كورونا.. انخفاض التحويلات المالية يهدد مصر ولبنان والأردن

الجمعة 17 أبريل 2020 03:48 م

تعرضت اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لصدمات مزدوجة خلال الشهرين الماضيين، بسبب وباء الفيروس التاجي وانخفاض أسعار النفط. ولكن، تلوح في الأفق صدمة مالية أخرى؛ تتمثل في انخفاض تحويلات العاملين في الخارج، حيث من المرجح أن يضرب هذا الاقتصادات الأكثر هشاشة في المنطقة، بما في ذلك مصر والأردن ولبنان.

مع بدء الكشف عن حالات "كوفيد-19" في منتصف مارس/ آذار، قدر الباحثون في البنك الدولي الخسائر في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2020.

ولكن بعد أسابيع فقط، في بداية شهر أبريل/ نيسان، توجب عليهم أن يراجعوا تقديراتهم أكثر - مع حدوث إغلاق في المزيد من البلدان - فتنبأوا بخسائر اقتصادية بنسبة 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يعادل أكثر من 100 مليار دولار.

وقال نائب كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي "دانييل ليدرمان"، في مؤتمر بالفيديو مع الصحفيين: "خلال أسبوعين تضاعفت تقديراتنا تقريبًا مع تدهور الظروف الاقتصادية العالمية، ومع وضوح استجابة الحكومات أكثر".

وقال كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "رابح أرزقي": "لقد وصلت الاقتصادات إلى حالة ركود، أدت هذه الصدمة المزدوجة إلى انخفاض متوقع في معدل النمو بنسبة 1.1% عام 2020 ، و2.1% عام 2021".

خطوة السعودية الصادمة

تفاقم تأثير جائحة الفيروس التاجي بسبب صدمة ثانية للاقتصاد العالمي؛ وهي قرار السعودية في مارس/ آذار زيادة إنتاج النفط بشكل كبير ما أدى إلى انهيار أسعار الخام.

تسببت الخطوة المفاجئة للرياض في انخفاض الأسعار بنسبة 25% إلى حوالي 35 دولاراً للبرميل. وهذا أقل بكثير من المستوى المطلوب للسعودية ودول الخليج الأخرى كي تستطيع الحفاظ على ميزانياتها.

يقدر البنك الدولي أنه بسبب انخفاض أسعار النفط، يمكن أن يشهد عام 2020 انخفاضا في الناتج المحلي الإجمالي يقدر بنحو 20% في الكويت، و17% في قطر، و12% في السعودية و 8% في الإمارات.

ومع تقشف الحكومات في ميزانياتها، سيقل رأس المال المتاح للإنفاق لتحفيز الاقتصاد.

هذا يعني أيضًا تفاقم ضعف الطلب على العمالة الأجنبية، التي تعتمد عليها دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير والتي تمثل حوالي نصف مجموع سكانها.

ويرسل هؤلاء العمال مليارات الدولارات إلى أوطانهم كل عام.

وقال "مروان بركات" رئيس قسم الأبحاث في بنك "عودة" في بيروت: "إن التدهور الحاد في أسعار النفط واحتمال استمرار ذلك لفترة طويلة يزيد من الضغوط على دخل الوافدين في دول مجلس التعاون الخليجي، وبالتالي يقلل التحويلات من هناك".

وكما أشار تقرير البنك الدولي: "فإن الأوضاع الاقتصادية لمستوردي النفط مرتبطة بتلك الموجودة لدى مصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

الأردن: أسوأ أداء منذ عام 1989

بطالة العمال المهاجرين يعني إرسال أموال أقل للوطن.

وقال "إريك لو بورني"، أحد كبار الاقتصاديين في البنك الدولي: "بسبب انخفاض أسعار النفط، سيعاني الأردن من قلة التحويلات من الخليج".

تتوقع المؤسسة أن ينكمش الاقتصاد الأردني بنسبة 3.5% العام المقبل؛ هذا بالمقارنة مع نمو بنسبة 2% عام 2019.

وقال الاقتصادي: "هذا الانكماش هو أسوأ أداء شهده الأردن منذ عام 1989".

يعد انخفاض التحويلات حادًا بشكل خاص بالنسبة للبنان ومصر، حيث تقدر مدفوعات التحويلات هذه بنحو 7.3 مليار دولار (12.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان) و 25.2 مليار دولار (8.4% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر) عام 2019.

لا توجد حتى الآن أرقام لعام 2020، ولكن من المتوقع أن تنخفض التحويلات بشكل حاد.

وقال رئيس البحوث في اتحاد المصرفيين العرب في بيروت "علي عودة"، : "ستكون لبنان ومصر من بين الدول العشر الأولى في العالم الأكثر تضررا من انخفاض التحويلات، استنادًا للنسبة المئوية التي تمثلها التحويلات في الناتج المحلي الإجمالي".

لبنان: أزمة فوق أزمة

بالنسبة للبنان، تأتي الصدمة المزدوجة من الفيروس التاجي وانخفاض أسعار النفط على رأس أزمة مالية هزت البلاد منذ اندلاع المظاهرات الحاشدة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

انخفضت الليرة اللبنانية بنحو 50% مقابل الدولار الأمريكي، وفرضت البنوك ضوابط غير رسمية على رأس المال حالت دون التحويلات وقيّدت عمليات السحب بالدولار.

في مارس/ آذار، تخلفت الحكومة عن سداد ديون بقيمة 1.5 مليار دولار، وارتفعت تكلفة المعيشة بشكل حاد، وتدهور الاقتصاد بسرعة.

تعقد كل هذا الآن بفعل قيود الفيروس التاجي، وقال "لو بورني": "كان لبنان بالفعل في حالة حرجة قبل كوفيد-19".

يعيش عدد كبير من المهاجرين اللبنانيين في الخارج، وهؤلاء يرسلون عادة المزيد من الأموال إلى الوطن خلال أوقات الأزمات.

فحتى يوليو/ تموز 2019، بلغ إجمالي التحويلات للسنة أعلى مستوى في عقدين من الزمان بمقدار 3.5 مليار دولار، قبل أن يرتفع أكثر حتى نهاية سبتمبر/ أيلول إلى 5.3 مليار دولار.

لكن الثقة في البنوك ضعفت في لبنان، خاصة مع عدم قدرة اللبنانيين على الوصول إلى مدخراتهم، ولهذا تزايد إرسال التحويلات من خلال شركات الخدمات المالية، مثل "ويسترن يونيون"، أو نقلها باليد.

ولكن حتى هذه الطريقة الأخيرة تتضاءل، وقال "عودة": "اعتاد الناس على إرسال الأموال من الخليج أو أوروبا، لكن لا توجد رحلات جوية الآن. هناك انقطاع خطير في تدفق التحويلات إلى لبنان".

معاناة المصارف اللبنانية

قال "عودة" إن التحويلات المالية من الخليج شكلت 43% من تلك الواردة إلى لبنان خلال عام 2017. وقد انخفض هذا الرقم الآن وتجاوزته الأموال القادمة من أمريكا الشمالية وأوروبا خلال السنوات القليلة الماضية.

ولكن حتى هذا المصدر يجف.

وقال "نسيب غبريل"، كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث والتحليلات الاقتصادية في مجموعة بنك "بيبلوس" في بيروت: "إنها المرة الأولى التي نضع فيها علامات استفهام حول استدامة تدفقات التحويلات، بسبب التأثير العالمي على جميع المصادر، سواء من دول مجلس التعاون الخليجي أو أفريقيا أو أوروبا أو أمريكا الشمالية".

وأضاف: "تاريخيا، عندما تكون هناك مشاكل في بلد المنشأ، تميل التحويلات إلى الزيادة".

بالنسبة للبنوك اللبنانية، يعني هذا الانخفاض المزيد من المعاناة، فالتدفقات النقدية التقليدية تعزز ميزانيات تلك البنوك التي تحتفظ بالجزء الأكبر من الديون الحكومية.

وقال "بركات": "إن خفض التحويلات المالية يهدد النموذج اللبناني الذي يعتمد على التحويلات لتمويل عجزه الخارجي الكبير".

من المتوقع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للبنان من 55 مليار دولار في 2018 إلى 34.4 مليار دولار هذا العام، وفقًا لأرقام "مورجان ستانلي".

ونتيجة لذلك سترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 176% إلى 280%، ويتوقع البنك الدولي انكماشاً بنسبة 10.9% في الاقتصاد اللبناني بشكل عام.

وقال "لو بورني": "سيؤدي هذا إلى أزمة تتجاوز جميع فترات الركود السابقة".

مصر: طلب أقل على العمالة

عانت مصر اقتصاديًا منذ ثورة 2011 ، بما في ذلك تخفيض قيمة عملتها في 2016، على الرغم من أن شللها المالي لم يكن حادا مثل لبنان. لكن أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان لا تزال تعاني.

من المتوقع أن تعاني مصر من خسارة في الإيرادات هذا العام، خاصة من السياحة، التي ولدت 12.6 مليار دولار (4.2% من الناتج المحلي الإجمالي) في 2018-2019، ومن إيرادات قناة السويس البالغة 5.7 مليار دولار (1.9% من الناتج المحلي الإجمالي).

كما ستتراجع التحويلات القادمة من الخارج، والتي ساهمت بمبلغ 25.2 مليار دولار، أو 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر، وفقًا للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في 2018-2019.

وأوضح "كليمنس برايزنجر"، وهو زميل باحث في قسم إستراتيجية التنمية والحوكمة في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، ورئيس برنامج دعم استراتيجية مصر، أن هناك نتيجتين محتملتين لذلك.

وقال: "في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، ستنخفض التحويلات في السنة المالية 2019-2020 بنسبة 10%، أما السيناريو الأكثر تشاؤما فهو انخفاضها 15%".

وقال إن الافتراض الأخير يفترض أن المصريين المهاجرين لن يتمكنوا من العودة إلى البلدان التي يعملون فيها، وأن أرباب العمل سوف يسرحون العمال، وسيعني تخفيض أسعار النفط استثمارات خليجية أقل، وسيكون هناك طلب أقل على العمالة المصرية المهاجرة.

وقال "برايزنجر": "ستكون الأسر الريفية والفقيرة أكثر عرضة لانخفاض التحويلات، بالنظر إلى أن تسريح العمال الأوّلي من المرجح أن يحدث بين العمال المهاجرين ذوي المهارات المتدنية".

وأضاف: "كل هذا يتوقف على المدة التي سيستمر فيها كوفيد-19 في تعطيل الاقتصاد العالمي. وكلما طال أمد ذلك، زادت معاناة جميع البلدان، بما في ذلك مصر".

المصدر | بول كوكران/ ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا تداعيات كورونا العمال الوافدون تحويلات الوافدين

مهاتير محمد: جائحة فيروس كورونا أسوأ من أزمة 1997 المالية

بـ142 مليار دولار.. هبوط تاريخي متوقع لتحويلات العمالة المهاجرة