تركيا ومصر.. صراع أيديولوجي أم تنافس جيوسياسي؟

الاثنين 23 مارس 2020 03:32 م

مثلت محاولة مصر تشكيل تحالف أمني إقليمي ضد تركيا، أحدث حلقة في مسلسل العلاقات المتصدعة والمتوترة بين البلدين منذ الانقلاب العسكري الذي قاده وزير الدفاع في حينها "عبدالفتاح السيسي"، على الرئيس الراحل "محمد مرسي"، منتصف عام 2013.

ومؤخرا التقي رئيس المخابرات المصري "عباس كامل" مع نظرائه في دول شمال أفريقيا من أجل تشكيل تحالف أمني يهدف إلى مواجهة التمدد التركي في شمال أفريقيا، وفقا لما أكدته مصادر استخباراتية.

وفي هذا الصدد كشفت تقارير مصرية وليبية أن مصر أسست قوة كوماندوز بحرية جديدة ستعمل مع المقاتلين الليبيين لمنع السفن التركية من تقديم المساعدة لحكومة الوفاق المعترف بها دولي في طرابلس.

فكيف وصلت الأمور لهذا الحد؟ وهل التنافس بين أنقرة والقاهرة جيوستراتيجي أم أيديولوجي؟

بداية الأزمة

 تدهورت العلاقات بين أنقرة والقاهرة بشكل كبير منذ انقلاب 2013، حيث أدان الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عملية الإطاحة بـ"مرسي"، وقام باحتضان أنصاره واستضافتهم في تركيا حيث قاموا بتأسيس مؤسسات إعلامية وحقوقية نددت بممارسات النظام المصري، ما تسبب في تحول تركيا فعليا إلى قاعدة للمعارضة السياسية للنظام المصري.

وفى مقابل ذلك اعتبر "السيسي" تركيا ورئيسيها بمثابة عدو إقليمي وسعي بكافة الطرق لمواجهة دورها ونفوذها المتزايد خاصة في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط.

وقبل صعود "السيسي" كانت تركيا ومصر تتمتعان بعلاقات ودية ومتنامية، لا سيما عقب نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالرئيس المصري الراحل "محمد حسني مبارك" حيث جرى تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الطرفين.

وكانت تركيا قد سعت لإقامة شراكات وتوسيع نفوذها في العديد من بلدان المنطقة بعد 2011 عام ولا سيما في مصر وتونس والمغرب، حيث استهدفت بشكل أساسي التعاون مع تيارات الإسلام السياسي في تلك البلدان، ما وضعها في مواجهة وخلاف مستمرين مع الأنظمة في تلك الدول.

وبعد فشل ثورات الربيع العربي وانتصار الدول العميقة وثوراتها المضادة في تلك البلدان، بدأ ظهور التوتر في العلاقات بين تركيا ومصر ودخلت العلاقات مرحلة التدهور التي تزداد وتيرتها يوما بعد يوم.

في غضون ذلك لم يكف الرئيس التركي عن توجيه الانتقادات اللاذعة لنظام "السيسي"، في الكثير من المحطات والتي كان أبرزها أثناء عملية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، وإبان عمليات الإعدام المتتالية لمعارضين سياسيين.

تنافس جيوسياسي أم عداء أيديولوجي؟

لكن الخلافات المتفاقمة بين مصر وتركيا لا يمكن إرجاعها فقط إلى الخلاف الأيديولوجي بين النظامين حول دعم تيارات "الإسلام السياسي". ووفق الأكاديمي والمحلل السياسي "خليل عناني"، فإنه عادة ما تكون يتم تشكيل السياسية الخارجية بناء على مجموعة من العوامل مثل الجغرافيا والأيدولوجيا والسكان والتاريخ والموارد الطبيعية والتنمية الاقتصادية ومصالح معينة، وفى حالة مصر وتركيا، تكمن جذور الصراع في مزيج من العوامل السابقة.

ويعد كلا البلدين لاعبا رئيسيا في منطقة الشرق الأوسط ولدى كل منهما تجربة تاريخية غنية، وعزة وطنية وأهمية جغرافية استراتيجية، وتطلعات حقيقية إلى الهيمنة الإقليمية.

وعلى مدار العقدين الماضيين، حولت تركيا بوصلة سياستها الخارجية، خاصة بعد فشل محاولة انضمامها للاتحاد الأوروبي، إلى الشرق الأوسط، وسعت أنقرة إلى استثمار علاقاتها التاريخية مع بلدان المنطقة.

فى المقابل رحب البعض في العالم العربي (حكومات وشعوب) بتلك الخطوة واعتبرت تركيا مصدرا للقوة السياسية والاستراتيجية للعالم العربي، وأن التحالف معها يعد خطوة لمواجهة نفوذ إيران ووكلائها الشيعة في المنطقة.

ولكن في أعقاب الربيع العربي، ولد الدور التركي الإقليمي مخاوف وقلق في أوساط الأنظمة الاستبدادية العربية التي بدأت تعتبر أنقرة تهديدا أيدولوجيا واستراتيجيا لها، في ضوء دعم "أردوغان" للإسلاميين. وقد تعمقت هذه المخاوف بعد عزل "مرسي" من منصبه في عام 2013، حيث دعمت تركيا جماعة "الإخوان المسلمون".

ويري "عناني" أنه في حين يميل بعض المحللين إلى النظر لسياسية "أردوغان" الخارجية تجاه العالم العربي عبر عدسة اختزاليه، مع التركيز على ميوله الإسلامية، لكن من المهم عدم تجاهل أو التقليل من شأن المصالح المتضاربة بين تركيا ومنافسيها الإقليميين وخاصة مصر.

وينوه "عناني" أن "أردوغان" بخلفيته الإسلامية، كان هو نفسه من تم الاحتفال به في الكثير من شوارع الدول العربية قبل الربيع العربي بسبب موقفه من (إسرائيل) وإيران، ولذا لا يمكن تفسير الصراع بين تركيا ومصر من خلال الاختلافات الأيدولوجية فقط.

قضايا رئيسية

ويري "عناني" أن هناك 3 قضايا رئيسية في العلاقات بين أنقرة والقاهرة أدت إلى هذا الاختلاف بين الطرفين لاسيما منذ وصول "السيسي" للحكم في 2014.

تتمثل القضية الأولي في الدور والتأثير الإقليمي لكل دولة، فبينما تعتبر تركيا الشرق الأوسط حديقتها الخلفية لممارسة الهيمنة والنفوذ، يري "السيسي" أن الدور التركي هو مصدر الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة، وأنه يجب تقليصه والقضاء عليه.

وتتعلق القضية الثانية بالاحتياطات الضخمة من الغاز الطبيعي المكتشفة حديثا في شرق البحر المتوسط، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين البلدين، ونتيجة لذلك وقعت تركيا اتفاقية تعاون أمني وعسكري مع الحكومة الليبية نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهي الاتفاقية التي رفضتها مصر بشدة.

والقضية الثالثة هي تحالف مصر مع دول الخليج وخاصة السعودية والإمارات، فعلي مدي السنوات القليلة الماضية تصاعدت التوترات بين تركيا من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخري وجاء ذلك بعد فترة قصيرة من تعزيز التعاون الاقتصادي والعسكري والتجاري بين الطرفين بين عامي 2011 و2015.

وبحسب "عناني" فإن هناك 3 أحداث رئيسية أدت إلى تفاقم التوترات التركية الخليجية، وهي محاولة الانقلاب الفاشلة على "أردوغان" في يوليو/تموز 2016، والحصار الخليجي لقطر منتصف عام 2017، واغتيال "جمال خاشقجي" في قنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018.

نمو التعاون الاقتصادي

ومما يعزز هذه النظرة غير الأيديولوجية للخلاف التركي المصري، حقيقة أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين حافظت على نفسها، بل وشهدت نموا ملحوظا خلال السنوات الماضية رغم التراشق السياسي.

وفى شهر مايو/أيار الماضي، كشف القائم بالأعمال التركي في مصر "مصطفى كمال الدين آريغور"، أن القاهرة وأنقرة حققتا رقمًا قياسيًا في حجم التجارة البينية عام 2018.

وذكر "آريغور" أنه استنادا إلى بيانات هيئة الإحصاء التركية لعام 2018، فإن البلدين حقّقا رقمًا قياسيًا تاريخيًا، حيث بلغ حجم التجارة بينهما 5.24 مليار دولار.

وأضاف أن حجم الصادرات التركية إلى مصر، بلغ 3.05 مليارات دولار في 2018، أي بزيادة تقدر بنحو 29.4% مقارنة بعام 2017.

أما الواردات التركية من مصر، وفق "آريغور"، فوصل حجمها، في 2018، إلى 2.19 مليارات دولار، بزيادة وصلت نسبتها 9.68% مقارنة بالعام السابق.

ولفت القائم بالأعمال إلى أن حجم الصادرات بين البلدين تضاعف خلال الـ12 عامًا الماضية، 3 مرات ونصف، وذلك منذ دخول اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين حيز التنفيذ في عام 2007.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات المصرية التركية العلاقات التركية المصرية تطبيع العلاقات التركية المصرية نظام السيسي

أردوغان: دولة الظل داخل السعودية هي من قتلت خاشقجي

أردوغان: السعي لمعاقبة القتلة دين علينا لعائلة خاشقجي

أردوغان: بن سلمان أعطاني وعدا حول خاشقجي ولم يتخذ أي إجراءات