كيف تحول مقتل سليماني إلى فرصة استراتيجية لروسيا؟

الأحد 15 مارس 2020 10:35 م

مع انحسار المد العاطفي في أعقاب مقتل "قاسم سليماني" في يناير/كانون الثاني، أصبح لدينا منظور أوضح لما يعنيه الحدث، وما إذا كان بهذه الأهمية الكبيرة التي اعتقدها العديد من المحللين والسياسيين.

وبالرغم من أن الكثيرين ركزوا على سياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط بشكل عام وإيران بشكل خاص، لكن موقف روسيا كان بعيدا نسبيا عن المناقشة، وركزت التحليلات التي تناولت موسكو على رد فعلها الفوري تجاه أزمة "سليماني" أكثر من تركيزها على تحليل سياستها تجاه إيران على المدى الطويل.

وفي هذا يجب أولا أن نعرف أنه من المهم فهم دور إيران في حسابات روسيا الاستراتيجية، وتعد إيران ضرورية لموسكو، حيث إن موقعها في بعض الأحيان يجعلها أهم لاعب في الشرق الأوسط.

وفي التسعينات، رأى المفكرون السياسيون الروس أن إيران يجب أن تكون ركيزة للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط.

ويقول من يسمون بـ"الأوراسيين"، الذين يعتقدون أن روسيا مزيج من أوروبا وآسيا، أنه إذا أرادت موسكو تقييد القوة الغربية في الشرق الأوسط، فإنها بحاجة إلى طهران.

وبالنسبة لروسيا الحديثة، كما حدث خلال كل من حقبة "رومانوف" ووقت الاتحاد السوفييتي، من الضروري الإبقاء على طهران محايدة على الأقل، وتعني إيران المعادية تقليص قدرة روسيا على المناورة في الشرق الأوسط.

ويشترك البلدان في فهم مماثل للعديد من التطورات الجيوسياسية في المنطقة، فكلاهما يكره أي زحف عسكري غربي في جنوب القوقاز أو آسيا الوسطى أو الشرق الأوسط الأوسع، وتعتبر روسيا وإيران أن التدخل الغربي في مناطق نفوذهما يقوّض مصالحهما وحقوقهما التاريخية.

لكن بالنسبة لروسيا، تلعب إيران دورا جيوسياسيا أكبر، ونظرا لتدهور علاقات موسكو مع الغرب بشكل عام والولايات المتحدة على وجه التحديد على مدى الأعوام العديدة الماضية، أصبح نموذج التعددية القطبية في الشؤون العالمية هدفا لدى روسيا.

ويفترض هذا الاتجاه في التفكير الجيوسياسي تطوير العديد من مجموعات الجاذبية الجيوسياسية عبر منطقة أوراسيا وأماكن أخرى، مثل الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ولا يعد هذا التفكير جديدا، فهو يعود إلى التسعينات، عندما تم إضعاف روسيا اقتصاديا وعسكريا، وكان طريقها الوحيد لتحسين موقفها هو تقويض النظام الذي تقوده الولايات المتحدة من خلال تطوير تعاون أعمق مع الصين والدول الأوروبية الآسيوية الكبرى، وكانت منظمة "شنجهاي" ومنظمات "البريكس" نتيجة لهذا النوع من التفكير متعدد الأقطاب.

وبالرغم أن إيران لم تتواجد داخل تلك المنظمات، لكنها تلعب دورا عمليا بالنسبة لروسيا؛ فهي تحول انتباه الأمريكيين عن مناطق أخرى في أوراسيا.

ويمكن لإيران، على عكس دول أخرى مثل الصين والهند، أن تفعل ذلك عسكريا، ويتمتع الاستراتيجيون الإيرانيون بالذكاء الكافي لتجنب الاشتباكات العسكرية المباشرة مع القوات الأمريكية؛ حيث تعتمد استراتيجية إيران بالكامل منذ ثورة 1979 على هذه الطريقة، ولكن يمكن لإيران نقل قواتها إلى سوريا ولبنان، والتأثير بشدة على اليمن والعراق، ويمكنها إحداث ضربات عسكرية في الخليج العربي، وحتى إثارة المشاكل في أفغانستان من خلال دعم "طالبان" أو الجماعات الأخرى.

ويتناسب هذا مع سياسة موسكو لعالم متعدد الأقطاب، التي توجد فيها مجموعة من الدول الأعلى وتنتمي لها روسيا، ومجموعة ثانية أقل قوة، تتكون من إيران واللاعبين الإقليميين الآخرين القادرين على تعقيد موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وهكذا، على المستوى الاستراتيجي، من المرجح أن نشهد المزيد من المواءمة بين سياسات إيران وروسيا في الشرق الأوسط، ويمكننا الآن إعادة النظر من خلال هذه العدسة في قتل "سليماني".

وعلى مدى عقود، كانت روسيا هي الحليف الوحيد الحقيقي لإيران بين اللاعبين العالميين، والآن وقد تدهورت العلاقات الإيرانية الأمريكية بشدة، سوف تضطر طهران إلى الاعتماد على روسيا أكثر.

ويمكن لروسيا اللعب بورقة الصين أيضا، كما شوهد في أواخر عام 2019، مع استضافة التدريبات البحرية العسكرية مع الصينيين والروس في الخليج العربي.

ومع ذلك، لن يكون التعاون مع الصين عميقا بما يكفي لتغيير موقف سياستها الخارجية المعقدة، فلا تعد الصين مستعدة بعد لخداع الولايات المتحدة وتجاهل عقوباتها، ويعني هذا أن روسيا ستبقى لبعض الوقت شريان الحياة الدبلوماسي الوحيد لطهران للحد من الضغط الغربي.

لكن ليست العلاقة وردية كما تبدو؛ فاعتماد إيران بشكل أكبر على الدعم الاقتصادي والدبلوماسي الروسي يمنح موسكو نفوذا هائلا على طهران، ويكتسب هذا أهمية خاصة في أعقاب مقتل "سليماني".

ومنذ عام 2015، عندما تدخلت روسيا في الصراع السوري، كانت هناك تقارير في كل من وسائل الإعلام الروسية والإيرانية حول مخاوف موسكو بشأن اكتساب القوات الإيرانية نفوذا في سوريا على حساب المصالح الاستراتيجية الروسية.

ويمكن لوفاة مهندس خطة إيران في سوريا أن يمنح روسيا الفرصة للحد من النفوذ الإيراني في البلاد وزيادة اعتماد دمشق على موسكو.

وهناك أيضا القضية النووية، وبينما قد يتوقع المرء أن تدعم روسيا الطموحات الإيرانية، فإن القيادة السياسية الروسية غير مقتنعة بأن إيران ستكون مفيدة جيوسياسيا إذا امتلكت سلاحا نوويا، ويخشى الروس، مثل الأمريكيين، من التخلف التكنولوجي الإيراني وضعف الأمن، الأمر الذي قد يعرض سلامة الأسلحة النووية للخطر.

علاوة على ذلك، نظرا لوجود أدلة كثيرة على تعاون إيران الاستراتيجي العميق مع التجمعات العسكرية وشبه العسكرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يخشى الروس من نشر التقنيات النووية إلى مجموعات لا يمكن السيطرة عليها.

وقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع الأمني ​​في العالم الإسلامي، الأمر الذي سيؤثر تأثيرا غير مباشر على المناطق الإسلامية المضطربة في شمال القوقاز.

وما يبدو أكثر واقعية هنا هو أن الاعتماد الإيراني المتزايد على روسيا سيفتح فرصا اقتصادية بحتة لموسكو، ومن المرجح أن تكون هناك مفاوضات أعمق حول احتمال بيع معدات عسكرية روسية إلى إيران، والأكثر أهمية هو تعاون إيران الوثيق مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا.

وكانت القيادة الإيرانية تميل إلى فكرة إنشاء اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لكن العملية لم تنجح.

ويمكن أن يتغير هذا الآن؛ لأن هناك فرصا لموسكو لاستخدام الضعف النسبي لطهران لربط  إيران التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، بالاتحاد الاقتصادي الأوراسي.

ومن هذه الزاوية، يفتح مقتل "سليماني" فرصا جديدة لروسيا، تشمل مكاسب تكتيكية محتملة في سوريا، وإمكانيات اقتصادية كبيرة من خلال تعاون إيراني أعمق مع الاتحاد الاقتصادي الأورواسي الذي تقوده موسكو.

المصدر | إميل أفضالياني | مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإيرانية الروسية عالم متعدد الأقطاب مقتل سليماني

إيران تجري مناورات مع روسيا والصين بالمحيط الهندي وبحر عمان