مصر وكورونا.. هل يستطيع القطاع الصحي تحمل المواجهة؟

الجمعة 20 مارس 2020 06:11 م

تتزايد في مصر الإجراءات والتدابير الاحترازية، يوما بعد الآخر، ضمن خطط رسمية لمواجهة فيروس "كورونا" المستجد، بعد وفاة 7 أشخاص، وإصابة 256 شخصا، وفق البيانات الرسمية.

وعلى الرغم من التقارير الغربية، التي تحذر من تحول مصر إلى بؤرة موبوءة، فإن السلطات الرسمية، ترفع من وتيرة إجراءاتها، لاحتواء الفيروس، وسط تحديات كبيرة تواجه القطاع الصحي في البلاد، ومخاوف من عدم الشفافية بشأن الأرقام المعلنة.

يزيد من المخاوف، التحذير الذي أطلقه السفير الفرنسي لدى القاهرة، "ستيفان روماتيه"، عبر "تويتر"، قائلا، إنه "لن يُخفي بأن الأوضاع بمصر مقلقة جداً في ظل ضعف النظام الصحي، وأن مصر ستُعزل عن بقية العالم مثل العديد من الدول، وأن الوضع في البلاد سيكون صعبا جدا في الأسابيع القادمة".

إجراءات مشددة

على مدار الأيام الماضية، كثفت السلطات من تدابيرها لاحتواء الفيروس، وخصص الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" 100 مليار جنيه (6.4 مليارات دولار) لتمويل استراتيجية مكافحة الفيروس.

كذلك تقرر تعليق النشاط الدراسي، وإلغاء امتحانات النصف الثاني من العام الدراسي لمراحل النقل الابتدائي والإعدادي، مع تدعيم التعليم عن بعد بالنسبة لطلاب المرحلتين الثانوية والجامعية.

وشملت التدابير، إغلاق المقاهي والمطاعم والملاهي والنوادي الليلية والمراكز التجارية من السابعة مساء وحتى السادسة صباحاً حتى 31 مارس/آذار الجاري، وكذلك وقف الفعاليات الرياضية والثقافية والفنية.

وعلقت مصر خدمات الطيران حتى نهاية الشهر الجاري، وخفضت عدد العاملين في أجهزة الدولة والمصالح الحكومية للحد من الاحتكاك بين المواطنين.

وطالت التدابير الاحترازية دور العبادة من مساجد وكنائس، مع تعليمات مشددة بعدم التجمعات، وإلغاء الدروس الدينية، وقصر مدة خطبة الجمعة، وإجازة الصلاة في المنزل، كذلك منع سرادقات الأفراح والعزاء، وتكثيف أعمال التطهير بجميع المرافق العامة والأسواق، مع مضاعفة أعمال التقصي وتكثيف حملات التوعية.

وتجري السلطات المصرية، عملية تعقيم واسعة لكافة الفنادق والمنشآت السياحية، خاصة في شرم الشيخ والغردقة والأقصر وأسوان، إضافة إلى العزل الذاتي لمدة 14 يوماً للعاملين بالمنشآت السياحية، وكذلك القادمين من العمرة.

تدخل سيادي

بخلاف ذلك، يرجح مراقبون دخول الجيش المصري إلى خط المواجهة مع الوباء، تزامنا مع الدفع بتعزيزات من وحدات الحرب البيولوجية والكيميائية؛ لمحاولة سد عجز القطاع الصحي المتهالك في البلاد.

وتقوم إدارة الإطفاء والإنقاذ التابعة للقوات المسلحة بتطويع عربات ومعدات الإطفاء من خلال تزويدها بقواذف الأكرون وتعبئتها مسبقا بالمحاليل المطهرة لاستخدامها مباشرة في أعمال تطهير وتعقيم الأماكن المفتوحة.

وتشارك قوات الجيش المصري في عمليات التعقيم الموسعة التي تنفذ في الجامعات والمرافق العامة، والمنشآت الحكومية، إضافة إلى إجراء تحاليل (PCR) للمخالطين للأفراد الذين ثبت إصابتهم، إضافة إلى إجراءات أخرى منها التثقيف الصحي وخطط الوقاية على كافة المستويات.

وفي محاولة لتعزيز قدرة وزارة الصحة على مواجهة الفيروس، أعلنت وزارة التعليم العالى رفع حالة الطوارئ بالمستشفيات الجامعية، ووضعت إمكاناتها تحت تصرف الوزارة لمكافحة الفيروس.

"ووهان" المصرية

ومع ذلك تبقى هناك مخاوف من كون الإجراءات الحكومية قد تكون متأخرة وغير كافية، وأن هناك بؤر قد تكون شهدت انتشارا للفيروس بشكل أكبر مما تعلن عنه السلطات.

تبقى محافظة الدقهلية (دلتا النيل)، هي التحدي الأكبر أمام الحكومة المصرية، بعد وضع 300 أسرة بالحجر الصحي، ووفاة حالتين بها.

وهناك مخاوف أيضا من تحول المحافظات السياحية إلى بؤر للفيروس، في ظل ضعف إجراءات الحجر الصحي وقيام العديد من العاملين في قطاع السياحة بتجاوز العجو والعودة لبلدانهم في البر الرئيسي.

وزاد من الضغوط والانتقادات الموجهة لمصر، ما نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، نقلا عن دراسة أجراها مختصون في الأمراض المعدية من جامعة تورونتو الكندية، قدرت أن عدد المصابين بالفيروس في مصر قد يبلغ 19 ألفا وفقا لبيانات رسمية عن حركة السفر ومعدل المصابين الذين غادروا البلاد خلال الأيام الأخيرة.

وتنفي وزارة الصحة المصرية تلك الأرقام، مشددة على أن الإعلان عن الحالات يجري بوضوح تام وشفافية بالتنسيق مع منظمة الصحة العالمية، مشيرة إلى اتخاذها إجراءات وقائية مشددة بمحافظات الدقهلية ودمياط (دلتا النيل)، والمنيا (جنوب)، وذلك نظرا لرصد عدد كبير من المخالطين للحالات الإيجابية بتلك المحافظات.

وتعج مواقع التواصل بتشكيك في حقيقة الأرقام الرسمية المعلنة، لكن حزمة التدابير الاحترازية السارية في البلاد تشير إلى جدية الحكومة المصرية في المواجهة.

ومع ذلك، تبدو أن الحكومة تخشى أن إجراءاتها الصحية سوق تقوض قطاع السياحة في البلاد بعد أن حقق انتعاشة كبيرة (نحو 12 مليون سائح سنويا)، للمرة الأولى منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وتوفر مصر نحو 26 مستشفى للعزل الصحي، وتدعم وحداتها الصحية ومنافذها الرئيسية بـ250 ألف كاشف لفحص مواطنيها، لكنها تعاني تراجع عدد الأطباء والكوادر المتخصصة جراء الهجرة للخارج، وقلة الخبرة في مواجهة هذا النوع من الفيروسات.

مؤشرات مختلطة

مقابل التقارير الغربية التي تحذر من تفشي الوباء لمصر خلال الأسبوعين الثالث و الرابع من ظهوره، نتيجة ضعف خدمات القطاع الصحي، تؤكد وزيرة الصحة المصرية "هالة زايد" تعافي مصابين مصريين دون حاجة إلى أدوية.

هناك مؤشر آخر يصب في صالح مصر في مواجهتها مع "كورونا"، هو انخفاض السن العام للمواطنين في مصر، حيث تعد من المجتمعات ذات التركيبة الشبابية، مقارنة بدول أوروبا التي يمثل فيها كبار السن أكثرية، وهم أكثر الفئات المتضررة بالفيروس.

وربما تدفع حالة الاصطفاف السياسي، وراء الدولة في مواجهة "كورونا" إلى رفع مستويات الوعي والوقاية من الفيروس، وسط مطالبات للنظام المصري بتخفيف حالة التكدس داخل السجون، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، خشية تفشي المرض بينهم.

ويطالب برلمانيون مصريون بفرض حظر التجول داخل البلاد لمواجهة انتشار فيروس "كورونا"، لكن البعض يرفض ذلك، معللا بأن عدد الضحايا والإصابات في مصر ما زال في الحدود الآمنة، وأن الأمور لم تخرج بعد عن السيطرة.

خلاصة الأمر، فإن الأيام القادمة تحمل اختبارا جديا للقطاع الصحي في مصر، ومن قبله قدرة الدولة والنظام على إدارة الأزمة، وكذلك لوعي المصريين بخطورة الوضع ودور المجتمع في التغلب في الأزمة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

هل يتعلم الحكام المستبدون الدرس من كورونا؟

زحام حول ضريح السيدة زينب بمصر رغم إجراءات كورونا