هل تنجح الولايات المتحدة في وقف حرب النفط؟

الخميس 2 أبريل 2020 06:54 م

لم يكن يتوقع أشد المتشائمين، انهيار أسعار النفط إلى أقل من 20 دولارا للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ فبراير/شباط 2002، في ظل استمرار لعبة إغراق الأسواق بين المنتجين الكبار حول العالم.

ولم يعد مستحيلا أو ضربا من الخيال الوصول إلى سعر 10 دولارات للبرميل، حال تواصلت حرب النفط الدائرة بين السعودية وروسيا، بالتزامن مع تفشي فيروس "كورونا" حول العالم.

وما بين تراجع الطلب على الوقود، جراء قيود السفر المفروضة بسبب "كورونا"، إلى توقف عجلة الإنتاج حول العالم، كان الإغراق، القشة التي قصمت ظهر البعير، وكبدت منتجي النفط خسائر فادحة قد تستمر لشهور وفق أشد التقديرات تفاؤلا.

فوائض ضخمة

ويجري تداول النفط في الأسبوع الحالي عند مستويات أسعار هي الأدنى منذ العام 2002، بعد أن سجل سعر خام برنت (المؤشر العالمي)، تراجعا إلى 21.56 دولارا للبرميل.

كما سجل سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تراجعا إلى 19.98 دولارا للبرميل، ليقترب من أدنى مستوى خلال 18 عاما.

وانخفضت أسعار النفط بأكثر من 60% منذ فشل دول "أوبك بلس" في الاتفاق على تمديد اتفاق قائم لخفض إنتاج النفط، في مارس/آذار الماضي.

ومن المتوقع، انخفاض الطلب على النفط في أبريل/نيسان الجاري، بمقدار 18.5 مليون برميل يوميا، بحسب بنك "ستاندرد تشارترد".

كذلك من المتوقع، توافر فائض في السوق قدره 21.8 مليون برميل يوميا، الشهر الجاري، و19.5 مليون برميل يوميا في مايو/أيار المقبل، و13.7 مليون برميل يوميا في يونيو/حزيران.

ويتوقع "ستاندرد تشارترد" (مقره لندن)، أيضا انخفاض الطلب على النفط في 2020 بمقدار قياسي يبلغ 5.43 ملايين برميل يوميا في المتوسط.

تشدد سعودي

الانهيار الحاصل في الأسعار، تزامن مع تشدد في الموقف السعودي، وإصرار على إغراق الأسواق بنحو 13 مليون برميل يوميا من النفط.

وانضمت الإمارات إلى المملكة، بإعلان إمكانية إمداد الأسواق بأكثر من أربعة ملايين برميل يوميا، مع إمكانية الوصول إلى سعة إنتاجية تبلغ خمسة ملايين برميل يوميا.

وضمن سياستها الهادفة لزيادة الضغط على روسيا (تنتج 11.29 مليون برميل يوميا)، خفضت المملكة أسعار بيعها الرسمي لشهر أبريل/نيسان الجاري، بمقدار 6 دولارات إلى 8 دولارات للبرميل.

ويبدو أن السعودية، التي ستتكبد خسائر فادحة جراء "حرب الأسعار"، تصر على استعادة نفوذها كأحد أكبر منتجي النفط حول العالم، عبر الانتقام من روسيا التي رفضت الاستجابة لضغوط السعودية لإجراء تخفيضات كبيرة في الإنتاج.

وقبل أيام، نفى المتحدث باسم وزارة الطاقة السعودية، وجود مباحثات أو اتصالات بين الرياض وموسكو، لتقليص إنتاج النفط، أو إعادة التوازن إلى السوق، لكن وزير الطاقة الروسي، "ألكساندر نوفاك"، رد بشكل دبلوماسي، معطيا الفرصة لمحادثات جديدة بين الطرفين، قائلا إن "الأبواب ليست مغلقة".

تدخل ترامب

وتسبب الانهيار الحاصل في أسعار النفط في زيادة الضغوط المالية على شركات النفط الأمريكية المثقلة بالديون، واضطر العديد من الشركات إلى تسريح آلاف العمال في تكساس وغيرها من الولايات النفطية.

ويعصف حاجز الـ20 دولارا للبرميل، بمستقبل شركات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، ويهدد بالإطاحة بالقفزة التي حققها قطاع النفط الأمريكي خلال العقد الماضي.

وقد دفع ذلك كله الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى التدخل بعد أن اتهم السعودية وروسيا بـ"خوض حرب مجنونة".

وقال "ترامب" في تصريحات متلفزة، الأسبوع الجاري: "لم أكن أتوقع أن أطلب يوما زيادة أسعار النفط.. السعر الحالي منخفض للغاية".

ونتيجة لذلك، سارع "ترامب"، إلى إجراء مباحثات هاتفية مع ولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان" والرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".

وفي محاولة لتهدئة الأسواق، أكد "ترامب"، إنه سينضم إلى السعودية وروسيا، إذا تطلب الأمر لعقد محادثات بشأن التراجع الحاد في أسعار النفط الناجمة عن حرب الأسعار بين البلدين.

كذلك أجرى وزير الطاقة الأمريكي "دان برويليت"، محادثات عبر الهاتف مع نظيره الروسي "ألكسندر نوفاك"، لوقف التراجع الحاد في أسعار النفط.

خيارات

تدرك واشنطن جيدا، أن حرب الأسعار، تهدف، في أحد وجوهها، إلى شل صناعة النفط الصخري في أمريكا، وأن سعرا متدنيا لبرميل النفط قد يكون مفيدا للمستهلك الأمريكي على المدى القصير، لكنه ضار جدا بقطاع حيوي في البلاد، على المدى الطويل.

ويصف رئيس إدارة أبحاث السلع لدى شركة "كليبر داتا" المعنية بأبحاث الطاقة، "مات سميث"، ما تقوم به روسيا بأنه "ردة فعل تهدف لشل صناعة النفط من الصخر الزيتي في أمريكا".

وتطالب دوائر صناعة الطاقة الأمريكية، بتعليق تحصيل رسوم التشغيل من أعمال الحفر، وشراء المزيد من النفط لملء احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي.

لكن تبقى المهمة الملحة التي تنتظر واشنطن حاليا هي تفعيل القنوات الدبلوماسية لوقف حرب الأسعار بين السعودية وروسيا، وربما تشكيل منظومة جديدة لإدارة السوق بشكل موازن تتعاون فيها الرياض وموسكو وواشنطن معا.

وتبقى الآمال معقودة على تعافي الاقتصاد الصيني من أزمة "كورونا"، وعودة الطلب على النفط بشكل ترتفع معه الأسعار تدريجيا، لكن ذلك لن يحدث على الأقل قبل شهور، حيث يتسبب لزوم ثلاثة مليارات شخص حول العالم منازلهم، وتوقف حركة السفر والطيران، في تهاوي الطلب على النفط بشكل سريع، وسط تقديرات بانخفاضه إلى ثلث معدلاته الطبيعية المقدرة بـ100 مليون برميل يوميا العام الماضي.

وتعول دوائر المال والاقتصاد، على قدرة البيت الأبيض في احتواء السعودية صاحبة الإنتاج الأقل كلفة والأعلى كفاءة في الأسواق، وفي الوقت ذاته تحييد العناد الروسي، من أجل تحقيق المصلحة المشتركة في ضبط الأسواق والحفاظ على قطاع الطاقة من أزمة مالية عنيفة، وتقليل من فاتورة الخسائر الباهظة التي خلفها تفشي "كورونا".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الكرملين: روسيا والسعودية لا تجريان محادثات بشأن النفط

انهيار أسواق النفط اختبار صعب لتحالف أوبك+