن الحالة اليائسة لسوق العقارات بالإمارة التي تمثل عصب الاقتصاد الإماراتي، تعليقا على بلوغ نسبة نمو اقتصاد دبي 1.94% فقط العام الماضي، وهو معدل النمو الأبطأ منذ الأزمة المالية في 2009.

وتؤثر هذه الحالة في عمق اقتصاد الإمارة؛ لاعتماده بالأساس على قطاع الإنشاءات، مع تركّز المشاريع على تشييد المباني والأبراج، دون إعطاء أهمية موازية للقطاعات المولدة للإيرادات الدائمة، خاصة الصناعية منها.

وواجهت دبي تباطؤا في سوق العقارات خلال معظم السنوات العشر الماضية، باستثناء فترة انتعاش وجيزة قبل أكثر من 5 سنوات. وتسببت وفرة المعروض في قطاع الإسكان في انخفاض الأسعار بنسبة لا تقل عن 30% منذ عام 2014.

ويضغط ذلك التباطؤ على أرباح كبرى شركات التطوير العقاري في الإمارة، ومنها "داماك"، التي فقدت أسعار أسهمها نحو 40% من قيمتها منذ بداية العام الجاري.

وإزاء ذلك، جاء إعلان حاكم دبي "محمد بن راشد آل مكتوم"، في سبتمبر/أيلول الماضي، عن تشكيل لجنة تخطيط لتنظيم القطاع العقاري، الذي يساهم بقدر كبير في اقتصاد الإمارة التي لا تملك الكثير من موارد النفط أو الغاز، وذلك بعد إقراره في الشهر ذاته بأن "المشروعات العقارية تحتاج إلى التحكم في وتيرتها لتحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، لتجنب أن تصبح عبئًا ومصدرًا للخلل في رحلة الإمارة الاقتصادية"، وفقا لما نقلته "بلومبرج".

وبينما تعول حكومة الإمارة على معرض إكسبو الدولي 2020، الذي يتوقع جذبه ملايين الزوار، يرى محللون أن المعرض لن يكون سوى "مسكن قصير المدى"؛ لأن أسباب المسار الهبوطي لعقارات دبي تعود إلى سياسات الحكومة ذاتها، أكثر مما تعود إلى أي عوامل خارجية.

أسباب الهبوط

تعد وفرة المعروض هي السبب الرئيسي لتراجع أسعار الوحدات السكنية في دبي. فمع استمرار إطلاق المشروعات الجديدة، يرتفع مخزون الوحدات غير المباعة لدى المطورين، بحسب "كريس هوبدن"، مدير الاستشارات الاستراتيجية لدى "تشيسترتنس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، الذي أكد أن أغلب أسباب زيادة المعروض من العقارات يعود لحكومة دبي "لأنها تسيطر على عدد من أكبر شركات التطوير العقاري في الإمارة".

هذه الشركات المرتبطة بالدولة أنشأتها حكومة دبي لتسريع مشروعات الإنشاءات، واستخدمت أراضي منخفضة الثمن في أغلب الأحيان أو مجانية، ونافست القطاع الخاص، استنادا إلى توقعات بشأن النمو في عدد سكان دبي، وأغلبهم من الأجانب، بدعوى أن ذلك من شأنه تعزيز طفرة البناء.

لكن هذه التوقعات كانت مفرطة في التفاؤل حسبما يرى "كريج بلامب"، رئيس قسم أبحاث الشرق الأوسط لدى شركة "جيه إل إل" للوساطة، والذي أكد أن المطورين العقاريين، المرتبطين بحكومة دبي، "كانوا سيستفيدون من تقليص المعروض لأن ذلك من شأنه رفع الأسعار على المدى الطويل، لكنهم اختاروا بدلا من ذلك الفوائد القصيرة الأجل عن طريق الحفاظ على التدفقات النقدية حتى لو كان على حساب انخفاض الأسعار".

التأثير الاقتصادي

وإزاء ذلك، يضغط الانخفاض المستمر في أسعار العقارات بدبي على أرباح شركات التطوير الخاصة، وهو ما دفع "حسين سجواني"، رئيس مجموعة "داماك"، في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى إطلاح صيحة تحذير للمطالبة بضرورة الإحجام عن تدشين مشروعات سكنية جديدة في دبي لمدة عام على الأقل، مؤكدا أن مواصلة القيام بأعمال بناء جديدة تهدد بكارثة اقتصادية.

ويرى "سجواني" أن انخفاض قيمة العقارات سيؤدي حتما إلى نمو القروض الرديئة وزيادة نسب التعثر في السداد، ما سيضر بالربحية، واصفا ذلك بأن له "تأثير دومينو سيء" على اقتصاد دبي.

هذا التأثير أشار إليه تقرير لوكالة "رويترز" أكد أن بعض المحركات التقليدية للنمو بدبي تفقد قوة الدفع، ومنها العقارات، مما قد يعني تراجعا طويل الأجل لاقتصاد الإمارة.

وعليه فإن الزمن الذي كان بإمكان المرء الانتقال فيه إلى دبي لتكوين ثروة ربما يكون في طريقه إلى النهاية، حسبما يرى "حسين مالك"، الرئيس العالمي لأبحاث الأسهم والاستراتيجية لدى "إكسوتكس كابيتال"، الذي شكك في قدرة قطاعات النقل والمناطق الاقتصادية في دبي على مواصلة النمو سريعا بما يكفي لجذب العدد الكافي من العاملين الأجانب والاحتفاظ بهم لدعم الطلب العقاري.

ولذا يعتبر محللون، بينهم "جيم كرين"، الباحث في قطاع الطاقة بجامعة رايس بتكساس ومؤلف كتاب "مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية"، أن النمو الضئيل الذي سجله اقتصاد دبي في 2019 خادع؛ "لأن معظمه يرجع إلى زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي، في الوقت الذي تشيد فيه الإمارة بنية تحتية لاستضافة إكسبو 2020".

ثمة أزمة مصرفية أيضا تتفاعل بصمت مع أزمة العقارات في دبي، وربما تنفجر في أي لحظة، بالتزامن مع ارتفاع حجم ديون الإمارة إلى أكثر من 60 مليار دولار، يحين أجل سداد نصفها خلال عامي 2020 و2021، وفقا لما أورده تقرير لوكالة فيتش الأمريكية.

وبحسب التقرير فإن حوالي 23 مليار دولار من ديون دبي تتحملها محافظ المصارف في الإمارات، ما قد يضع هذه المصارف في محنة مستقبلا.

توقعات

وأمام هذه المعطيات، يظهر استطلاع أجرته وكالة "رويترز"، وشمل 15 محللا وخبيرا في سوق العقارات بين يومي 16 فبراير/شباط و2 مارس/آذار، يظهر أن أسعار العقارات بدبي ستواصل الانخفاض بنسبة 4% هذا العام، رغم أن معرض إكسبو 2020، الذي ستستضيفه الإمارة من أكتوبر/تشرين الأول حتى أبريل/نيسان 2012، من المرجح أن يخفف من آثار هذا الانخفاض.

غير أن هذا التخفيف سيظل مؤقتا، وفق تقييم "ستاندرد آند بورز جلوبال" للتصنيفات الائتمانية، التي تستبعد أن ينقذ المعرض سوق العقارات بإمارة دبي من حالة التراجع التي يواجهها.

ويتوقع المطور العقاري الشهير بالإمارات، رئيس مجموعة تايغر، "وليد الزعابي"، أن يواصل قطاع العقارات في دبي تراجعه لمدة 3 سنوات أخرى، رغم الإجراءات التي تتخذها الحكومة.

ويعبر "الزعابي"، الذي تمتلك شركته آلاف الشقق في الإمارات، عن اعتقاده بأن مجموعة التدابير الحكومية المتخذة لوضع الاقتصاد على السكة الصحيحة "لن تؤدي إلى حدوث تحوّل على المدى القصير".

فيما يبدو "جاربيس إراديان"، كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد التمويل الدولي (مقره واشنطن) أكثر تشاؤما، إذ يتوقع استمرارا أطول لأزمة دبي العقارية، باعتبار أنه "حتى لو تباطأ في البناء، فإن هناك فائضا كبيرا من الشقق والمباني الفارغة"، وفقا لما نقلته "بلومبرغ".

ووفق هذا التقدير، فإن الحل الوحيد بالنسبة لدبي قد يتمثل في "النظر إلى ما وراء العقارات لإصلاح ما يعيق اقتصادها حقا"، بحسب "إراديان"، الذي يقترح العمل على محركات جديدة للنمو مثل الابتكار والتكنولوجيا وتحسين رأس المال البشري وجذب المزيد من العمالة الوافدة المؤهلة للتصنيع الخفيف.

وإلى حين تحقق ذلك واقعا، يبدو أن أزمة اقتصاد دبي ستظل مرشحة للاستمرار، مع احتمالية أن تلقي بظلالها على القطاعات الاقتصادية الأخرى.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

معرض إكسبو 2020 محمد بن راشد حكومة دبي اقتصاد دبي

بلومبرج: دبي تستعد لوقف الإنشاءات بعد أزمة قطاع العقارات