حفتر تحت الحصار.. انتصارات الوفاق تعيد تعريف موازين القوى في ليبيا

الأحد 19 أبريل 2020 09:44 م

"سقوط مدو في غضون ساعات".. هكذا وصفت وسائل الإعلام الانهيار المفاجئ لقوات الجنرال الليبي المتقاعد "خليفة حفتر" في مدن الشريط الساحلي لغرب ليبيا أمام قوات حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، ما يعد تحولا نوعيا في معادلة الحرب الدائرة في البلاد.

وتمكنت قوات حكومة الوفاق بمساندة من الطائرات المسيرة التركية من السيطرة أولا على مدينة صرمان، ثم صبراتة، فالعجيلات، وبعد ذلك على زلطن ورقدالين والجميل، إضافة إلى منطقتي العسة ومليتة الهامتين، وأظهرت صور وفيديوهات عبر منصات التواصل الاجتماعي حصولها على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والعربات المسلحة، بينها مدرعات إماراتية.

وبذلك بسطت قوات حكومة الوفاق سيطرتها على مساحة إجمالية تقدر بأكثر من 3 آلاف كيلومتر مربع بعد إطلاقها عملية "عاصفة السلام" التي بدأت بتنفيذ قواتها الجوية ضربات دقيقة على غرف العمليات وخطوط الإمداد والمواقع الحيوية لميليشيات "حفتر"، المدعومة من مصر والإمارات والسعودية وفرنسا وروسيا.

وتعد صرمان وصبراتة وزلطن والجميل ورقدالين مدنا استراتيجية على الساحل الليبي لقربها من العاصمة، واستخدمتها قوات "حفتر" كرأس حربة للهجوم على طرابلس مطلع أبريل/نيسان من العام الماضي، كما اتخذت من قاعدة "الوطية" الجوية قاعدة خلفية، ولذا فإن تحييد قوات "الوفاق" للقاعدة وفرض الحصار عليها يعد "انقلابا استراتيجيا" حسب تأكيد الخبير العسكري "عادل عبد الكافي" لموقع "الجزيرة نت".

دلالات الهزيمة

كما كشفت تلك التطورات أن "حفتر" لا يمتلك حاضنة شعبية في مدن الساحل الغربي الليبي الست، الأمر الذي انعكس في صورة "تصدع قبلي" في الجبهة الداعمة له في شرق البلاد، الذي يسيطر عليه، إزاء تعمد الموالين له قطع المياه والكهرباء عن طرابلس وبعض مناطق الجنوب الليبي.

وقد عبرت عديد القبائل عن غضبها، وسط تهديدات من رئيس المجلس الأعلى لقبائل ومدن الجنوب الليبي "علي أبوسبيحة"، باللجوء إلى طلب "الحماية الدولية"، محملا "حفتر" مسؤولية انقطاع الكهرباء والمياه عن مناطق الجنوب، كون صمامات المياه والغاز متواجدة في مناطق سيطرة قوات الأخير.

وامتد أثر الصدع القبلي إلى "برلمان طبرق"، الموالي لـ "حفتر"، الذي اضطر إلى إعلان موقف مندد بقطع المياه عن طرابلس، ووصف مرتكبيه بـ"المجرمين"، بعدما استنكرت لجنة الشؤون الخارجية "الأفعال الخارجة عن الأعراف المحلية والإنسانية"، واعتبرتها "تستوجب أشد العقوبات ضد مرتكبيها".

ومن المتوقع أن تدفع هذه الهزائم والشقوق في معسكر "حفتر" بعض القوى الداعمة للجنرال الليبي على مراجعة دعمها، بعدما أثبت الجنرال مرارا عجزه عن السيطرة على كامل الأراضي الليبية، وهو ما نوهت له صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، التي أشارت إلى أن حملة "حفتر" العسكرية ضد حكومة الوفاق لم تسفر عن أي نتائج على الأرض.

ويرى "بن فيشمان"، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن الوقت قد حان لتجربة نهج آخر مع "حفتر"، الذي يواصل منع أي شكل من أشكال التسوية الدبلوماسية، وعليه "يجب البحث عن بديل له من الشرق الليبي" حسب قوله.

الهيمنة على السماء

لكن ما هو التطور الذي رجح كفة قوات الوفاق ومكنها من تحقيق هيمنة على كامل شريط الساحل الغربي لليبيا بهذه السرعة؟ وتكمن كلمة السر على ما يبدو في "سلاح الجو" الداعم لقوات "الوفاق"، الذي هيمن على سماء المعركة بشكل غير مسبوق منذ إطلاق عملية عاصفة السلام يوم 25 مارس/آذار 2020، بعد أن كانت الغلبة لطيران "حفتر" وحلفائه الدوليين منذ إطلاقهم الهجوم على طرابلس يوم 4 أبريل/نيسان 2019.

وفي تقرير نشرته في 15 أبريل/نيسان، تشير صحيفة ''لانووفا بوصولا كوتيديانا'' الإيطالية إلى أن هذا النجاح تحقق "بفضل الدعم الذي قدمته الطائرات المسيرة التركية"، التي أظهرت تفوقا واضحا على نظيرتها الصينية، التي منحتها الإمارات لقوات "حفتر".

وبفضل هذا التطور، نجح سلاح الجو التابع لقوات الوفاق من إنجاز نحو 70% من العملية العسكرية على شريط الساحل الغربي الليبي، وهو ما مهد الطريق لتقدم القوات البرية وسيطرتها على المدن الغربية الواحدة تلو الأخرى.

وبحسب المحلل الأمني الليبي "الصيد عبدالحفيظ"، فإن التخطيط لهذه المعركة كان متميزا، مع كونها قد بدأت، في 26 مارس/ آذار الماضي، بالهجوم على قاعدة الوطية الجوية (180 كم جنوب غربي طرابلس) التي تهدد سماء طرابلس ومحطيها، وإخراجها من الخدمة، وهو ما سمح لطيران الوفاق بالسيطرة على أجواء غرب ليبيا بأريحية ومكنه من قطع كل خطوط الإمداد التي تصل ترهونة والجفرة بمناطق غرب العاصمة، وفقا لما أورده موقع "العربي الجديد".

وتعد الغارات الجوية التي نفذتها حكومة الوفاق على القاعدة بشكل شبه يومي منذ نهاية مارس/آذار الماضي، واستهدافها لقوات "حفتر" في المنطقة الواقعة بين مصراتة (200 كم شرق طرابلس) وسرت (450 كم شرق طرابلس)، دليلا على تسيد طيران حكومة الوفاق سماء المنطقة الغربية للبلاد، من الوشكة شرقا إلى الوطية غربا، على مدى يفوق 500 كيلومتر.

ومن المتوقع أن يكون لهذا التطور الميداني تداعيات على سير معركة طرابلس، خاصة أن سلاح الجو قام بدور حاسم في قلب نتائج معارك عدة في ليبيا لصالح قوات "حفتر"، كما جرى معارك بنغازي بين عامي 2014 و2017، ومعركة درنة في عام 2018.

الخطوة التالية

وبحسب مصدر عسكري رفيع مقرّب من حكومة الوفاق بطرابلس، فإن قوات الوفاق تستعدّ للمرحلة المقبلة من عملية "عاصفة السلام" عبر اتجاهين، الأول هو السيطرة النهائية على قاعدة الوطية الجوية، والثاني السيطرة مدينة ترهونة.

وتتحصن عناصر قوات "حفتر" الفارة من مدن الساحل الغربي بالقاعدة حاليا، إضافة إلى مسلحين من شرق ليبيا، بينهم عناصر "كتيبة العاديات" المنتمين إلى التيار المدخلي، وبعض المرتزقة الأجانب.

ومن أبرز قيادات "العاديات" رجل المخابرات السعودية في غرب ليبيا "طارق درمان"، المعروف باسم "أبوالخطاب"، والذي ناشد في منشور له على صفحته في فيسبوك بضرورة فك الحصار عن الوطية.

أما ترهونة، التي تقع على بعد 95 كيلومتراً جنوب شرق طرابلس، فهي المنطقة الوحيدة التي تبقت من مناطق سيطرة "حفتر" في غرب ليبيا، كما أنها قاعدة الانطلاق الأولى لقواته باتجاه طرابلس بسبب اتصالها بطرق زراعية مع أحياء جنوب طرابلس.

وتتصل المدينة بطرق صحراوية تمتد إلى قاعدة الجفرة، المركز الرئيس لقيادة عمليات "حفتر" حاليا.

ولذا يرى "عبدالكافي" أن سيطرة قوات "الوفاق" على ترهونة شديد الأهمية، لافتا إلى كونه يعد "تحييدا لقاعدة الجفرة العسكرية وتعزيزا لمحاصرة حفتر في شرقي ليبيا".

وفي يوم السبت، أعلنت حكومة الوفاق استئناف حملتها العسكرية لاستعادة ترهونة بعد فشل المفاوضات لتسليم المدينة سلميا.

رمانة الميزان

على مدار سنوات، مثلت ترهونة رمانة الميزان في حسم معارك الغرب الليبي، رغم موقعها الحبيس دون مطار أو منفذ بحري، ويعود سبب ذلك إلى تمركز قوات اللواء السابع فيها، والتي لعبت دور "الخنجر" في خاصرة قوات "الوفاق" عام 2018، بعدما وقع اتفاقا مع الحكومة تم بموجيه وقف الهجمات بين الطرفين.

 لكن قوات اللواء السابع انضمت سرا إلى قوات "حفتر" مع إطلاقه العملية العسكرية للسيطرة على طرابلس في أبريل/نيسان 2019، وتوحد مع اللواء 22 في ترهونة تحت اسم "اللواء التاسع".

وبينما كانت قوات الوفاق تتصدى لميليشيات "حفتر" القادمة من غريان، تلقت هجوما مفاجئا من الجنوب الشرقي للعاصمة شنته عناصر اللواء، التي تتميز بمعرفة عناصرها الجيدة لأرض المعركة؛ على عكس قوات "حفتر" القادمة من الشرق.

ولما كانت أغلب الانتصارات التي أحرزها "حفتر" جنوبي طرابلس، كانت بفضل اللواء التاسع، فقد بات هدفا رئيسيا لغارات قوات "الوفاق"، على غرار استهداف طائرة شحن عسكرية عند نزولها في مهبط للطائرات بمحيط ترهونة، في 5 أبريل/نيسان الجاري، قالت قوات الوفاق إنها كانت تحمل ذخائر ومعدات عسكرية لميليشيات "حفتر".

وكانت "الوفاق" قد شكلت قوة حماية ترهونة، من أبناء المدينة، وشنت هجوما من 3 محاور على المدينة (شمالا وشرقا وغربا)، في ديسمبر/كانون الأول 2019، لكن افتقاد القوى للغطاء الجوي، أوقف تقدمها.

وبعدما عادت هيمنة قوات الحكومة المعترف بها دوليا على سماء المعركة، أصبحت خيارات شن عملية عسكرية ضد ترهونة متاحة، وبات هدفها الأول هو تدمير منظومة الدفاع الجوي، التي يسيرها مرتزقة شركة فاجنر الروسية.

ونظرا لوجود ترهونة في منطقة تحيط بها جبال، فهي مضطرة للاعتماد بشكل كبير على الإمدادات البرية القادمة عبر "بني وليد"، خاصة بعد توقف الإمدادات القادمة من طرابلس ومصراتة وغريان، بسبب الحرب.

ومع استهداف طيران الوفاق لخط الإمداد "الجفرة - بني وليد - ترهونة"، أصبحت ترهونة شبه محاصرة، ويكاد يتحول نقص الوقود بها إلى أزمة خانقة، وهو النقص الذي طال حتى بني وليد، ما يؤشر إلى احتمالات تنافس بين المدينتين حول تقاسم حصص الوقود القادمة من الشرق.

وإزاء ذلك، فالتطورات تؤشر إلى سيطرة مستقبلية لـ"الوفاق" لكامل مناطق الغرب والجنوب الليبي، وهو ما قد يغير شكل المعارك في ليبيا بشكل كلي، وربما يدفع حلفاء "حفتر" للبحث عن بديل له، أو في أدنى الأحوال الضغط عليه للانخراط في مفاوضات جادة للوصول إلى حل سلمي للحرب الدائرة في البلاد.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

خليفة حفتر حكومة الوفاق التيار المدخلي ترهونة

رئيس حكومة الوفاق الليبية يرفض التفاوض مع حفتر