نيوم وسياسات التهجير.. من يدفع ثمن طموحات بن سلمان؟

الخميس 16 أبريل 2020 03:58 م

عادت مدينة "نيوم" السعودية إلى واجهة التغطيات الإعلامية، لكن هذه المرة ليس بسبب إنجاز إحدى مراحلها أو افتتاح بعض المشروعات فيها، لكن بسبب بمقتل أحد أفراد قبيلة الحويطات الرافضين للمشروع.

وتقطن قبيلة الحويطات العربية العريقة، في المساحة المخصصة للمشروع قرب البحر الأحمر، كما تتوزع في الأردن وفلسطين، وسيناء شمال شرقي مصر.

وتبلغ كلفة مشروع "نيوم" 500 مليار دولار، ويقع على مساحة 26 ألفاً و500 كيلومتر مربع، ويسعى من خلاله ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" إلى بناء مشروع سياحي ترفيهي ضخم ينافس إمارة دبي.

ووفق أجندة الحكومة السعودية المعلنة، فإن أول بلدة في منطقة نيوم الاقتصادية، ستكون جاهزة العام الجاري 2020، على أن تكتمل المنطقة كلها بحلول 2025.

مقتل "الحويطي"

في عام 2017، التقى عدد من أبناء قبيلة الحويطات الإداري للمنطقة، الأمير "فهد بن سلطان"، وناشدوه ضمان حق الإقامة لهم في ديارهم، لكنه أبلغهم أنه لا يستطيع مساعدتهم في الدفاع عن أراضيهم.

ومنذ شهور، أطلق ناشطون حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ للتعبير عن رفضهم الانتقال من أراضيهم تحت وسم "الحويطات ضد ترحيل نيوم".

وبرز على رأس هذا الحراك، الناشط السعودي "عبدالرحيم الحويطي"، الذي دأب على نشر مقاطع فيديو تظهر استنكاره لتهجيره وأهالي قرية الخريبة شمال غربي السعودية، من ديارهم ورفضهم التعويضات الحكومية.

 

وأضاف أن "هناك 9 أشخاص تمت مداهمتهم وأخذهم، وأنا في الطريق، قريبا ما سيداهمون أرضي".

كما بث في فيديو آخر لقطات تظهر حشودا لسيارات الشرطة تطوّق بيته وبيوت آخرين لإجبارهم على تسليم بيوتهم، متوقعا أن يلقى حتفه جراء موقفه، وهو ما تم لاحقا بقتله ووصفه بأنه "إرهابي".

وقالت "رئاسة أمن الدولة" السعودي (جهاز استخباراتي داخلي)، في بيان، إن "الحويطي قُتل أثناء القبض عليه في منزله بقرية الخريبة في تبوك، عقب مبادرته بإطلاق النار تجاه رجال الأمن ورفضه تسليم نفسه".

ولم تكشف الرواية الرسمية للسعودية عن سبب محاولة القبض على "الحويطي"، أو القضايا الأمنية التي كان مطلوبا بسببها، غير أن البيان أكد أن المملكة "ستتعامل بكل حزم مع من يحاول الإخلال بالأمن بأي شكل".

أزمة مستمرة

لكن مقتل "الحويطي" من غير المرجح أن ينهي أزمة قرية "الخريبة" التي تقع ضمن المراحل الأولى لمشروع "نيوم"، بل ربما تفتح بابا على مصراعيه أمام الشكوك في جدوى المشروع، والانتهاكات الحقوقية المصاحبة له، مع كونه قائما بالأساس على تهجير الأبرياء.

وبموجب المشروع السياحي الضخم، سيجري تنفيذ خطط تهجير ستطال أكثر من 20 ألف شخص من المنطقة لبناء المدينة الجديدة، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

ووفق المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، فإن شركات دولية متورطة في عملية الإخلاء القسري لسكان المنطقة، من أبرزها مجموعة بوسطن الاستشارية في الولايات المتحدة.

ويطالب الإعلام السعودي قبائل الحويطات بتغليب "المصلحة الوطنية" والتخلي عن أراضيهم مقابل تلقي تعويضات ومساكن بديلة، أسوة بما حدث عند توسيع باحات الحرم المكي، لكن الرافضين للتهجير يرون أنهم سوف يتخلون عن أراضيهم بالأساس لصالح مشروع يهدف إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويقع المشروع السعودي ضمن أراضٍ داخل الحدود المصرية والأردنية، وعلى تماس مع ميناء "إيلات" الإسرائيلي في الأرض المحتلة على خليج العقبة.

ويقول معارضون للمشروع، إن "نيوم" ستكون أشبه بدولة منفصلة عن المملكة، في كل شيء (تم وضع نظام قضائي وتشريع خاص بها)، حيث سيُسمح بتقديم الكحول، وتوفير نمط متحرر؛ لجذب السياحة العالمية، واحتضان سياح الداخل بدلا من السفر للخارج.

مواقف متباينة

ووسط تعالي الأصوات الناقدة لمقتل "الحويطي"، واعتباره بمثابة عملية اغتياله لمواطن سعودي أعزل داخل منزلة وسط أطفاله وأسرته، أظهر الإعلام السعودي المحلي، أصواتا أخرى تؤيد سياسة الحكومة القسرية في تنفيذ مشروع "نيوم".

وبرر الداعية السعودي "خالد المزيني"، واقعة قتل "الحويطي"، بالقول عبر "تويتر" إن "نزع الملكية الخاصة للمصلحة العامة بتعويض عادل أمر مشروع باتفاق الفقهاء، وللدولة إجبار من يرفض ذلك، وهو ما جرى العمل به منذ عهد الخلفاء الراشدين وقرره العلماء"، وفق قوله.

كذلك زعم أحد شيوخ قبائل الحويطات، ويدعى "عليان الزمهري"، أن القبيلة لا يمثلها شخص (لم يسمه)، مجددا تأييده لقادة الدولة.

واعتبر "عون أبوطقيقة"، أحد مشايخ القبيلة، أن "ما فعله عبدالرحيم الحويطي لا يمثل إلا نفسه"، مؤكدا تأييده لمشاريع المملكة لاسيما "نيوم"، بحسب موقع "سبق".

وتتوالى الإشادات في الإعلام المحلي السعودي، بأهمية مشروع "نيوم" وهدفه لتحويل "الحويطات" من أرض جرداء إلى منطقة عالمية تضاهي كبريات المدن الذكية في العالم.

ويقول الخبير العسكري السعودي "حسن الشهري" لـ"بي بي سي"، إنه "ليس لديه معلومات عن أي حادثة قتل، ولكنه على دراية وثقة أن الحكومة السعودية عرضت على جميع أهل المنطقة تعويضات سخية، وقوبلت بتعاون كبير من أهالي المنطقة لخدمة المشروع الوطني والإقليمي".

مستقبل المشروع

ربما يثير مقتل "الحويطي" غضبا في عشيرته، قد يترجم إلى فعل احتجاجي مستقبلا، وهو أمر بالتأكيد سيضر بصورة "بن سلمان"، الذي يعول كثيرا على المشروع، لضخ المزيد من الاستثمارات في الاقتصاد السعودي.

وقد تكون التعويضات السخية طريقا مختصرا لتجاوز تلك الاعتراضات، والحيلولة دون ظهور "حويطي" جديد، مع إمكانية توفير مساكن بديلة لسكان القرى التي سيتم نزع ملكيتها.

لكن ليس من المستبعد أن تثير الحادثة، مخاوف لدى الشركات العالمية المعنية بالاستثمار في المشروع الضخم، الذي تشمل مرحلته الأولى بناء 14 فندقا فخما على 5 جزر، إضافة إلى عدد من المنتجعات في جبال قريبة.

وبالنظر إلى معاناة الاقتصاد العالمي، والسعودي، جراء جائحة "كورونا"، وانهيار أسعار النفط، فإن مستقبل المشروع الضخم يبقى محفوفا بالمخاطر، لا سيما في ظل وجود أزمة تمويل يعانيها المشروع.

وتمول الرياض "نيوم" جزئيا من قرض مقداره 45 مليار دولار أمريكي حصلت عليه من مجموعة "سوفت بنك" اليابانية، ما يعني أن السعودية تبني المشروع بأموال لا تملكها، خاصة أنها تعاني من عجز كبير في ميزانيتها، يصل إلى 50 مليار دولار خلال 2020.

ومع تضرر الإيرادات من انهيار أسعار النفط، واستمرار أزمة "كورونا"، وإلغاء موسم العمرة، واحتمالية إلغاء موسم الحج أيضا، يمكن القول إن مشروع "نيوم" سيكون عبئا كبيرا على الخزانة السعودية، وربما لن يحقق الجدوى المرجوة منه مستقبلا.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

التايمز: مشروع نيوم السعودي في مهب الريح بعد قتل بعض معارضيه