حراك لبنان وأزمة البحث عن النموذج

السبت 14 مارس 2020 11:52 م

من الغريب مقارنة ما يجري في لبنان بدول أخرى في مراحل مختلفة من الاضطرابات في العالم العربي. وفي حين أن الحالة اللبنانية قد لا تكون قابلة للمقارنة إلا أن هناك قلقا من الوصول إلى مصير نفس التجارب في الدول العربية.

ويسمع المرء من وقت لآخر التعليق بأن العرب أفضل حالا عندما يرأسهم حكام أقوياء ومستبدين. لكن هذا الرأي السهل لا يدعمه أناس سئموا من الفساد والضيق الاقتصادي والدور المفرط لقوات الأمن في الدول العربية الاستبدادية. لكن ما يبدو أنه مفقود هو النموذج الذي يمكن أن يكون بمثابة خريطة طريق للتغيير الشامل والعادل والمنصف على مدى فترة زمنية مقبولة.

وأشار العديد من المحللين إلى أن عدم وجود معارضة فعالة والولاء المستمر للمحسوبية تعد عوامل رئيسية تعرقل قدرة الثورة في لبنان على الضغط على قادة البلاد الطائفيين.

وكما كتب "أنشال فوهرا" في "فورين بوليسي": "ليس هناك شك في أن الحركة الاحتجاجية نجحت في التعبير عن شعور واسع بالإحباط من نظام فشل بشكل مستمر في توفير الوظائف والرعاية الصحية والتعليم بأسعار معقولة، لكن المتظاهرين لم يتمكنوا حتى الآن من صياغة استراتيجية متماسكة طويلة المدى للتغيير، وذلك لأنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء تطوير استراتيجية".

وتابع "فوهرا" قائلا: "حتى الآن، كانت الاحتجاجات مرتجلة وتفتقر إلى أي رعاية سياسية ذات مغزى، أي مجرد اندلاع للغضب الشعبي دون قيادة. وبالرغم من أن هذا النمط من السياسة أعطى الحركة في البداية درجة معينة من المصداقية، إلا أنه لم يكن مواتيا لتطوير خطة ورؤية محددة".

وقد تبدو هذه بمثابة أحكام سريعة وقاسية. ولكن الكثيرين يرون أن حكومة "حسان دياب"، تبدو غير مستعدة للإصلاحات الزلزالية المطلوبة رغم محاولاتها لاستيعاب غضب المتظاهرين. 

ولا شيء في وسائل الإعلام أو في البيانات العامة حتى يشير إلى أن القيادة الحالية تفكر في التنحي وتقليل نفوذها والحد من الفساد الضارب في أوصال الحكومة.

وبالنظر عبر العالم العربي إلى الجزائر وتونس، يمكن للمرء أن يرى كيف تؤثر المؤسسات على توازن النفوذ بين النخب الحاكمة والمتظاهرين. واحتفلت الجزائر للتو بالذكرى السنوية الأولى لانتفاضة "حراك"، وأعلنت الحكومة الجديدة أنها عطلة وطنية، رغم أن النخبة الحاكمة تمكنت من الحفاظ على سلطتها، وإن كان ذلك مع عدد قليل جدا من الضحايا البارزين من المجموعة الحاكمة السابقة.

وكان هذا ممكنا بسبب المناورة الفعالة للجيش، الذي انتظر حرفيا المتظاهرين حتى تعبوا من الفوضى العامة ومالوا لصالح استمرار الوضع الراهن. 

وأشارت "مارينا أوتاواي" إلى ذلك في مقال نشرته مؤخرا، حيث قالت: "المعارضة ليس لديها طريق واضح لتحقيق طموحها في الإطاحة بالطبقة السياسية التي حكمت البلاد لعقود، وفرض انتقال السلطة الذي طال انتظاره. لقد تجنبت الهزيمة، ولكن من غير المحتمل أن تحقق النصر أيضا".

وبالرغم من أنهم نجحوا في فرض تغيير في الحكومة وتأخير الانتخابات على مدى 8 أشهر، إلا أن المتظاهرين لم يتمكنوا من منع اختيار المرشحين من الطبقة السياسية التقليدية أو دفع الحكومة لفرض تغييرات في قانون الانتخابات.

والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن القيادة الجديدة تقدم وعودا بالتغيير، ولكن دون مشاركة المتظاهرين. وكما أوضحت "أوتاواي"، سيكون من الصعب الحصول على ثقة الشعب الجزائري لأن "حراك" ليس لها مكان على طاولة مناقشة الإصلاحات. ومن الواضح أنه مهما كانت الخطوات التي تقرر الحكومة تنفيذها، فسيتم تصميمها وتنفيذها دون مشاركة القوى السياسية الجديدة.

وفي تونس، لا يزال هناك اضطراب وتباطؤ في بناء رؤية جديدة للبلد بشكل فعال. وعلى عكس الجزائر، لا توجد مؤسسة عسكرية أو مؤسسة مماثلة لتكون بمثابة الوسيط.

ويشعر التونسيون بالإرهاق من استمرار التراجع في التنمية الاقتصادية وفرص العمل والصحة والتعليم، واستمرار الفساد على جميع المستويات.

وبناء على نتائج الانتخابات الأخيرة، بدا أن هناك ميل واضح للقادة الجدد، لكن الصراع بين الأحزاب في البرلمان أخر تشكيل الحكومة، حتى أنه هدد بالحاجة إلى انتخابات أخرى. وأخيرا، تحت ضغط من الرئيس "قيس سعيد"، قد تكون لدى الحكومة برئاسة رئيس الوزراء "إلياس الفخفاخ" أخيرا فرصة للحصول على ثقة البرلمان، ومعالجة القضايا الاقتصادية الرئيسية، واكتساب المصداقية اللازمة للحكومة.

وتتمحور القضايا الأساسية في لبنان والجزائر وتونس حول الاقتصاد وعدم المساواة والفساد وانعدام الترابط المؤسسي والنزاهة في الحكومة. وفي حين أن الجيش قد يكون قادرا على الحفاظ على الهدوء في الشوارع في الجزائر في الوقت الحالي، لم يختف زخم "حراك"، فلا تزال قوة قادرة على العمل، وتسعى لتنظيم وتحديد أهدافها الاستراتيجية.

وفي تونس، لا يملك المتظاهرون النفس الطويل. وتضم الحكومة الجديدة بعض الشخصيات المؤهلة جيدا، لكن البرلمان الممزق، مع الأعضاء المنتخبين بعتبات منخفضة، قد يستمر في كونه صوتا مزعجا بدلا من صوت متماسك يعبر عن الشعب.

وفي لبنان، أشار "فوهرا" إلى أن التحدي واضح، قائلا: "مع بدء استقرار الوضع الراهن الجديد، سيحتاج المحتجون إلى وضع استراتيجية سياسية منظمة لإسقاط النخبة الحاكمة عبر صندوق الاقتراع. لكن إحدى العقبات الرئيسية التي يواجهونها هي إيجاد طريقة للتغلب على الدوافع الطائفية للناخبين".

وفضلا عن ذلك، يمكن للحركة الاحتجاجية أن تنقسم على أسس طائفية، مما يعرضها لخطر أن تتغلب عليها النخبة الحاكمة التي تتمتع بخبرة سياسية أكبر بكثير مما لدى المتظاهرين. عند هذه النقطة، تميل اللعبة لصالح الحرس القديم. وبين هذا وذاك، لا يسعنا سوى الترقب.

المصدر | جيان أبي نادر - إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

انتفاضة لبنان حراك الجزائر الحكومة التونسية

كيف نجحت النهضة التونسية في أزمة تشكيل الحكومة؟