استراتيجية روسيا للشرق الأوسط.. قوة استقرار بعد خلق الفوضى

الأربعاء 18 مارس 2020 12:06 م

تتنافس مجموعة من الدول، خصوصا الصين وروسيا، على مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية.

ويتحول العالم أحادي القطب الذي كانت تقوده الولايات المتحدة ببطء وبشكل مطرد إلى عالم متعدد الأقطاب، ولا يتكشف هذا التطور بسرعة في أي مكان آخر أكثر من الشرق الأوسط الكبير، حيث تنافس روسيا والصين أمريكا في كل من القوة الصلبة، وهي القوة السياسية والعسكرية، والقوة الناعمة، أي القوة الاقتصادية.

وفي قلب نزيف القوة الأمريكية هذا، يغرق حلفاء الولايات المتحدة في الفوضى، وهو ما جعل الاستراتيجيات الأمريكية تواجه خيبة أمل كبيرة.

ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي، استفادت الولايات المتحدة من القوة الصلبة والناعمة في الشرق الأوسط الكبير، ومع ذلك، بعد خطئها الجيوسياسي في العراق، فقدت الولايات المتحدة الكثير من القوة بسبب عدد لا يحصى من الصراعات المحلية والإقليمية بين حلفائها، ما جعل من الصعب اتباع استراتيجية شاملة في الشرق الأوسط.

وتسببت العلاقات الكردية - التركية المتوترة، والصراعات القطرية - السعودية، والقطرية - الإماراتية، والمصرية - التركية، والجزائرية - المغربية، والإسرائيلية - الأردنية، واللبنانية - الإسرائيلية، في سحب البساط من أسفل الدبلوماسية والاستراتيجية الأمريكية.

بعبارة أخرى، بالرغم من قصر النظر الذي تتمتع به الرؤى الاستراتيجية للشرق الأوسط لدى إدارات "بوش" و"باراك" و"ترامب"، لا يمكن لأي استراتيجية في الشرق الأوسط أن تعمل في ظل ظروف خطرة تتأثر بشدة بالتنافس والنزاعات التاريخية ومخاوف الأمن القومي.

وفي الواقع، بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، استغلت روسيا إلى حد كبير عجز الولايات المتحدة عن إعادة تنظيم قواتها المتحالفة في الشرق الأوسط وتخفيف حدة النزاعات والتوترات في المنطقة.

وكانت هذه السياسة الروسية، التي ولدت من الاستراتيجية العالمية للبلاد لاستعادة دور مركزي في الشؤون العالمية ومجال النفوذ، استجابة لما يعتبره الروس محاولة أمريكية مقصودة لتهديد الاستقرار العالمي وكبح جماح روسيا.

واشتكى الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، في خطابه أمام مؤتمر ميونخ للأمن ​​عام 2007، من الهيمنة الأمريكية على الشؤون العالمية وتوسع "الناتو" في منطقة البلطيق، واتهم الولايات المتحدة بزعزعة استقرار الشرق الأوسط.

وقال "بوتين" إن "عملية توسع الناتو لا علاقة لها بتحديث الحلف"، وأضاف: "من حقنا أن نسأل، ضد من يوجه هذا التوسع؟"، وأضاف أن العالم أصبح الآن "أحادي القطب، مركزا واحدا للقوة. مركزا واحدا لصنع القرار. هذا هو عالم السيد الأوحد".

وكما اتضح، حقق "بوتين" رغبته في استعادة دور عالمي بارز لروسيا، وجعلت مشاركته، في الشرق الأوسط بشكل عام وفي سوريا على وجه الخصوص، روسيا فعليا نقطة محورية للحلفاء الأمريكيين الذين يحاولون حماية أمنهم القومي، وعملت تركيا، التي تشعر بالقلق من القومية الكردية، مع روسيا لتحقيق الاستقرار في سوريا.

وقد سعى الأكراد القلقون من الهجوم التركي في شمال سوريا، إلى الحماية الروسية من تركيا والنظام السوري.

وشهد لبنان موطئ قدم روسي بإبرام صفقة مع شركة النفط الروسية المملوكة للدولة "روسنفت" لتطوير وتشغيل منشآت نفطية في مدينة طرابلس الشمالية.

وبالإضافة إلى كونها فاعلا في قطاع الطاقة الكامن في لبنان، تحاول روسيا تأمين حدود سوريا مع لبنان من خلال مواجهة الدعم الإسلامي من طرابلس للمعارضة السورية.

ويسعى لبنان بدوره إلى جعل روسيا موازنة للنفوذ الإيراني في البلاد.

وتشعر مصر بالقلق من موجة أخرى من المظاهرات الشعبية ضد الأنظمة الاستبدادية، مع قلق خاص من وصول الجهاديين السلفيين إلى سيناء من سوريا، ومخاوف من تورط تركيا في الحرب الأهلية الليبية، ورفعت مصر علاقتها العسكرية والسياسية مع روسيا.

وبالإضافة إلى توسيع التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، أجرت مصر وروسيا تدريبات عسكرية مشتركة فريدة من نوعها، تحت اسم "سهم الصداقة"، والتي استمرت من 27 أكتوبر/تشرين الأول إلى 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

ومع شعورها بالقلق إزاء إيران وإقامة وكيلها "حزب الله" قواعد عسكرية في جنوب سوريا بجوار الحدود الإسرائيلية، وقعت (إسرائيل) اتفاقية مع روسيا تنص على أن موسكو لن تؤمن الحدود الإسرائيلية السورية فحسب، بل ستمنع إيران أيضا من بناء قواعد عسكرية في جنوب سوريا.

وفي الوقت نفسه، كانت عواصم الخليج العربي تعمق علاقاتها الاجتماعية والاقتصادية مع موسكو، ولا يقل أهمية عن ذلك أن قادة الخليج العربي ينظرون إلى تعميق العلاقات العربية الروسية باعتباره موازنة للتعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، خلال زيارته الأولى إلى السعودية والإمارات منذ عام 2007، أكد "بوتين" رغبته في علاقات أفضل مع الخليج العربي من خلال تهدئة خوفهم من تحالف إيران وروسيا ضد الخليج العربي.

ومن ناحية أخرى، قامت عمان والكويت والعراق، مع بعض الاختلافات، بوضع نفسها على مسافة متساوية من الولايات المتحدة من جهة مع إيران وروسيا من جهة أخرى، وبصراحة، دعا العراق إلى انسحاب القوات الأمريكية في العراق بعد الاغتيال الأمريكي للواء الإيراني "قاسم سليماني".

ولا شك أن روسيا تحاول أن يكون لها رأي في إعادة التنظيم الجيوسياسي للشرق الأوسط، بسبب عدم الاستقرار والطائفية والتنافس بين إيران والسعودية، ولقد كانت قادرة في نفس الوقت على دعم الأطراف المتنازعة وعرض نفسها كقوة استقرار.

وفي المقابل، تمكنت من تقديم تنازلات عسكرية وسياسية، ومن المؤكد أن محاولتها جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها العالمية للحد من القوة المهيمنة الأمريكية من خلال تأمين دور عالمي ومجال نفوذ لا غنى عنه، ليس على الأقل في الشرق الأوسط.

وقد نجحت حتى الآن جزئيا لأن واشنطن فشلت في اتباع استراتيجية شاملة تستغل القوة المركبة لحلفائها بسبب النزاعات والخصومات.

وتعد سياسة "أقصى ضغط" لإدارة "ترامب" على إيران مثالا على ذلك، حيث يكون لدى معظم حلفاء الولايات المتحدة أسباب مختلفة لعدم مراعاة خط السياسة الأمريكية بشأن إيران.

وبشكل أكثر تحديدا، تصرفت واشنطن بصفتها قاضيا أكثر مما تصرفت كقوة عظمى في الإشراف على منطقة مماثلة تعد ساحة محفوفة بالمخاطر، حيث تصرفت الحكومات المختلفة بشكل جامح مثل الأطفال.

وبالنظر إلى كل ما حدث فلا عجب إذن أن روسيا قد حققت تقدما في الشرق الأوسط على حساب القوة الأمريكية.

المصدر | ناشيونال إنترست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية