صراع نفوذ بين الدوحة وأبوظبي

الثلاثاء 29 يوليو 2014 07:07 ص

عبد المجيد البلوي - المونيتور - 28 يوليو/تموز 2014

دول الخليج أصبحت هي القوة الأكثر استقراراً وتأثيراً في العالم العربي وذلك مع تراجع الدور المصري وانتشار الاضطراب والفوضى في سوريا والعراق وانكفاء الجزائر على نفسها بعد عشرية التسعينات السوداء، وقد راكمت دول الخليج بسبب عامل الاستقرار السياسي وزيادة مداخيل النفط ثروة مالية عززت من نفوذها السياسي والاقتصادي والإعلامي في المنطقة.

في ظل الحماية التي توفرها الولايات المتحدة لدول الخليج فإن اهتمام هذه الدول بوجود سياسة أمنية موحدة لم يعد اهتماما كبيراً باستثناء السعودية ربما ، مما ساهم في اندفاع هذه الدول الى توظيف فوائضها المالية لصناعة سياسة خارجية مستقلة عن شقيقاتها فبرزت الدوحة لتلعب أدواراً إقليمية داعمة لحركات التغيير في العالم العربي وخصوصا حركات الاسلام السياسي منها . كما برزت أبوظبي كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، خصوصاً في قيادة المواجهة مع حركات الإسلام السياسي .

الفائض المالي والاستقرار السياسي مع الاطمئنان للحماية الأمريكية ، لم يكونا سبباً في تباين السياسات الخارجية لدول الخليج فحسب ، بل أصبحت سببا في اشتعال المنافسة بينها على التأثير والنفوذ في العالم العربي ، خصوصاً وأن واشنطن الضامن لأمن الخليج ، لديها خيارات واسعة في التعامل مع ظاهرة الاسلام السياسي تتراوح بين الحرب على الإرهاب كما هو الحال في التعامل مع القاعدة وهنا تقف أبوظبي حليفاً قوياً، أو مد جسور التفاهم كما هو الحال مع حزب العدالة والتنمية التركي وهنا تبرز الدوحة شريكاً استراتيجياً.

التنافس الخليجي- الخليجي بات أحد مظاهر السياسة الرئيسية في الشرق الأوسط ، وهو تنافس يجري بشكل أساسي بين أبوظبي والدوحة ، اللتان تقفان على طرفي نقيض في السياسة الخارجية حالياً ، فينما تدعم الدوحة الثورة السورية تبدي أبوظبي تحفظها على دعم تعتقد أنه يعزز من نفوذ الاسلاميين ، وفي حين تدعم الدوحة الاخوان المسلمين في مصر وليبيا وتونس تقف أبوظبي في المعسكر المقابل .

الإعلان عن تأسيس مجلس حكماء المسلمين الذي تم يوم السبت 19 يوليو في أبوظبي ليس بعيداً عن هذا التنافس بين العاصمتين ، فالدوحة كانت تحتضن المقر الرئيسي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي يرأسه الدكتور القرضاوي بينما باتت أبوظبي تحتضن مقر مجلس حكماء المسلمين برئاسة الدكتور عبدالله بن بيه وشيخ الأزهر أحمد الطيب . وقد كان الشيخ القرضاوي عضواً في هيئة كبار علماء الأزهر إلا أنه استقال منها بعد انقلاب 3 يوليو على الرئيس محمد مرسي احتجاجاً على مواقف الأزهر المتعاونة مع الانقلاب ، كما أن الدكتور عبدالله بن بيه كان عضواً في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلا أنه استقال منه في سبتمبر 2013 وقد لمح في خطاب استقالته الى أن سببها اختلافه مع مواقف الاتحاد المنحازة. ولا يخفى تأثير المواقف من أحداث الانتفاضات العربية وتقلباتها على هذه الاستقالات المتبادلة.

ولأن الدين عامل رئيسي في صراعات النفوذ في المنطقة فإنه بات ساحة صراع ناعم يجري بين العاصمتين ، ففي حين تقف قطر داعمة للتيارات الدينية السلفية والإخوانية ، اختارت أبوظبي دعم تيار الاسلام السني التقليدي الذي يمثله تاريخياً الأزهر ، وهو تيار يدعو لابتعاد العلماء عن ممارسة السياسة بشكل مباشر.وفي اطار هذا الدعم الإماراتي صرح ولي العهد محمد بن زايد في 28 أبريل 2013 ، عند استقباله لشيخ الأزهر ، عن التزامه بدعم الأزهر ليعود لممارسة دوره في نشر خطاب الاعتدال ومواجهة التطرف والغلو ، وقد تراجع دور الأزهر في العقود الأخيرة مع صعود التيارات السلفية . ومن المرجح أن الدعم الأماراتي لمؤسسة الأزهر وللتيار الذي يمثله سوف يضع أبوظبي في مواجهة ناعمة مع المؤسسة الدينية السلفية السعودية التي استفادت من غياب دور الأزهر وضعفه فبسطت نفوذها حتى داخل مصر ، وقد ظهرت ملامح هذه المواجهة الناعمة مبكراً في عدم مشاركة أحد من علماء المؤسسة الدينية السلفية السعودية بمجلس حكماء المسلمين .

اعلان تأسيس المجلس لاقى نقداً حاداً من جهتين ، الأولى من المنتسبين للمؤسسة السلفية وذلك لأن هذا المجلس قام باقصاءهم وتهميشهم ، والجهة الثانية من أنصار جماعة الاخوان المسلمين الذين رأوا فيه الجناح الديني لما يعتبرونه مؤامرة الانقلاب العسكري على الرئيس محمد مرسي .

وفي حين يبدي الاتحاد العالمي حماساً في تأييد الثورات العربية و الاجراءات الديمقراطية من انتخابات وغيرها ، فإن مجلس حكماء المسلمين يبدو أكثر تحفظاً تجاهها، فقد حذر من التمسك بالإجراءات الديمقراطية في بيئة ليست ناضجة بعد ، قائلاً أن ذلك قد يقود إلى حروب أهلية .

هذا الصراع الناعم بين الدوحة وأبوظبي على الفضاء الديني في الشرق الأوسط يتغذى على تراجع الدور المركزي للسعودية في قيادة هذا الفضاء ، وذلك لعوامل عديدة منها ثورة الاتصالات التي أعادت توزيع القوة الدينية داخل العالم الاسلامي، مما سمح بميلاد مراكز تأثير متعددة ، ولظروف الحرب على الإرهاب التي كان لها دوراً في تراجع نفوذ المؤسسة الدينية السعودية وتقلص تأثيرها وقد عزز من تأثير هذين العاملين ، تراجع فرص اصلاح هذه المؤسسة الدينية لتكون أكثر قدرة على المنافسة

الدوحة و أبوظبي باتا يمثلان قطبين متنافرين في الشرق الأوسط وصراعهما على النفوذ انتقل من حقل السياسة إلى حقل الدين بينما تقف الرياض بينهما ، فهي في مكان مع الدوحة وفي آخر مع أبوظبي ، إذ تشارك الدوحة في الانتماء للسلفية والمذهب الوهابي، كما تشاركها في الموقف من سوريا والعراق ، بينما تشارك أبوظبي في مصر وفي الموقف من جماعات الاسلام السياسي. وما زالت المنافسة بين الدوحة وأبو ظبي تساهم في تصعيد الخلاف الحالي في الخليج، في حين السعودية تبقى بعيدة عن هذه الأجواء

  كلمات مفتاحية