المليارات السوداء.. لماذا تغض الإمارات الطرف عن شبكات تجارة الجنس؟

الأربعاء 18 مارس 2020 07:20 م

"نطالب الحكومة البريطانية بالضغط على أبوظبي لوقف هذه الانتهاكات، وحثها على التأكد من أن أي اتفاقات تجارية مستقبلية يجب أن تراعي احترام الإمارات لحقوق الإنسان ومكافحة الاتجار بالبشر بجدية".. هكذا جاء في نص العريضة التي وقعها 52 نائبا في البرلمان البريطاني، الثلاثاء 17 مارس/آذار، مطالبين الحكومة البريطانية بالضغط على أبوظبي لوقف ممارسات الاتجار بالبشر.

وتتعلق تلك الانتهاكات بعبودية مستترة وشبكات لتجارة الجنس والدعارة، وهو ما ترجمه التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية بتصنيف الإمارات ضمن أكثر الدول التي تشهد انتشاراً للاتجار بالبشر والدعارة.

وتأتي مطالبة العريضة بالضغط على أبوظبي في إطار قناعة البرلمانيين البريطانيين بأن تجارة الجنس في الإمارات مستمرة، وأن الحكومة تغض الطرف عنها ولا تقوم بما يجب لمنعها، باعتبارها موردا اقتصاديا يدر نحو 150 مليار دولار حول العالم، وفقا لتقدير منظمة العمل الدولية.

وترسخت هذه القناعة لدى العديد من البرلمانيين والحقوقيين حول العالم بعدما كشف فيلم وثائقي، في فبراير/شباط الماضي، عن تنامي ظاهرة الاتجار بالبشر والجنس والبغاء القسري في الإمارات.

الفيلم الذي قدمته مؤسسات أوروبية، أبرزها جامعة فلورنسا وفرع منظمة اليونسكو في إيطاليا ومؤسسة "إنترناشيونال يونيتد ناشنز ووتش" تحت عنوان "هي ليست للبيع"، يقدم تحقيقا استقصائيا يكشف العديد من حالات الاتجار بالبشر في الإمارات، لاسيما إمارة دبي، التي يفصل التحقيق كيف تحولت إلى قبلة لمهربي الفتيات والعصابات الدولية.

ويعرض الفيلم قصص الكثير من نساء شرق أوروبا اللواتي خدعن ووجدن أنفسهن ضحايا للاستغلال في دبي، بعدما قدمن على أساس وعود بعمل لائق، لكن الواقع كان مغايرًا، حيث أجبرن على العمل في الجنس.

ويثبت التحقيق، الذي أنتج على مدى عامين كاملين واعتمد على تصوير كاميرات سرية في دبي ومقابلات مع بعض الضحايا وتحليلات لخبراء، أن الإمارات تشهد العديد من الممارسات التي تندرج تحت بند الاتجار بالبشر خاصة في قطاع الخدمات، مشيرا إلى أن العديد من الجهات تستغل النساء العاملات في صالات التدليك جنسيا.

ويبرز الفيلم أن الوضع القانوني للأجانب في الإمارات يشهد انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، حيث يعتمد بشكل كلي على إفادات صاحب العمل الذي يمكنه أوراق وراتب أي موظف دون حماية تذكر من الدولة.

لاس فيجاس الشرق

وجاء الوثائقي الأوروبي بعد نحو شهر من تحقيق تلفزيوني آخر بثته قناة البرلمان اليوناني "Vouli" في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2019، مؤكدا أن الإمارات باتت مرتعا للاتجار بالنساء.

ووفقا لمنظمة العمل الدولية، فإن 62% من ضحايا الاتجار بالبشر يتم توظفيهم لأغراض الاستغلال الجنسي، ونسبة 96% منهم من النساء والفتيات.

ليس هذا فقط، بل إن قائمة الضحايا تضمنت أطفالا تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما، حسب توثيق التحقيق لجرائم إتجار بالبشر في الإمارات، وقعت بين عامي 2010 و2012.

وبحسب لقاء أجراه موقع "فايس" الأمريكي مع قواد أوكراني يعمل بدبي، فإن "أسعار الفتيات تبدأ من 1000 دولار في الساعة، بينما يبلغ سعر الأولاد 500 دولار في الساعة"، مشيرا إلى أن "الأمر ليس غريبا على الأجانب فيما يتعلق بممارسة الجنس مع الأولاد".

وبالرغم من أن القوانين المعلنة للإمارات لا تسمح بممارسة الدعارة إلا أن سوء سمعة دبي تحديدا جعلها بمثابة "لاس فيجاس الشرق"، بحسب تقارير حقوقية وإعلامية، أشارت إلى منافستها للمدينة الأمريكية المشهورة بناطحات السحاب والملاهي الليلية التي تلبي رغبات زبائنها.

وبحسب إحصاءات رسمية إماراتية، فقد بلغ إجمالي عدد قضايا الاتجار في البشر في الإمارات 306 قضية موثقة على مستوى الدولة في السنوات الخمس الماضية، أغلبها قضايا استغلال جنسي وصدرت بشأنها أحكام قضائية مختلفة، بينما بلغ عدد الضحايا في الفترة نفسها 490 ضحية وعدد المتاجرين أكثر من 900 شخص.

أما ما خفي دون إعلان رسمي فهو أعظم، خاصة أن التقارير الحقوقية توثق دخول العديد من الفتيات إلى الإمارات عن طريق تأشيرة زيارة، التي تتحول لاحقا إلى تأشيرة عمل، تمهيدا لتسخيرهن في مجال الدعارة، وتطرح تساؤلات عن الداعمين لتلك التجارة والعاملين فيها.

ولذا تتهم منظمات دولية، بينها الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات (ICBU)، أبوظبي بتوفير البيئة الخصبة لممارسات الدعارة والاتجار بالبشر، خاصة بعدما طالب مقربون من النظام الإماراتي، بينهم رجل الأعمال المشهور "خلف الحبتور"، الدولة بتقديم الخمور والنساء للطالبين في البلاد، وذلك في مقابلة أجراها مع شبكة "سي إن إن" الأمريكية.

وكانت تلك المطالبة صادمة للعديد من الإماراتيين، فرغم تحول الدعارة وتجارة الجنس إلى ظاهرة في البلاد، إلا أن أحدا لم يجرؤ على الدعوة لها علانية، ما دفع ناشطون معارضون عبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى إطلاق وسم بعنوان (#أوقفوا_الدعارة_في_دبي وأبوظبي)، وذلك في يوليو/تموز عام 2017.

ظاهرة مقلقة

لكن الموقف الرسمي الإماراتي بدا منحازا إلى الاستفادة من العوائد الاقتصادية لتجارة الجنس وعدم التحرك ضد شبكات التوظيف القسري للنساء في الدعارة إلا في الحالات التي تستدعي ذلك، وفي حال تسليط الضوء الغربي عليها فقط، وهو ما بدا وضحا من تصريح سابق لنائب رئيس شرطة دبي السابق، عضو المجلس التنفيذي للإمارة "ضاحي خلفان".

فرغم اعترف "خلفان" بأن الدعارة باتت "بلوى عامة" في دبي، إلا أنه اعتبرها "ظاهرة لا يمكن منعها أو الحد منها"، وهو ما ربطه مراقبون باعتبار التقرير السنوي للخارجية الأمريكية (2019) الإمارات من أكثر الدول تورطاً في ظاهرة "العبودية الحديثة".

وتربط التقارير الحقوقية بين هذا الموقف شبه الرسمي، وبين إحصائية تفيد بأن أكثر من 80% من سكان إمارة دبي من الأجانب، بينهم ما لا يقلّ عن 2% من العاملات في الجنس، وفقا لما أورده موقع "ميدل نيوز" العبري.

وسبق أن نشرت صحيفة "الغارديان" تقريراً بعنوان "الحياة الليلية في دبي"، تحدث فيه الصحفي "ويليام بتلر" عن الحياة الجنسية في إمارة دبي، بعد أن عاش فيها 4 سنوات، قائلا: "من المستحيل الحصول على إحصاء دقيق لعدد العاهرات في دبي؛ لأن السلطات لن تقدم أبداً مثل هذه الأرقام، كما أنه من الصعب أيضا حساب العاهرات المتخفيات أو اللاتي يمارسن الجنس في أوقات الفراغ، لكن إحدى الإحصائيات، تشير إلى وجود نحو 30 ألف عاهرة في دبي عام 2010".

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الظاهرة في الإمارات أكبر من مجرد شبكات تهريب وتجارة جنس عابرة، كما هو الحال في العديد من دول العالم، وهو ما نوه له تقرير الخارجية الأمريكية بالإشارة إلى 10 آلاف امرأة يعملن قسرا في الدعارة من إجمالي عدد العاهرات في الإمارات.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ضاحي خلفان الإتجار بالبشر الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات

قواد أوكراني: الدعارة رائجة جدا في دبي

صنداي تايمز: تجارة الجنس تواصل ازدهارها في دبي.. وإنستجرام وسيطها الأبرز