مصر وكورونا.. فرصة ذهبية لتخزين الوقود وتهديد استراتيجي لواردات القمح

الخميس 23 أبريل 2020 06:18 م

"مصلحة للاقتصاد الوطني".. هكذا وصف رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية في مصر "مدحت نافع" الانهيار غير المسبوق فى أسعار النفط العالمية، معتبرا إياه فرصة ذهبية لبلده الذي يعاني من أزمة طاقة منذ سنوات.

وعبر تصريح "نافع" عن حالة تفاؤل تعم الأوساط الاقتصادية في مصر التي استوردت مواد بترولية بقيمة 6.8 مليار دولار عام 2019، مع انهيار أسعار النفط نتيجة فائض المعروض في السوق بسبب امتلاء المخزونات البرية والبحرية عالميا، جراء حرب النفط بين السعودية وروسيا، وتداعيات انتشار فيروس كورونا.

فالدول والشركات المنتجة للنفط تقريبا لم تعد لديها مناطق للتخزين، وبالتالي بات التخلص من مخزونها حتميا حتى لو اضطرت للدفع للعملاء للحصول على النفط في بعض الأحيان، وهو ما يعني إمكانية شراء مصر للوقود بأسعار تقل كثيرا عن تقدير الحكومة في موازنتها للعامل المالي الجاري (68 دولارا للبرميل).

ومن شأن ذلك أن ينعكس إيجابا على الصناعة في مصر من خلال خفض أسعار الطاقة للمصانع بشكل سريع، بحيث تزيد مساهمتها في الاقتصاد وتتحسن مؤشراتها المالية، الأمر الذي قد يسهم في تحسين حالة الركود التي خلفتها أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) في البلاد.

وينوه "نافع"، في هذا الصدد، إلى أن الكهرباء تعتمد على النفط، وبالتالي فإن انخفاض أسعار النفط يمكن أن يتسبب في تنشيط الصناعة باعتبارها قاطرة نمو الاقتصاد، مشيرا إلى "إمكانية شراء نفط لمدة سنة أو سنتين قادمتين، مما يساهم في خفض عجز الموازنة العامة بشكل كبير ويوفر مليارات الدولارات للموازنة"، وفقا لما أوردته شبكة "روسيا اليوم".

ويتفق وزير البترول والثروة المعدنية المصري السابق "أسامة كمال" مع "نافع" بشأن تأثير انهيار أسعار النفط على استيراد مصر للوقود، مشيرا، خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "الحكاية" المذاع على قناة "إم بي سي مصر"، إلى ما يمثله ذلك من فرصة لتقليص عجز الموازنة.

مخزون استراتيجي

من هذا المنطلق يمكن قراءة توجيه الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" أوامره للحكومة بضمان زيادة الاحتياطي الاستراتيجي للدولة من المواد النفطية، حسبما أعلن المتحدث باسم الرئاسة المصرية "بسام راضي" في بيان أصدره بتاريخ 16 أبريل/نيسان الماضي.

ويعزز من فاعلية هذا القرار دخول مورد مصري جديد للغاز الطبيعي في البحر المتوسط على خط الإنتاج، وفق لما تضمنه بيان وزارة البترول والثروة المعدنية في 21 أبريل/نيسان، حيث تم تشغيل البئرين "ظهر 17" و"بلطيم جنوب غرب 7" بمتوسط إنتاج 390 مليون قدم مكعب غاز و 1300 برميل متكثفات يوميا.

ومن الواضح أن هذا الانهيار في أسعار النفط انعكس على الموازنة الجديدة للبلاد (2020 - 2021) التي شهدت خفضا لدعم المواد البترولية من 52.963 مليار جنيه (نحو 3.36 مليارات دولار) إلى 28.19 مليار جنيه في الموازنة الجديدة، والتي تبدأ أول يوليو/تموز المقبل، وبنسبة خفض بلغت نحو 47%، رغم أن الحكومة لم تقم بخفض مناظر في أسعار البنزين المستهلكين سوى بمقدار ربع جنيه فقط (أقل من سنتين) لبنزين 92 الأكثر استهلاكا في السيارات الخاصة، مع إبقاء أسعار السولار الذي تستخدمه وسائل النقل العامة دون تغيير.

ويقلص مشروع موازنة العام المالي الجديد دعم الكهرباء من 4 مليارات جنيه إلى (صفر)، وهو ما يعني تحرير أسعار بيع الكهرباء للمواطنين، وفقا للبيان المالي الذي ألقاه وزير المالية "محمد معيط"، في 21 أبريل/نيسان، أمام البرلمان.

ولذا يصف خبير البترول "رمضان أبوالعلا" تأثيرات مصائب تهاوي النفط بأنها "فوائد" على السوق المصري، مشددا على ضرورة استفادة الحكومة من الوضع الحالي بمضاعفة طاقاتها التخزينية، وفقا لما أوردته صحيفة "المصري اليوم".

تحدي القمح

لكن في المقابل، ثمة مخاطر كامنة لتهاوي أسعار النفط، وهو أنه يتزامن مع الزيادة في أسعار السلع الاستراتيجية، خاصة صادرات القمح، التي ارتفعت أسعارها الأسبوع الماضي بسبب المخاوف بشأن استدامة الإمدادات بعد منتصف مايو/أيار المقبل.

وارتفع سعر شحنات القمح الروسي (تحميل موانئ البحر الأسود) لأقرب موعد تسليم بمقدار 6 دولارات إلى 231 دولارا للطن، نهاية الأسبوع الماضي، كما ارتفع سعر الشعير 3 دولارات ليسجل 180 دولارا للطن.

وتقدر "إيكار"، وهي مؤسسة استشارات زراعية أخرى في موسكو، سعر القمح عند 232 دولارا للطن، بزيادة 5 دولارات على الأقل، نظرا لاستنفاد معظم الحصة المخصصة للتصدير في الفترة من أبريل/نيسان الجاري وحتى يونيو/حزيران المقبل، في حين أعلن اتحاد القمح الروسي اليوم أنه يتوقع نفاد الحصة بالكامل في حدود أواخر مايو/أيار.

وحددت روسيا (أكبر دولة مصدرة للقمح في العالم) حصة مقدارها 7 ملايين طن من صادرات الحبوب في تلك الفترة، لضمان توافر إمدادات محلية كافية في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد، لكن القمح المخصص للتصدير ينفد بوتيرة أسرع من المتوقع، ما دفع وزارة الزراعة إلى الإعلان، الأسبوع الماضي، بأنها ستعلق صادرات القمح حتى أول يوليو/تموز فور نفاد حصة التصدير.

وقد انعكست هذه التطورات المتشائمة في أسواق القمح على مصر بشكل فوري، باعتبار القاهرة أكبر مستورد له في العالم، حيث لم تنجح الحكومة في شراء كميات كافية منه في آخر مناقصة عالمية (الأسبوع الماضي) نظرا لارتفاع الأسعار.

ليس هذا فقط، بل إن عدد الموردين الذين قدموا عروضا في المناقصة، كان منخفضا بشكل ملحوظ عن حجم المشاركة المعتاد، إذ أحجم كثيرون عن مخاوف من حدوث حظر محتمل للصادرات في منطقة البحر الأسود.

وبحسب متعامل أوروبي فإن "البائعين لم يعد بمقدورهم خفض أسعارهم وبيع المزيد"، مشيرا إلى أن تعليق روسيا لصادرات القمح في منتصف مايو/أيار المقبل قد يؤثر على آخر 3 شحنات اشترتها مصر، والمقرر تسليمها بين 15 مايو/أيار والخامس من يونيو/حزيران.

السلع الاستراتيجية

ولذا تستعد مصر لبناء 7 مخازن عملاقة في 7 محافظات مختلفة لتوفير كميات كبيرة من السلع الاستراتيجية، على رأسها القمح، حسب بيان لوزارة التموين والتجارة الداخلية.

ويأتي إنشاء المخازن الجديد ضمن إطار مشروع قومي في 7 محافظات، هي: الجيزة وبني سويف وقنا والقليوبية والغربية والإسماعيلية والبحيرة، بهدف زيادة المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية "بما يكفي لاستهلاك مدته عام كامل".

ومن شأن المرحلة الأولى من المشروع أن تزيد المخزون الاستراتيجي للسلع في مصر إلى مدة تصل إلى 8 أو 9 أشهر في الوقت الذي يكفي فيه المخزون الحالي احتياجات المواطنين لمدة تتراوح من 4 إلى 6 أشهر فقط.

وحتى بناء المخازن الجديدة، ستكون الحكومة المصرية مضطرة على الأرجح لشراء القمح بأسعار مرتفعة، ما يعني مزيدا من الضغط على احتياطياتها من النقد الأجنبي، في ظل صعوبات كبيرة في الاقتراض الدولي بسبب تفشي "كورونا".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاقتصاد المصري أسامة كمال عبدالفتاح السيسي

المزارعون في مصر يحصدون القمح غير قلقين من كورونا

مصر تفرض رسوما على الوقود رغم انخفاض سعره عالميا