كيف تحول كورونا إلى ساحة جديدة للمواجهة السعودية الإيرانية؟

الأحد 8 مارس 2020 01:58 م

"إيران دولة تمثل خطرا على الصحة العالمية".. هكذا أكد مصدر سعودي مسؤول الخميس الماضي 5 مارس/آذار، مؤكدا أن إيران أدخلت سعوديين سرا إلى أراضيها، دون ختم جوازاتهم، ومحملا طهران المسؤولية عن "تفشي الإصابة بفيروس كورونا الجديد (كوفيد–19) وانتشاره عبر العالم، وتشكيل خطر صحي يهدد سلامة البشرية.

وإزاء التنديد، الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، اتهم العديد من المعلقين السعوديين طهران بشن نوع من "الحرب البيولوجية" ضد السعودية عبر تعمد نشر فيروس كورونا داخل المملكة.

وفي هذا الإطار، طالب المحلل السياسي السعودي "خالد الزعتر" بإعلان إيران دولة تمثل خطرًا على الصحة العالمية، وربط بين ما سماه "تصدير إيران للإرهاب" وسلوكها بشأن إخفاء إدخال سعوديين إلى أراضيها لإحباط جهود المملكة لفحص جميع العائدين ومحاصرة فيروس كورونا.

وطالب المسؤول السعودي طهران بالإفصاح عن هويات السعوديين الذين زاروها بشكل مخالف منذ الأول من فبراير/شباط الماضي، محملاً السلطات الإيرانية المسؤولية كاملة عن كل شخص منهم انتقل إليه المرض خلال تواجده على الأراضي الإيرانية دون إبلاغ سلطات بلاده بذلك.

تزامنت هذه التصريحات مع صدور بيانات عن وزارة الصحة السعودية تفيد بتسجيل 5 حالات إصابة بفيروس كورونا لمواطنين قدموا من إيران عبر البحرين والكويت، مؤكدة أنهم لم يفصحوا للجهات المختصة بسفرهم إلى إيران عند عودتهم للمملكة، وكانت جوازات سفرهم غير مختومة بما يفيد زيارتهم لإيران.

وجاء إصرار السلطات الإيرانية على عدم فرض حالة الحجر الصحي في البلاد لتعزز تعليقات المعلقين السعوديين الذين تساءلوا حول احتمالية وجود خطة إيرانية لنشر كورونا في محيطها الإقليمي.

تحايل إيراني

وبدا من معالجة صحيفة "عكاظ" السعودية للقضية أن التفسير الرائج عبر شبكات التواصل الاجتماعي يعكس قناعة فعلية لدى بعض المسؤولين في المملكة، إذ نشرت الصحيفة تحقيقا قالت إنه يثبت أن الرحلات من وإلى إيران لا تزال مستمرة بطرق غير نظامية عبر مكاتب ووكالات السياحة في المنطقة الشرقية للمملكة ذات الأغلبية الشيعية، على الرغم من مضي نحو 5 أعوام على منع السفر إلى إيران بقرار رسمي.

وبحسب التحقيق، الذي أجرت الصحفية السعودية خلاله عملية مسح عشوائي لمجموعة كبيرة من المكاتب التي تنظم رحلات إلى إيران، فإن هذه المكاتب تسهل للشيعة السعوديين السفر إلى إيران بطريقة تحايلية تشمل الخروج أولا إلى دولة أخرى.

وعادة ما يبدأ خط سير هذه الرحلات غير الرسمية من السعودية مرورا بالبحرين ثم إلى العراق انتهاء إلى إيران، فيما يسير طريق العودة بشكل معاكس تماما من إيران إلى العراق ثم البحرين والسعودية.

ووفقا لتحقيقات الصحيفة السعودية، فإن المكاتب التي تقوم بتنظيم هذه الرحلات تطمئن طالبي السفر بأن السلطات في كل من العراق وإيران لا تقوم بوضع أختام الدخول والخروج على جوازات السفر السعودية، بل يتم وضع ختم الدخول على التأشيرة فقط، وهي ورقة خارجية ملحقة بجواز السفر يتم التخلص منها لاحقا.

ونتيجة لذلك، توعدت المديرية العام للجوازات في السعودية المسافرين لإيران سرا بتطبيق العقوبات المنصوص عليها بنظام وثائق السفر ولائحته التنفيذية وذلك بالمنع من السفر لمدة تصل إلى 3 أعوام وفرض غرامة تصل إلى 5000 ريال.

رواية روسية

ويبدو أن الترويج لنظريات المؤامرة المرتبطة باعتبار فيروس كورونا نوعا من "الحرب البيولوجية" لا يقتصر على وسائل الإعلام السعودية، إذ كان لوسائل الإعلام الروسية السبق في ترويج هذه السردية حينما نشرت دورية تابعة لوزارة الدفاع تدعى "زفزدا"، مقالا الشهر الماضي بعنوان "مرض كورونا: حرب بيولوجية أمريكية ضد روسيا والصين".

وادعى كاتب المقال أن الفيروس وجه ضربة للاقتصاد الصيني، الأمر الذي أضعف موقف بكين في المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، منوها إلى أن الولايات المتحدة لديها معامل بيولوجية في دول مثل جورجيا، وأوكرانيا، وكازاخستان، وأذريبجان، وأوزبكستان.

على ذات المنوال سار سياسيون روس آخرون بينهم زعيم الحزب الديمقراطي "فلاديمير جيرينوفوكي"، الذي قال، في مقابلة مع إذاعة موسكو، إن فيروس كورونا هو "تجربة من البنتاغون وشركات الأدوية لخلق أوبئة محلية يمكن أن تدمر مجموعة مختارة من السكان".

لكن الأدلة العلمية حول طرق انتشار كورونا تدحض نظريات المؤامرة الرائجة. وينتشر كورونا اليوم في أكثر من 80 دولة حول العالم، بينها الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الغربية، ما يصعب من مهمة تصديق الاعتقاد القائل بأنه "فيروس مخلق" خصيصا لاستهداف بلد بعينه، ورغم ذلك، فإن التساؤلات حول إهمال طهران لسياسات الحجر الصحي من أجل تمرير المرض إلى جيرانها أيضا تبقى تساؤلات مشروعة من وجهة نظر الكثير من المراقبين.

العتبات المقدسة

ورغم ذلك، فإن هناك تفسيرات أخرى أكثر اتساقا يمكن أن تبرر تساهل طهران في سياسات الحجر الصحي وعلى رأسها مصالحها الاقتصادية مع الصين، وهي ذان المصالح التي دفعت طهران لمواصلة الترحيب بالسياح الصينيين رغم أزمة كورونا. (طالع تقرير الخليج الجديد)

ووفق المعادلة ذاتها، يقرأ الكاتب المتخصص في الشأن الإيراني "محمد مجيد الأحوازي" تحفظ طهران إزاء فرض الحجر الصحي في إطار نفوذ "السلطة العليا" بالبلاد، والتي تفوق سلطة الحكومة، في إشارة إلى المرجعية الشيعية.

ويشير "الأحوازي"، في هذا الصدد، إلى أن العتبة الرضوية (أشهر المواقع المقدسة للشيعة في إيران) تمتلك مصارف وسلسلة فنادق ومستشفيات خاصة تمول من أموال تبرعات الزائرين من إيران وخارجها، وبالتالي "لا يمكن للحكومة إغلاقها رغم تفشي كورونا"، وفقا لما أورده موقع قناة "الحرة" الأمريكية.

ويضيف الخبير بالشأن الإيراني سببا أيدولوجيا آخر لتحفظ طهران على فرض سياسات الحجر الصحي، وهو أن "نظام المزارات الدينية يمثل أحد أدوات الترويج لخطاب نظام الحكم الشيعي عبر العالم، وأحد أهم ركائز النظام الإيراني في ترويج خطابه".

في هذا الإطار، يمكن قراءة مبادرة بعض الصحف المقربة من التيار الإصلاحي في إيران للتنبيه إلى خطورة استمرار فتح الأماكن المقدسة بالبلاد في ظل تفشي كورونا، وخروج شخصيات دينية من "العتبة الرضوية" للتنديد بهذه الدعوات، معتبرة المطالب الداعية للحد من انتشار الفيروس عبر تطبيق سياسات الحجر الصحي "مؤامرة أمريكية" ضدها.

توظيف سعودي

على جانب آخر، ليس من المستبعد أن السعودية تبالغ في التضحيم من دور طهران في نشر كورونا في محيطها، في محاولة لزيادة الضغوط الدولية على طهران التي تعاني بالفعل من حصار أمريكي خانق.

ويبرهن على ذلك أن ترويج رواية الحرب البيولوجية في وسائل الإعلام السعودية لم يتقصر على إيران، بل شمل تركيا أيضا، التي اتهم المحلل السياسي السعودي "زايد العمري" رئيسها "رجب طيب أردوغان" بالسعي إلى نشر كورونا في السعودية من خلال السيّاح.

ويزعم "العمري" أن تركيا تسخر قدراتها لإضعاف الدول العربية، خاصة السعودية، وأن فيروس كورونا منتشر في تركيا لكن الحكومة لا تفصح عن وجوده "من أجل استهداف السياح السعوديين لكي ينقلوا هذا الوباء إلى بلدانهم"، حسب قوله.

وفي الاتجاه ذاته، يطرح محللون إيرانيون مقربون من دوائر السلطة، بينهم "عماد أبشانس" علامات استفهام حول "تفشي" كورونا في الدول المعارضة أو المنافسة للولايات المتحدة الأمريكية، ويربطها بظهور الفيروس في مدينة ووهان الصينية قبل شهرين، وبعد مناورات صحية أمريكية في المدينة شارك فيها 250 جنديا.

يروج "أبشانس" لفرضية نشر الأمريكان لكورونا لضرب أهم منطقة لإنتاج الاقتصاد الصيني، ويشير إلى شائعات حول صدور الأمر من الرئيس الأمريكي "دونال ترامب" شخصيا بنشر الفيروس، ما جمع ردود أفعال، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، غلب عليها التندر والسخرية من وصول تحول كورونا إلى ساحة جديدة للسجال بين السعودية وإيران اللتين تثبتان في كل مرة أنهما وجهان مختلفان لعملة واحدة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كورونا الحرب البيولوجية الحجر الصحي

السعودية تتهم إيران بنشر كورونا على أراضيها.. ماذا حدث؟

بروكينجز: بن سلمان أخطر على السعودية من كورونا

السعودية: سلوك إيران غير المسؤول سبب تفشي كورونا بالمملكة