بن زايد والأسد.. غرام الأفاعي في مواجهة أردوغان

الثلاثاء 14 أبريل 2020 06:23 م

تتجاوز العلاقات بين ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، ورئيس النظام السوري "بشار الأسد"، حدود المعلن حول طبيعتها، الذي يختصره حكام الإمارات غالبا في إطار المواقف الإنسانية الإماراتية الداعمة للشعب السوري في محنته، خاصة في ظل أزمة تفشي "كورونا".

ويعد الاتصال الهاتفي الذي جرى قبل نحو أسبوعين بين "بن زايد" والأسد"، مجرد إشارة بسيطة تخفي وراءها خطوات من التنسيق السياسي والعسكري، على الجبهة السورية، بما يخدم أجندة أبوظبي.

وتعد الإمارات أول دولة خليجية تعيد فتح سفارتها في دمشق نهاية عام 2018 بعد 7 سنوات على إغلاقها عام 2011، على خلفية قمع النظام السوري للاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكم "الأسد".

  • غطاء "كورونا"

تم تأطير الاتصال المعلن بين "بن زايد" و"الأسد" تحت شعار التضامن مع الشعب السوري في ظل مأزق كورونا. وبينما يعد هذا الاتصال الأول من نوعه بين الرجلين منذ سنوات، لم يجر أي مسؤول عربي آخر اتصالات مماثلة مع "الأسد"؛ ما أثار تساؤلات عدة حول الأسباب الحقيقية للمبادرة الإماراتية.

وعن اتصاله، كتب "بن زايد"، في تغريدة على "تويتر"، قائلا: "بحثت هاتفيا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسوريا العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة".

وفي محاولة لتبرير الاتصال الإماراتي السوري، زعم وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش"، في تغريدة على "تويتر"، أن اتصال "بن زايد" و"الأسد" يأتي في سياق الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس "كورونا".

وأضاف "قرقاش" أن "البعد الإنساني له الأولوية، وتعزيز الدور العربي يعبر عن توجه الإمارات"، معلقا بالقول: "خطوة شجاعة تجاه الشعب السوري الشقيق تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة".

لاحقا، وضمن ما يعرف بـ"دبلوماسية كورونا"، وجه "قرقاش" دعوة عاجلة لمساعدة سوريا على مواجهة الأزمة الصحية العالمية التي سببها الوباء العالمي، ووقف إطلاق النار، مؤكدا على أهمية التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار في البلد الممزق بالحرب.

  • ورقة إدلب

لكن التطورات التي شهدها الملفين الليبي والسوري خلال الشهرين الماضيين تعطينا إشارات حول مغزى اتجاه الإمارات لتعزيز صلاتها مع نظام "الأسد" في هذا التوقيت، خاصة في ظل احتدام الصراع حول محافظة "إدلب" شمال غربي سوريا، والتدخل العسكري التركي لدعم حكومة "الوفاق الوطني" المعترف بها دوليا في ليبيا.

وتقف أبوظبي وأنقرة على طرفي نقيض في جميع الصراعات الإقليمية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2011؛ حيث قدمت تركيا الدعم للتيارات الإسلامية والحركات الديمقراطية في المنطقة، وساندت قطر في مواجهة الحصار الرباعي الذي تقوده الإمارات والسعودية ضد الإمارة منذ 5 يونيو/حزيران 2017.

يعزز اختلاف المصالح الدعم الذي أظهرته أبوظبي لمحاولة الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، يونيو/حزيران 2016، وترويج وسائل إعلام قريبة من أبوظبي لهروب "أردوغان" وسقوط حكمه.

في ضوء تلك المعطيات، وخشية من اختلال موازين المعركة ضد حليفها في ليبيا، الجنرال "خليفة حفتر"، سعى "بن زايد" لعرقلة وقف إطلاق النار في "إدلب"، الذي تم باتفاق تركي روسي، 5 مارس/آذار الماضي.

وخلال الأيام التي سبقت الاتفاق، أرسل "بن زايد" مبعوثه الشخصي "علي الشامسي" نائب مستشار الأمن القومي الإماراتي، إلى دمشق؛ للقاء "الأسد" والاتفاق معه على تنفيذ خطة لإرباك تركيا، واستنزافها على الجبهة السورية.

وتقضي الخطة، التي كشف تفاصيلها، قبل أيام، موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، بأن يدفع "بن زايد" لـ"الأسد"، 3 مليارات دولار لإعادة إطلاق الهجوم العسكري ضد "إدلب"، التي تعد آخر معاقل المعارضة السورية.

وجرى فعليا دفع مبلغ 250 مليون دولار قبل إعلان الهدنة، على أن يتم دفع مليار من المبلغ المتفق عليه قبل نهاية مارس/آذار الماضي.

  • دعم إيران

لم يكن الاتفاق المشار إليه، هو التجلي الوحيد للدعم الإماراتي المقدم لنظام "الأسد" بهدف مناكفة تركيا على الجبهة السورية؛ حيث أخذ الدعم الإماراتي لدمشق في السابق صورا أخرى أقل مباشرة.

ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أفرجت الإمارات عن 700 مليون دولار من الأصول المجمدة لإيران، الحليف الرئيسي لدمشق.

وفي أغسطس/آب الماضي، أكد محافظ البنك المركزي الإيراني، "عبدالناصر همتي"، تراجع دولة الإمارات عن ضغوطها الاقتصادية على إيران، واصفا الخطوة بأنها "جيدة".

ويشكو نظام "الأسد" من تضرر موارده المالية؛ جراء توقف طهران عن دعمه ماليا لأنها لا تملك السيولة، لا سيما مع تزايد معاناتها من وطأة العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وتراجع أسعار النفط، وتداعيات فيروس "كورونا". 

وتشعر أبوظبي بحاجة ماسة لـ"الأسد" ليكون رأس حربة لها في معركتها ضد النفوذ التركي؛ وهو ما يبرر الدعم المالي السخي له، ومساندته سياسيا وعسكريا، تحت غطاء "دبلوماسية كورونا".

  • فشل الاتفاق

لكن ثمة متغيرات فرضت نفسها ميدانيا، ودفعت باتفاق "بن زايد–الأسد" إلى الفشل، بل وتسببت في إحراج أبوظبي دبلوماسيا مع اللاعبين الرئيسيين في الملف السوري. 

في البداية، جاءت عملية "درع الربيع" التي شنتها تركيا ضد قوات النظام السوري في محافظة إدلب في فبراير/شباط، وأسفرت عن خسائر فادحة لنظام "الأسد" شملت مقتل أكثر من 3 آلاف من قواته، وإسقاط 3 مقاتلات و8 مروحيات و3 طائرات دون طيار، وتدمير 151 دبابة و52 راجمة صواريخ و47 مدفعية و8 منصات دفاع جوي.

أما روسيا فقد تمكنت من اكتشاف المخطط الإماراتي السوري، عبر رصد تحركات ميدانية على الأرض، لم تحصل على ضوء أخضر منها، وهو ما أغضب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، حسب "ميدل إيست آي". 

وخشية تدهور الموقف، أرسل "بوتين" وزير دفاعه "سيرجي شويجو" إلى دمشق في زيارة معلنة، للقاء "الأسد"، في 23 مارس/آذار الماضي، حاملا رسالة مفادها: "لا نريدكم أن تبدؤوا هذا الهجوم العسكري مجددا.. روسيا تريد لاتفاق وقف إطلاق النار أن يستمر".

لكن في محاولة لتبديد نتائج زيارة وزير الدفاع الروسي، وتأليب "الأسد" مجددا، قدمت أبوظبي دفعة مالية ثانية إلى دمشق، ضمن سياستها التحفيزية لإقناع النظام السوري بخرق وقف إطلاق النار، واستمرار استنزاف الجيش التركي، في حرب مكلفة، شمال غربي سوريا.

بموازاة ذلك، يجري تقديم دعم مكثف لقوات "حفتر" في ليبيا للتقدم نحو طرابلس، واستغلال انشغال أنقرة بجبهة "إدلب"؛ لتعزيز نفوذ قوات الشرق الليبي المدعومة من الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا.

لكن المحاولة الإماراتية باءت بالفشل بعد نجاح عملية "درع الربيع"، وتكبد "الأسد" خسائر فادحة، أجبرته على الانصياع للاتفاق التركي الروسي في "إدلب".

كذلك في ليبيا، ومنذ التدخل التركي لدعم حكومة "الوفاق"، في يناير/كانون الأول الماضي، يشهد الهجوم الذي تشنه قوات "حفتر" على العاصمة الليبية تعثرا كبيرا، ويتكبد الأخير خسائر فادحة، بعد تعزيز أنقرة قدرات طرابلس بمنظومة دفاع جوي وطائرات مسيرة. 

  • علاقات وثيقة

وتسلط "دبلوماسية كورونا" بين أبوظبي ودمشق، الضوء على الدور السري الذي قامت به الإمارات لدعم "الأسد" في التخلص من قادة معارضين لحكمه، خلال الفترة بين عامي 2012 و2014، وأبرزهم "زهران علوش"، و"حسن عبود"، و"خالد السوري"، و"عبدالقادر صالح".

وعلى مدار السنوات الماضية، كانت الإمارات قبلة لرجال الأعمال السوريين الأثرياء المرتبطين بالنظام، ومركزا رئيسيا لإدارة وغسيل أموال أفراد عائلة "الأسد" المهربة للخارج.

وتسعى أبوظبي، عبر وفود سرية ومعلنة تزور دمشق من آن لآخر، إلى نيل حصة ثمينة من كعكة إعادة الإعمار في البلاد بعد الحرب، إضافة إلى استئناف الملاحة الجوية مع دمشق، إلى جانب جهودها، بالتنسيق مع مصر، لإلغاء تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية.

وربما يخفي اتفاق الـ"3 مليارات دولار"، جوانب أخرى من الدعم العسكري المقدم من أبوظبي للنظام السوري، ضمن علاقة مصالح، يحكمها الغرام السياسي المشترك بين "بن زايد" و"الأسد"؛ ورغبتهما المشتركة في مناكفة "أردوغان".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نظام بشار الأسد بشار الأسد محمد بن زايد رجب طيب أردوغان