استيلاء حفتر على طرابلس يهدد بكارثة للجزائر وتونس

الأربعاء 11 مارس 2020 03:10 م

قد تكون هناك نقطة تحول مهمة وشيكة في الحرب الأهلية الليبية، حيث لا تزال القوات التي يقودها "خليفة حفتر"، زعيم الميليشيات التي تسمي نفسها "الجيش الوطني الليبي"، تهدد طرابلس، التي كانت حتى الآن تحت سيطرة "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.

وأبدت تونس والجزائر، الجارتان القريبتان لليبيا، قلقا عميقا من احتمال أن تسيطر قوات "حفتر" على العاصمة التي يقطنها نحو 2.3 مليون شخص، لأن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى زيادة هائلة في أعداد اللاجئين الفارين إلى تلك البلدان، مع احتمالات لاندلاع القتال في أراضيهم.

ونذكر أن اللاعبين الرئيسيين في الحرب الأهلية المستمرة في ليبيا هما حكومة الوفاق الوطني، التي تتخذ من طرابلس مقرا لها، والتي تعترف بها الأمم المتحدة وتدعمها عدة دول أجنبية، وما يسمى بـ"الحكومة المؤقتة"، التي يقودها الجنرال السابق وأمير الحرب "حفتر"، ومقره شرق البلاد.

وتدعم كل من روسيا والإمارات ومصر قوات "حفتر" والميليشيات الموالية لها.

وتقول القيادة الجديدة في كل من تونس والجزائر إنها تدعم حكومة الوفاق، لكن البلدين أمضيا غالبية الصراع، المستمر منذ عقد من الزمان، يصران على الحياد ويستبعدان التدخل العسكري.

والشهر الماضي، في قمة بالجزائر العاصمة، قال الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون"، ونظيره التونسي "قيس سعيد"، إنهما يتفقان على أن الصراع في ليبيا لا يمكن حله إلا عن طريق تسوية سياسية، وأكدت الحكومتان على أهمية الحد من التدخل العسكري الأجنبي، ومعالجة انتهاكات حظر توريد الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2011.

وفي يناير/كانون الثاني، قال الرئيس "تبون" إن أي محاولة للاستيلاء على طرابلس بالقوة هي "خط أحمر لا ينبغي لأحد عبوره"، ومضى "تبون" بالقول إن الجزائر وتونس على استعداد لاستضافة محادثات مع جميع الأطراف في الصراع الليبي، من أجل وضع حد للعنف، وإنشاء مؤسسات مستقرة، وإجراء الانتخابات.

ورددت هذه الكلمات الرئيس التركي "رجب أردوغان"، أحد الداعمين الرئيسيين لحكومة الوفاق، الذي قال في زيارة رسمية للجزائر، في يناير/كانون الثاني، إن النزاع أصبح معقدا إلى حد يجعل من غير الممكن حله بالقوة العسكرية.

ولكل من تونس والجزائر تاريخ في تعزيز الدبلوماسية بشأن الصراع العسكري، ووفقا لمحلل الدفاع الجزائري "أكرم خريف": "منذ عام 2012، تعمل الجزائر نحو حل سياسي بين مختلف الأطراف الليبية، واعتمدت اعتمادا كبيرا على الحوار بين القبائل لإيجاد إجماع من الأسفل إلى الأعلى".

وأبدت كل من تونس والجزائر ترددا شديدا في التورط في الصراع في ليبيا. وقالت "تنهنان القاضي"، الخبيرة في الشؤون الجزائرية في "تشاتام هاوس": "بسبب تاريخها، تتعامل الجزائر بحرص شديد مع التدخل في شؤون بلدان أخرى. فقد عانينا الكثير من الاستعمار والتدخل الأجنبي الدولي. وأعتقد أن هذا مبدأ صعب المنال".

ومضت "القاضي" قائلة إنه من المرجح أن تشرع الجزائر في عمل عسكري في ليبيا إذا دخلت قوات "الجيش الوطني الليبي" الأراضي الجزائرية، الأمر الذي بدوره يصبح أكثر احتمالا لو تمكن "حفتر" من السيطرة على طرابلس.

وإذا سيطرت قوات "حفتر" على طرابلس، وبالتالي امتلكت السيطرة الفعالة على ليبيا، فسوف يكون التهديد على الحدود الليبية الجزائرية هائلا.

ويبلغ طول الحدود بين البلدين 620 ميلا (1000 كيلومتر)، وتقع جميعها تقريبا داخل الصحراء الكبرى، ما يجعل من المستحيل تقريبا الدفاع أمام أي هجوم كبير. وفي مثل هذا السيناريو، سيكون التدخل العسكري بين الجزائر وقوات "حفتر" أمرا لا مفر منه.

وتدرك حكومة الرئيس "تبون" في الجزائر التهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة في ليبيا على العديد من المنشآت النفطية الجزائرية بالقرب من الحدود الليبية، وهي حريصة على تجنب تكرار أحداث عام 2013، عندما سيطرت جماعة تابعة لـ"القاعدة" على محطة الغاز في "عين أمناس"، مع ما أسفر عن ذلك من مقتل 39 رهينة.

لكن يوجد بعض الارتياح البسيط لدى جيران ليبيا، حيث قال العديد من خبراء الأمن في الأسابيع الأخيرة إن ميليشيات "حفتر" ليست لديها القوة بالأرقام للحفاظ على السيطرة على مدينة بحجم طرابلس لفترة طويلة، ومع ذلك، ليس هناك شك في أن آثار هذا الحصار ستكون مدمرة في حد ذاتها.

وقال "كريم مزران"، وهو زميل بارز في مركز "رفيق الحريري" لـ"الجزيرة": "يمكن لحفتر تدمير المدينة. يمكنه أن يلحق الكثير من الأذى والألم، لكنني لا أعتقد أن لديه القوة للسيطرة على المدينة. وإذا تحرك حفتر عبر طرابلس وداخلها، فسيجبر العديد من المدنيين على الفرار إلى تونس، ويسبب عدم استقرار كبير على طول الحدود. سيكون الأمر كابوسا".

وتشعر كل من تونس والجزائر بالتهديد من الوضع في ليبيا، وتعتمد الاستجابة الموحدة للبلدين على قربهما المشترك من الصراع وعلى شراكتهما الأمنية طويلة الأجل. ومع ذلك، توجد عدد من الاختلافات بين الجزائر وتونس فيما يتعلق بالحرب الليبية.

ولدى تونس عيب واضح كونها دولة أصغر بكثير من الجزائر، مع وجود مستوى أكبر بكثير من التداخل بين الاقتصاد الليبي والاقتصاد التونسي، ويعيش بالفعل عدد كبير من اللاجئين من ليبيا في تونس، ويعيش الكثير منهم حياة غير مستقرة في شوارع العاصمة تونس.

وتقع طرابلس على بعد نحو 90 ميلا (150 كم) فقط من الحدود التونسية، ومن المتوقع أن يزداد عدد اللاجئين الذين يعبرون تلك الحدود بشكل كبير إذا سقطت المدينة في يد "حفتر".

وإذا سيطر "الجيش الوطني الليبي" على العاصمة الليبية، تتوقع المفوضية العليا للاجئين أن يتضاعف عدد اللاجئين الليبيين في تونس ليصل إلى أكثر من 5 آلاف بحلول نهاية عام 2020.

وقال وزير الداخلية التونسي "هشام الفراتي"، في يناير/كانون الثاني، إن تونس اتخذت جميع التدابير اللازمة للتحضير لجميع الأحداث المحتملة على الحدود الليبية.

وفي 9 يناير/كانون الثاني، قام وفد برئاسة "عادل الورغي"، حاكم مدينة تطاوين التونسية، بزيارة موقع على بعد 9 أميال (15 كم) من بلدة رمادا، ومن المقرر أن يتم استخدام الموقع كمخيم للاجئين في حالة حدوث أي تدفق جديد للاجئين إلى تونس.

وأعقب الزيارة عقد اجتماع لمجلس الأمن القومي التونسي، حضره مسؤولون من المفوضية، وفي الاجتماع، دعا الرئيس "سعيد" بلاده إلى تكثيف الدعم للاجئين الليبيين.

وتسهم السياسة الداخلية في تونس في موقفها غير المستقر، ففي حين تعتبر تونس على نطاق واسع قصة النجاح الرئيسية في الربيع العربي، بعد أن استبدلت حكم الديكتاتور السابق "زين العابدين بن علي" بمؤسسات ديمقراطية فاعلة، فإن هذا التغيير لم يتُرجم إلى تنمية اقتصادية مستدامة أو استقرار، وفي الواقع، مر على تونس حوالي 10 إدارات مختلفة في السلطة منذ الإطاحة بـ"بن علي" عام 2011.

وتجد الجزائر نفسها أيضا في وضع ضعيف لتفادي التهديدات التي تشكلها الحرب في ليبيا، بعد أن كانت في حالة اضطراب داخلي منذ الإطاحة بالرئيس السابق "عبدالعزيز بوتفليقة" العام الماضي.

وتنظر العديد من الميليشيات الليبية إلى عدم الاستقرار السياسي في الجزائر على أنه فرصة لإعادة تشكيل الوضع الراهن في البلاد.

على سبيل المثال، اختار "حفتر" فبراير/شباط 2019 لمحاولة الاستيلاء على منطقة "فزان" الليبية، في الوقت الذي وصلت فيه التوترات في الجزائر إلى نقطة الغليان بسبب استعداد "بوتفليقة" للترشح لفترة ولاية خامسة.

بعد ذلك، بدأ هجوم قوات "حفتر" على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، بعد يومين فقط من إجبار "بوتفليقة" على الاستقالة.

ومما لا شك فيه أن عدم الاستقرار الإقليمي في شمال أفريقيا يلعب دورا لدى الأطراف المتحاربة الليبية التي تسعى إلى توسيع نفوذها خارج حدود ليبيا.

المصدر | توم بوليت | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

معارك طرابلس قوات خليفة حفتر عبدالمجيد تبون قيس سعيد

رئيس أركان الجزائر الجديد يتفقد وحدات عسكرية محاذية لليبيا

ليبيا.. ميليشيات حفتر تقصف طرابلس بالصواريخ والمدفعية