من هم «أسياد الربط والحل» في السودان؟

الخميس 16 أبريل 2020 07:14 م

من هم «أسياد الربط والحل» في السودان؟

الحكومة التي لا تملك سلاحا وجيشا عليها أن تفهم أن حميدتي هو الحكومة ما دام يحمل سلاحا يستطيع به فرض رأيه.

تجمع آراء حميدتي تهديدا مفهوما لا للمدنيين والسياسيين وحكوماتهم الافتراضية بل لكل من لا يتقبلون المقام الذي وصل إليه.

انتبه حميدتي بسرعة أن بيع السلاح والجنود يمكن أن يعطي ثمارا أكبر بكثير لو تم التأجير لمن يدفعون خارج الحدود.

تحمل الفترة الحاليّة بذور صراعات على رأسها «قوات الدعم السريع» وتحتاج حلا يحفظ مسار العمل الديمقراطي ويجعل أفراد الشعب «أسياد الربط والحل».

*     *     *

قرار عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، والقائد العام للقوات المسلحة السودانية بإنهاء انتداب 63 ضابطا انتدبهم الجيش للعمل في «قوات الدعم السريع» التي يقودها محمد دقلو حمدان (المشهور بحميدتي) يعيد التذكير بطريقة نظر المؤسسة العسكرية السودانية السلبية لحميدتي.

فهو لم يتحصل على دراسة عسكرية حقيقية كأقرانه من ضباط الجيش السوداني، ولم يطلع على أبجديات العلوم العسكرية، ومع ذلك فهو يحمل رتبة فريق أول ويزيّن صدره بالنياشين والأوسمة.

من الطبيعي أن ينظر ضباط الجيش إلى صعود حميدتي بارتياب تمتزج فيه السخرية بالتعجب، فهذا الشخص ذو الدور الخطير حاليا، حاز تعليما متواضعا قبل أن يبدأ العمل في تجارة المواشي متنقلا بين نيالا ومليط، ثم في «تجارة الحدود» بين السودان وليبيا والتشاد، قبل أن يبدأ العمل مع ميليشيات الجنجويد في دارفور عام 2003، على خلفية استنفار النظام السوداني للعنصر العربي هناك.

ومن ثم تمرد على «قوات الدفاع الشعبي» عام 2007 لأسباب مالية، وتم تعيينه قائدا لقوات حرس الحدود، ليكتشف بعدها أهمية الربط بين المال والبنادق، لتبدأ بعدها مسيرة «قوات الدعم السريع» الفعلية عام 2013، وكذلك نقطة خلاف الجيش معها.

فقد رفضت القوات المسلحة حينها العمل تحت إمرة ما اعتبرته «ميليشيا قبلية»، فاستغل جهاز الأمن الأمر وضم قوات حميدتي إليه لتكون وقائدها بأمرة مباشرة من المشير عمر حسن البشير، الرئيس السوداني المخلوع، باعتبار أن مجيء حميدتي من تلك الأصول التجارية والميليشياوية سيجعله، وقواته، أداة طيعة لضبط التوازنات الأمنية والعسكرية في السودان.

يستعيد السودانيون، من تلك المرحلة، خطبة «عصماء» لحميدتي تشبه خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي الشهيرة يمكن ترجمتها من العامية إلى الفصحى بالقول إن البلد بأكملها تحت سلطته، وأنهم «أسياد الربط والحل» ولا يجرؤ «ابن امرأة» على الحديث ضده، «نقول اقبضوا على الصادق» (الزعيم السياسي المعروف) فيقبضون عليه، «ونقول أطلقوه» فيطلقونه، وأن «الرجل الذي لا يقاتل فليس لديه رأي»، وأي شخص «يعمل مجمجة» (سخرية) فليتفضل إلى الساحة لنتواجه بالسلاح.

لكن أكثر ما يلفت النظر في هذه الخطبة كان قول حميدتي «نحن الحكومة»، و«حين الحكومة تسوي لها جيش بعد ذاك تكلمنا»، أي أن الحكومات التي لا تملك سلاحا وجيشا فعليها أن تفهم أنه هو الحكومة ما دام يحمل سلاحا يستطيع به فرض رأيه!

وتجمع آراء حميدتي المذكورة والواضحة تهديدا مفهوما، لا للمدنيين والسياسيين وحكوماتهم الافتراضية، بل لكل من لا يتقبلون المقام الذي وصل إليه، أو يسخرون منه، أو لا يوازونه بالمال أو السلاح.

لم يتوقف دور حميدتي، كما هو معلوم، على السودان، فتجارة الحدود وتأجير البندقية أفضت به إلى وضع يده على ذهب جبل عامر، كما انتبه بسرعة أن بيع السلاح والجنود يمكن أن يعطي ثمارا أكبر بكثير لو تم التأجير لمن يدفعون خارج الحدود.

وهو ما جرى تطبيقه بزج قوات سودانية في حرب اليمن، وفي ليبيا، وساهمت هذه الصفقات المحلّية والخارجية بتمكين حميدتي، وفتح طريق خلع البشير، وتعيينه نائبا لرئيس المجلس العسكري، أحلام حميدتي بامتلاك كافة السلطات.

وكانت مجزرة فض اعتصام المعتصمين أمام القيادة العامة للجيش السوداني في حزيران/يونيو هي ذروة تلك الخطة التي لم تتماسك لسببين رئيسيين:

- الأول هو تماسك القيادة السياسية للمنتفضين،

- الثاني أن الجيش أبقى نفسه بعيدا عن المجزرة وإذا كان لم يتدخل لصالح المعتصمين لكنه لم يساند «الدعم السريع».

تحمل الفترة الانتقالية الحاليّة بذور هذه الصراعات، وعلى رأسها «قوات الدعم السريع»، وهي تحتاج حلا يحفظ مسار العمل الديمقراطي في السودان ويجعل أفراد الشعب السوداني هم «أسياد الربط والحل».

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية