الصحافة الورقية.. آخر ضحايا كورونا

الخميس 26 مارس 2020 03:16 م

يبدو أن تداعيات تفشي فيروس "كورونا" المستجد، لن تتوقف عند البشر فحسب، بل ستطال الورق الذي ربما يكون أحد طرق انتقال العدوى من مريض إلى آخر.

خلال أيام قلائل، أجبر الوباء العالمي، دور نشر، وشركات عملاقة، وحكومات دول، على وقف إصدار طبعات صحف ورقية عريقة، إلى أجل غير مسمى.

وجاء منع طباعة وتداول الصحف والمجلات الورقية بعدما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن الفيروس يمكنه البقاء حيا لساعات على الأسطح بما فيها الورق.

وتعني الخطوة التي أقدمت عليها دول خليجية وعربية، الزج بالصحافة الورقية في العالم العربي إلى منعطف جديد غير مسبوق وتحد خطير، قد يعصف بها نهائيا، في مرحلة ما بعد "كورونا".

قرارات متتالية

من السعودية إلى الإمارات، ومن قطر إلى عمان، ومن الأردن إلى تونس والمغرب ومصر، تتوالى القرارات بتعليق إصدار ونشر وتوزيع الطبعات الورقية، في خطوات تهدف للحد من انتشار "كورونا".

وتسبب انتشار الفيروس خلال الأيام الماضية، في توقف إصدار عشرات الصحف، وسط خسائر فادحة لسوق ضخمة تضم مئات الآلاف من العاملين في مهن الصحافة والإعلام والطباعة والنشر.

ففي المملكة العربية السعودية، أعلنت صحيفة "عكاظ" إيقاف نسختها الورقية مؤقتا، على أن يستمر إصدار الصحيفة إلكترونيا، وهي خطوة قد تتبعها صحف أخرى في المملكة.

كذلك أصدرت حكومة الإمارات، قرارا يقضي بمنع تداول الصحف والمجلات والمنشورات الورقية، بما فيها التسويقية، في التجمعات السكنية والمطاعم والفنادق والعيادات والمراكز الصحية، وغيرها من الأماكن التي تجعلها متداولة بشكل جماعي، وذلك بشكل مؤقت اعتبارا من 24 مارس/آذار الجاري حتى إشعار آخر.

ويستثنى من قرار المنع النشرات التوعوية المعتمدة من الجهات الصحية، بحسب وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية "وام".

احتجاب طوعي

وفي قطر، أعلنت صحف "الشرق" و"العرب" والاقتصادية "لوسيل"، و"الراية" و"الوطن" و"العربي الجديد"، حجب نسخها الورقية، حتى إشعار آخر، بسبب المخاوف من تفشي فيروس "كورونا".

وستكون المنصات الإلكترونية لتلك الصحف بديلا للقراء لمتابعة الخدمات الإخبارية المقدمة، مع تحميل العدد اليومي إلكترونيا، ومتابعة الأخبار من خلال حسابات تلك الصحف على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتسبب "كورونا" في إغلاق مطابع صحيفة "الراية" بالمنطقة الصناعية، والتي تقرر إغلاقها ضمن الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الفيروس بعد اكتشاف عدد من الحالات المصابة هناك.

وقررت اللجنة العمانية العليا للتعامل مع فيروس "كورونا"، وقف الطباعة الورقية للصحف والمجلات والمنشورات بمختلف أنواعها ومنع تداولها، ومنع بيع وتداول الصحف والمجلات والمنشورات التي تصدر خارج السلطنة.

وفي مصر تقرر حجب صحيفة "صوت الأزهر" عن الصدور ورقيا، بشكل مؤقت، مع التوسع فى تقديم الخدمات الإلكترونية للآلاف من المشتركين والقراء فى مصر والعالم الإسلامى.

وتوقفت وزارات وجهات حكومية وبنوك عن شراء الصحف في مصر، خشية انتقال العدوى عبر تبادل الصحف الورقية من شخص إلى آخر.

ولجأت دول إلى القرارات ذاتها، منها الأردن وسوريا واليمن، وتونس والمغرب، ويبدو أن هناك دولا أخرى سوف تلحق بالركب، بعد ارتفاع عدد الإصابات في الدول العربية.

منعطف خطير

وتدفع الآثار السلبية التي خلفها فيروس "كورونا" بالصحافة الورقية في الخليج، والعالم العربي إلى منعطف جديد وخطير، وقد يعجل باندثارها، خلال السنوات القليلة المقبلة.

ويفاقم "كورونا" ما تعانيه الصحافة الورقية في الأساس من أزمات مالية وتسويقية، وضعف في مواردها بسبب عزوف المعلنين ورواج الدعاية عبر الهواتف الذكية، ومواقع التواصل من ناحية أخرى.

وقد تكون التطورات الأخيرة بمثابة رصاصة الرحمة التي ستنهي صمود الصحافة الورقية، بعد الخسائر الاقتصادية الفادحة التي خلفها "كورونا" عالميا.

وتفيد تقديرات سعودية غير رسمية بأن حجم مبيعات جميع الصحف الورقية السعودية لا يتجاوز 30 ألف نسخة فقط يوميا.

وفي مصر، كشف "الخليج الجديد" في وقت سابق، عن انهيار توزيع صحيفة "الأهرام" أعرق الصحف في العالم العربي، إلى 32 ألف نسخة يوميا.

وتراجع توزيع الصحف المصرية من 3.5 مليون نسخة في عام 2000 إلى 350 ألف نسخة الآن، بمعدل انهيار يتجاوز 90%، علما بأن مصر بها 76 مؤسسة صحفية، تمتلك أغلبها أكثر من إصدار.

منصات رقمية

يعزز ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتراجع العوائد، انهيار وربما اندثار الصحافة الورقية، في مقابل رواج وانتعاش نظيرتها الرقمية، لاسيما مع الطفرة الهائلة في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، ورواج ثقافة العمل عن بعد.

ومن المؤكد أن "كورونا" سيغير أنماط التفاعل بين الناس في ضوء العزلة القائمة، وحظر التجوال في عدد من الدول، لتفادي انتشار الفيروس، ما سينعكس على تطور وسائل الاتصال الرقمية.

كذلك فإن طول أمد أزمة "كورنا"، سيفقد الصحف قراءها مع اعتيادهم على النسخ الإلكترونية، التي تتمتع بالقدرة على مواكبة التسارع الكبير في تدفق المعلومات والأخبار، وتزايد حاجة المستخدم للاطلاع لحظيا على أحدث التطورات بشأن الفيروس، الذي قلب العالم رأسا على عقب.

ولا يعد توقف الصحافة الورقية حول العالم حدثا مرتبطا بانتشار فيروس "كورنا" وحده، فخلال السنوات الماضية، قامت كبريات الصحف الورقية في العالم، مثل "بوسطن جلوب" و"لوس أنجلوس تايمز"، ومجلة "تايم" الأمريكية بإيقاف النسخ الورقية، لكن الجديد هو توسع هذا الاتجاه بشكل قد ينهي قريبا عصر الصحافة الورقية.

وتؤكد معطيات الواقع، أن الوباء العالمي، الذي حصد أرواح أكثر من 20 ألف إنسان، وقرابة نصف مليون مصاب، قد أجبر فعليا ملياري إنسان حول العالم على الحجر الصحي، والتحلق حول الشبكات الاجتماعية ووسائل الإعلام المرئية.

ومع اللجوء المتزايد للخدمات الإلكترونية للتكيف مع الظروف الاستثنائية السائدة حاليا بسبب "كورونا"، فإن العالم سوف يشهد تحولات كبرى سيكون المستفيد الأكبر منها شركات التكنولوجيا والاتصالات، بما يعزز من قوة سوق الإعلام الرقمي، ومواقع البث عبر الإنترنت، وأنظمة العمل عن بعد، وعقد الاجتماعات عبر الفيديو، وهي تطورات متسارعة ربما تكتب شهادة وفاة الصحافة الورقية إلى الأبد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية