استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الثمن الباهظ لوأد الربيع العربي

الأربعاء 12 أغسطس 2015 05:08 ص

يمكن اعتبار التعامل الخليجي والغربي مع ثورة شعب البحرين في ذروة الربيع العربي قبل اكثر من اربعة اعوام، بالونة اختبار للتعامل مع بقية الثورات. فاغلب الممارسات ضد تلك الثورة سواء من قبل حكومة البحرين او حليفاتها الخليجيات او الغربيات، تكرر استخدامه مع الثورات الاخرى. فالتدخل العسكري السعودي والاماراتي لقمع الثورة في منتصف مارس 2011 كان «بروفة» لتدخلات لاحقة في دول اخرى، وفي مقدمتها مصر.

واستخدام سلاح الطائفية لتبرير قمع التظاهرات والاحتجاجات تكرر مع الثورات الاخرى، بأنماط مختلفة في الشكل، ولكنها شبيهة في الجوهر. فاذا كانت الطائفية قد منعت التعاطف الشعبي العربي مع ثورة شعب البحرين، فانها غيرت مسار السجال السياسي في البلدان الاخرى وحولت المزاج الشعبي بعيدا عن قضية التغيير والتحول الديمقراطي او تحرير الاراضي الفلسطينية، وشغلته بقضايا الطائفية والتكفير والعنف.

والدعم الخليجي لنظام الحكم البحريني لمواجهة الثورة تكرر بأساليب اخرى لتحقيق هدف واحد: منع قيام منظومة ديمقراطية جديدة في اي من تلك الدول، لكي لا تعم الظاهرة الدول الاخرى.

ومن المؤكد ان الكثيرين سيختلفون مع هذه الادعاءات، وهذا الاختلاف يعود لدقة اساليب قوى الثورة المضادة التي يجب الاعتراف بانها حققت اكبر نجاح لها حين قلبت المشهد الثوري رأسا على عقب وتعقبت سائر الثورات لتحول العالم العربي إلى ساحة حرب مفتوحة بأجندات تبدو مختلفة ولكنها تتحد في اهدافها النهائية.

فلم يعد إحداث تغيير في منظومة الحكم التي هيمنت على دول العالم العربي على مدى نصف قرن مطلبا شعبيا كما كان في العام 2011. يومها كان «انتحار» شخص واحد هو محمد بوعزيزي (بدون ان يقتل احدا) كافيا لاشعال روح الثورة في العديد من الشعوب العربية، بينما تحدث العمليات الانتحارية بشكل يومي في الوقت الحاضر، فلا يؤدي ذلك الا إلى المزيد من هيمنة الانظمة السياسية على اوضاع العالمين العربي والإسلامي.

الانتحار الاول (مع انه ليس مقبولا) ألهب حماس الجماهير ووجهها على طريق الثورة والتغيير وأنعش آمال الامة ودفع شعوبها للانخراط في الثورات السلمية التي قل نظيرها، بينما النمط الثاني من الانتحار ارعب الجماهير وابعدها عن التظاهر السلمي واضطر بعضها للاحتماء بالانظمة التي يفترض ان تتغير.

يمكن القول ان ما حدث في السنوات الاربع الاخيرة كان من الدقة والاحكام وحسن الاخراج بمستوى غير مسبوق. ففي اقل من خمسين شهرا اصبح «الربيع العربي» اما منسيا تماما، او مادة للتهكم، او تطورا مشوبا بالتشكيك في الدوافع والاهداف وجهات التحريك، او كابوسا ثقيلا لا يريد احد ان يتكرر.

فكيف حدث ذلك؟ ومن المسؤول عن هذا الضياع الفكري والسياسي والديني الذي تعيشه قطاعات الامة شرقا وغربا؟ قبل 44 عاما في مثل هذه الايام اكملت بريطانيا انسحابها العسكري من البحرين، وواصلت انسحابها من بقية المشيخات الخليجية لتكمله قبل نهاية العام 1971.

من الناحية النظرية اصبحت تلك المشيخات (مسقط وعمان، ابوظبي، دبي، قطر، والبحرين) دولا مستقلة عن بريطانيا. وكانت الكويت قد حصلت على استقلالها عشرة اعوام قبل بقية المشيخات. كان الامل ان يعقب الانسحاب البريطاني قيام منظومة سياسية خليجية تعمق التلاحم بين العائلات الحاكمة والانظمة وفق قيم التوزيع العادل للثروة والشراكة السياسية والتعددية واقامة حكم القانون واحترام حقوق الانسان.

ولم يحدث ذلك الا في حالات نادرة، ولذلك تجمدت اوضاع منطقة الخليج في ظل هواجس امنية تتجدد باستمرار. ولم تستطع سياسات القبضة الامنية القضاء على تطلعات شعوب المنطقة للوصول إلى منظومة سياسية تسمح لها بالشراكة على مستوى التشريع والادارة. وجاء تصدر السعودية المشهد السياسي الخليجي والعربي في الاعوام الاخيرة ليضيف عناصر جديدة لعوامل التوتر والاضطراب والهواجس الامنية لدى حكومات المنطقة.

فالطائفية سلاح كليل لا يستطيع جذب قطاعات الامة إلى مدى بعيد، ولا يمكن اعتباره «سلاحا استراتيجيا» لان امة المسلمين محصنة ضده، فحتى لو استخدم فانه لا يدوم. لقد ادركت السعودية (وقوى الثورة المضادة) حقيقة مهمة مفادها ان مصر هي مفتاح التغيير في العالم العربي، فان اصبحت الممارسة الديمقراطية احد اعمدة الامن والاستقرار فيها، فلن يمكن منع انتشار الظاهرة إلى بقية اقطار العالم العربي، خصوصا التي لا تتوافر على ممارسات ديمقراطية وفق دساتير عصرية وبرلمانات منتخبة وصحافة حرة.

فكان التصدي للتجربة المصرية اولوية لدى قوى الثورة المضادة. ويعتبر الانقلاب العسكري على حكم الاخوان قبل عامين خطوة جريئة غير مسبوقة، تركت بصمتها على سياسات المنطقة.

بعد هذه السنوات الاربع العجاف ما النتيجة؟ عدد من الظواهر اصبح مرعبا للشعوب والانظمة على حد السواء.

أولاها: تعمق ظاهرة الاستبداد في ظل اشتداد الخيار الامني الذي تجاوز الحدود. فليس هناك دولة طرحت مبادرة ذات معنى لاحتواء النزعة نحو الثورة والتمرد بهدف الحصول على الحقوق المشروعة والتحول نحو الديمقراطية. فبعد الانقلاب العسكري على حكم الاخوان اصبحت مصر تواجه مستقبلا غامضا في ظل تصاعد موجة العنف والإرهاب وتعملق شبح التمزق وتوسع صلاحيات الدولة العميقة. وتونس هي ايضا مهددة بالعنف بعد عودة رموز النظام القديم. اما البحرين فقد اصبح واضحا ان النظام لا يستطيع البقاء الا بدعم قوات عسكرية سعودية واماراتية وباكستانية واردنية، بالاضافة للقاعدتين الأمريكية والبريطانية. 

ثانيتها: انتشار ظاهرة الإرهاب والعنف باسم مجموعات دعمت في الاساس من قوى الثورة المضادة كضرورة يقتضيها مشروع التصدي لثورات الربيع العربي. وربما اعتقد داعمو الظاهرة في بداية الامر ان بامكانهم السيطرة عليها، ولكن الواضح ان هؤلاء الداعمين ليسوا بمنأى عن ذلك الخطر. فلم تعد التفجيرات الانتحارية محكومة بخطوط التمايز الديني او المذهبي، بل اصبحت تستهدف الدول الداعمة نفسها. فتفجير «مسجد الطواريء» بمنطقة عسير السعودية وقتل 15 على الاقل من الشرطة والعاملين يؤكد استحالة السيطرة على المارد الشرير الذي لا يميز بين الصديق والعدو. كما اصبح على الجزائر وليبيا وتونس ومصر ونيجيريا ولبنان والكويت دفع فواتير الإرهاب بأثمان بشرية باهظة. وفي الاسبوع الماضي اعلن الجيش الجزائري ضبط كميات «ضخمة» من الذخيرة والمتفجرات وأدوات التفجير والهواتف المحمولة في مخابئ بمحافظة عين الدفلى على بعد نحو 150 كيلومترا إلى الغرب من العاصمة الجزائر. وحتى تركيا اصبحت مستهدفة بالإرهاب من جهات عديدة. 

ثالثتها: تقلص مساحات الحرية المتاحة للمواطنين. فقد تعملقت قوى الامن بدون ان تتطور اساليبها في احتواء غضب الشارع، واصبحت الانظمة أقل استعدادا للسماح بالرأي الآخر. فحين تقدم السلطات البحرينية على مصادرة الحريات وتغلق الصحيفة الوحيدة التي تتيح لكتابها مساحة محدودة من حرية التعبير، فذلك يعكس مدى تعمق الازمة وابتعاد الواقع العربي عن اجواء الحرية والتسامح والشراكة السياسية. 

رابعتها: توسع التدخل الاجنبي في الشؤون الداخلية لدول العالم العربي، تارة بدعوى التصدي للإرهاب، واخرى بدعوى تنفيذ الاتفاقات الدفاعية المشتركة وثالثة بأنه استجابة لمستلزمات الامن القومي لتلك الدول. 

خامستها: ان المجتمعات العربية والإسلامية تواجه خطر التفتت وفق خطوط التمايز العرقي والديني والمذهبي بمستوى مروع غير مسبوق، واصبح شبح التقسيم يهدد العديد من تلك الدول. أليس من الحماقة (بل الجريمة) بمكان ان يكون ثمن منع التحول الديمقراطي باهضا ومكلفا وكارثيا بهذا المستوى؟ من المسؤول عن ذلك؟ والى متى ستظل دول العرب والمسلمين رهينة لقرارات قوى الثورة المضادة؟

 

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

  كلمات مفتاحية

الربيع العربي البحرين السعودية الإمارات مصر الطائفية القمع

العالم العربي في 2016 .. عودة الربيع

ويسألونك عن «الربيع العربي»