درس كورونا لحكومة روحاني: كفى عزلة عن العالم

السبت 11 أبريل 2020 03:18 م

تنشغل إيران بمواجهة تفشي "كورونا" مثل معظم أنحاء العالم؛ حيث أودى الفيروس حتى الآن بحياة 4232 وأصاب أكثر من 60 ألف في الجمهورية الإسلامية. وتعتبر إيران مركز المرض في الشرق الأوسط.

وبصرف النظر عن آثاره الصحية، كان للوباء رسالة واضحة للقيادة الإيرانية مفادها أن بلادهم تحتاج إلى شراكات دولية حقيقية. وللتخفيف من شدة أزمات بهذا الحجم، على طهران أن تخرج من العزلة وأن تكون جزءا من المجتمع الدولي.

ومن الواضح أن شريحة من المحافظين والمتشددين في إيران يرون المستقبل في إقامة "كوريا شمالية إسلامية"، محاطة بحواجز أيديولوجية تفصلها عن العالم الخارجي، ويسكنها أناس يجب عليهم تكريم حكامهم كل صباح، بدلا من وجود قادة لخدمتهم.

ويتحمس هؤلاء المصابون بجنون العظمة لتحقيق هذا الحلم، وفي مناسبات مختلفة في السنوات الأخيرة، أظهروا أسلوبهم المفضل للحكم. ومن أمثلة ذلك، قيام وزير الداخلية المحافظ في حكومة "حسن روحاني" المعتدل بقطع الإنترنت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لمدة 10 أيام لقمع الاحتجاجات العامة ضد ارتفاع سعر الوقود.

ومع ذلك، فإن مجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك تاريخ إيران وثقافتها والسمات الأنثروبولوجية والاجتماعية لشعبها واقتصادها وموقعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط تمنعها من التحول إلى كوريا شمالية ثانية، بالرغم من أنها تعيش في عزلة و مآزق اقتصادي لا يوصف.

ومع ذلك، فإن الوباء ليس سوى أحد التحديات التي تحتاج إيران إلى مساعدة الدول الأخرى للتصدي لها. وبسبب برنامجها النووي الصاخب والمكلف وسياساتها الإقليمية المغامرة، فإن هذه المساعدة غير متاحة في الوقت الحالي.

للمرة الأولى منذ عام 1962، تقدمت إيران بطلب إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قيمته 5 مليارات دولار لتتمكن من تمويل معركتها ضد الوباء. من الواضح تماما أن إيران الغنية بالنفط، غير قادرة على بيع نفطها الخام نتيجة للعقوبات الأمريكية المشددة، ولا تملك الموارد اللازمة لدعم القطاع الصحي المتعثر.

ولا ترغب البنوك الدولية في التعامل مع الشركات والكيانات الإيرانية، فيما ستسعى الولايات المتحدة لوقف قرض صندوق النقد.

ويضاف للمشاكل المالية لإيران آفة سوء الإدارة الحكومية؛ حيث اتهم العديد من النقاد حكومة "روحاني" بسوء إدارة أزمة الصحة العامة. وهناك أيضا ادعاءات بأن العدد الفعلي للوفيات والمصابين بالفيروس أعلى بكثير من العدد الرسمي.

في 26 مارس/آذار، قررت حكومة "روحاني"، بعد فترة طويلة من التقاعس والتردد، فرض قيود على وسائل النقل العام والرحلات بين المدن وساعات عمل الشركات والمكاتب الحكومية، وعلى المدارس والجامعات والتجمعات العامة والمتنزهات والحدائق ومراكز الترفيه.

ورحب خبراء القطاع الطبي بهذا القرار، وقالوا إن الإجراءات جيدة، لكن طال انتظارها. وحث العديد من الخبراء حكومة "روحاني" على فرض حظر على الصعيد الوطني على غرار الذي تم تنفيذه في بريطانيا والهند وإيطاليا ونيوزيلندا.

لم تستجب الحكومة لهذه الدعوات، ومن المفهوم أن السبب الرئيسي هو عدم قدرتها على دفع الفاتورة للمواطنين الذين ستتأثر مشاريعهم ودخولهم بالحجر الصحي العام.

في كندا، على سبيل المثال، تنص مبادرة مزايا الاستجابة للطوارئ التي اقترحها رئيس الوزراء "جاستين ترودو" على أن المواطنين الذين سيقيمون في منازلهم وتتعطل أعمالهم سيكونون مؤهلين للحصول على مساعدة مالية بقيمة 2000 دولار شهريا لمدة 4 أشهر.

من الواضح أن مثل هذه الخيارات لا يمكن التفكير فيها على الإطلاق في إيران. لذا، حتى إذا كانت هناك شركات تتكبد خسائر بسبب عمليات الإغلاق المؤقت أو القيود المفروضة على أنشطتها، فلا توجد طريقة تقريبًا يمكن طمأنتها بها.

يعد الأمر الأكثر إزعاجًا هو أن الرئيس "روحاني" أعلن للتو أنه اعتبارًا من 11 أبريل/نيسان، ستعود الأعمال في جميع المحافظات الإيرانية باستثناء طهران، وابتداءً من 19 أبريل/نيسان، سيتم أيضًا رفع القيود المفروضة على المناطق الكبرى في طهران.

وفي تصريحات انتقدتها وسائل الإعلام على نطاق واسع، قال الرئيس "روحاني"، "صحة الناس هي الأولوية الأولى للبلاد، ولكن يجب أن تؤخذ العمالة والإنتاج والأعمال في الاعتبار"

من الواضح أن "روحاني" يدرك حقيقة أنه يدير البلاد بموارد ضئيلة وخزينة فارغة. لذلك، فإن الحفاظ على خطط التباعد الاجتماعي وحتى الإغلاق الجزئي سيحمل الحكومة مسؤولية القيام بدور أكبر في دعم الاقتصاد الوطني ودعم الأسر الضعيفة والأشخاص الأكثر تضررا من الوباء، والذي يبدو مستحيلا مع الميزانية الحالية. لذا، لن يكون هناك مخرج من الجمود سوى اختيار البديل "غير الأخلاقي" وهو التوجه لتطبيع مسار الحياة اليومية في وضع غير طبيعي تماما على حساب الصحة العامة.

ويبعث الوضع الراهن برسائل لا لبس فيها للقيادة الإيرانية لإعادة التفكير في أولوياتها وفي تداعيات سياساتها على شعبها.

على مدى العقدين الماضيين، أنفقت إيران ببذخ على برنامجها النووي الباهظ. وحسب الرواية الحكومية الرسمية كلفت الأنشطة النووية إيران 7 مليارات دولار. في حين تعتقد مصادر دولية أن الرقم الحقيقي يتجاوز 100 مليار دولار؛ حيث تكلف بناء مفاعل بوشهر فقط ما يصل إلى 11 مليار دولار.

لكن ما هي الفائدة الفعلية من هذا المشروع النووي بالنسبة للشعب الإيراني؟ هل هي التعرض للعقوبات الاقتصادية التي قضت على الاقتصاد؟ وأن تصبح دولة منبوذة؟ وتقليص تحالفات إيران على المستوى العالمي؟

ماذا عن سياسات إيران الإقليمية؟ هل جعلت إيران أكثر شعبية في عيون شعب اليمن وسوريا والعراق ولبنان وأفغانستان؟

بالطبع، هذا لا يعني أن إيران ستتراجع في وجه الضغوط وتتجاهل مصالحها الاستراتيجية. لكنها ستضطر لتحقيق التوازن بين أيديولوجيتها وموقعها في العالم، إذا أرادت أن تكون دولة، وليس مجرد قضية.

من الصعب الاستمرار في النضال من أجل المثل المجردة عندما تكون معزولا وليس لديك شركاء لدعمك. وبالمثل، من الصعب التغلب على التحديات الرئيسية عندما يجد الآخرون أن التعامل معك باهظ التكلفة.

لقد أبرزت أزمة الفيروس أهمية المجتمع الدولي بالنسبة للحكومة الإيرانية.

كدولة قومية، لدى إيران التزامات وحقوق ونقاط ضعف ونقاط قوة فيما يتعلق بتعاملها مع المجتمع الدولي. يمكنها أن تطالب بحقوقها وتخفف من نقاط ضعفها إذا قامت بالتزاماتها واستخدمت قدراتها لتعزيز ممارسات الحكم الرشيد، سواء في الداخل أو في الخارج.

المصدر | قورش زيباري- ريسبونسبال ستيتكرافت/ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العقوبات الامريكية على إيران تداعيات كورونا البرنامج النووي الإيراني المجتمع الدولي

كورونا يبرز صراع إيران الداخلي حول علاقتها بالعالم