استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

غموض اللحظة

الخميس 23 أبريل 2020 05:39 م

غموض اللحظة

انكشفت قيم الحضارة الرأسمالية وتبين أنها قادتنا لهذه اللحظة المدمرة.

كشف فيروس كورونا وضع عالميا صعبا ووضعا عربيا قاسيا وبائسا.

أزمات اقتصادية عاصفة ستتحول لأزمات سياسية تخاطب حس العدالة تتشكل في ظل انتشار الغموض.

رياح جديدة ستهب في دول كثيرة أثبتت عدم استعدادها لمواجهة الغموض الراهن.. رياح ستؤسس لحراكات كثيرة شرقا وغربا.

ستتفاقم تناقضات الفقراء والأغنياء، المجتمع والدولة، العدالة والظلم، أقلية متحكمة بالثروة وأغلبية لا تملك، تناقضات ستوثر في كل مشهد قادم.

لن تنجح الدول العربية الغنية في إنقاذ الفقيرة ولن ينجح البنك الدولي في مساعدة الدول النامية العربية وسترتفع الديون وتتأثر العملات ويزداد الانكفاء.

في مجتمعاتنا تم تحجيم المـؤسسات في ظل التركيز على الأمن والقوات العسكرية والأسلحة والقمع والأمر والنهي وفي حالات كثيرة الصراع الأهلي.

*     *     *

لا أحد يعرف بدقة متى تنتهي الأزمة التي سببها فيروس كورونا، ولا أحد يستطيع تقديم تقييم واضح لحجم الآثار الاقتصادية التي ستلي انتهاءها؟

لهذا يعيش الناس بين متناقضات متسائلين عن المسار الذي ستقودنا إليه هذه الحالة في الغرب كما في الشرق؟ ويبدو العالم مثل القارب التائه وسط محيط هائج. هذا الغموض أهان معظم الدول وفضح السياسة والحضارة.

غموض اللحظة يخلق حالة من الخوف، هكذا هو الإنسان، يخشى مما لا يعرفه ويراه. الخوف دفع الشركات لإطلاق العنان لحملة «التفنيشات» الكبرى قبل أن تعرف تلك الشركات المدى الذي يتحكم بالأزمة، كما أن الغموض دفع المؤسسات لتسريح عشرات بل ومئات الملايين من الموظفين في دول العالم.

أمريكا لوحدها لديها 25 مليون عاطل عن العمل الآن. لقد اختفت مئات المليارات من الأموال في أيام وأسابيع، بل أصبح كل إنسان عرضة للبحر الهائج.

أبهذه السرعة تبين أن الوظائف التي يعمل فيها مئات الملايين من البشر ليست وظائف وأن الأعمال لم تكن أعمالا، وأن الاستقرار لم يكن استقرارا؟ أبهذه السرعة عاد الإنسان لحالته الأولى يثمن الوردة قبل الحجر، ويزرع قبل أن يستهلك، ويحتمي بالأسرة قبل الدولة والشركة.

في هذه الازمة انكشفت قيم الحضارة الرأسمالية كما لم تنكشف منذ الحرب العالمية الثانية، بل تبين بأن تلك الحضارة هي التي قادتنا لهذه اللحظة المدمرة.

لقد صدمت الشركات العملاقة، التي حققت الأرباح والمداخيل الفلكية، الناس بضعفها. بل تبين أنها لا تمتلك أن تستمر لشهور او لأسابيع بلا مداخيل، وتبين أنها رغم كل أرباحها لا تملك احتياطا استراتيجيا ماليا يسمح لها بالتعامل مع الأزمات.

وتبين أن هذه الشركات استثمرت بتوزيع الأرباح أولا على حساب البحث وتطوير السلع وحماية موظفيها وتحسين حالهم وحماية مصالحهم.

هل يعقل أن يعمل الناس في هذه المؤسسات والشركات الكبرى والمتوسطة والصغيرة لسنوات ولعقود، ثم بمجرد حصول كارثة لا تستطيع الشركات حماية موظفيها لبضعة شهور؟ ما هو هذا المبدأ الربحي الذي يرخص الإنسان ويساويه بالرماد؟

ففي نظام رأسمالي جشع ركزت الشركات على تقاسم الأرباح لحظة تحقيقها، وركزت على توزيع الأسهم ورفع قيمتها، وركزت على أسواق المال والأسهم في وول ستريت وغيرها من البورصات.

لهذا خففت هذ الشركات من كل استثمار في احتياط مالي و في حقوق العاملين ممن يمثلون القوة الأساسية المنتجة التي تحقق لهذه المؤسسات والشركات كل الأرباح. فبدون القوى العاملة موظفين وعمالا لما تحققت الأرباح. لكن الشركات باسم التملك والحصص حمت قادتها ومؤسسيها بينما تركت البقية المنتجة والمبدعة تضيع وسط بحر هائج.

وهل يعقل أن تفلس الشركات العملاقة خلال أسابيع وشهور لأنها وزعت كل الأرباح، ثم تمد يدها للدولة التي ستدفع لها الأموال الطائلة من دافعي الضرائب ومن المال العام؟ هل يعقل أن يدفع الشعب والطبقات الشعبية ثمن الأزمات؟ هل هذه هي الرأسمالية التي ستقود العالم في المرحلة القادمة؟

حتما كلا، العالم سيغير هذه المعادلة. ما يقع اليوم سيؤسس لعودة الحراكات ولعودة النقابات والمطالبات ولعودة الحركات العمالية ومطالبتها بشراكة حقيقية مع رأس المال.

ويطرح الغموض الذي يثيره انتشار الفيروس مدى حجم الخلاف بين السياسات، ففي الصين ساهمت الدولة المركزية والحزب الشيوعي في التغلب على الفيروس، لكن عانت من تقلص بالاقتصاد وحالات واسعة من فقدان الوظائف، بينما الرئيس ترامب في الولايات المتحدة أخذ خطا آخر مختلفا واشتبك لفظيا وسياسيا مع حكام عدد من الولايات، الفارق في الأسلوب والتفكير ووسائل القيادة واضح بين الدول وضمن الدول.

في ظل هذا الغموض برزت أزمة القيادة في دول عديدة، ومدى الثقة بقراراتها وأجهزتها ومرونتها وصدقها وقدرتها على توحيد المجتمع.في لحظات مفصلية.

حالة الغموض تطرح السؤال وهل فعلا سينتهي المرض في هذا الشهر أم في الشهرين القادمين؟ وماذا عن عودة الفيروس مرة ثانية وبزخم في الأماكن التي بدأت تستعيد الحياة الطبيعية؟ هذا جزء من الغموض الذي تعاني منه الناس في التعامل مع الأزمة.

و في عالمنا العربي يسيطر الغموض بأضعاف ما هو قائم في العالم الغربي، فدولنا في معظمها ليست مستعدة لمواجهة الأمواج والعواصف ولا السيول والأمطار ولا الفيروسات، بل هي غير مستعدة لمواجهة الحروب والهزائم أو التنمية وتبعاتها، ولا هي مستعدة لقيادة مشروع متزن لبناء الدولة وتحمل أعبائها. الاستغلال وحب الانتفاع المباشر وحب المال وتحويل الدولة لشركة مساهمة على حساب كل مصلحة عامه هو الذي سيطر على الحالة العربية.

بلادنا العربية في أغلبها لا تمتلك القدرات المالية التي ستساعدها على الخروج من المأزق، وفي أغلبها دمرت القطاع العام والحكومي لصالح الخاص، وما تبقى من الحكومي حولته لبيروقراطية قاتلة، كما وحولت القطاع الخاص لخدمات شكلية واستهلاكية على حساب التعليم والصحة والبحث العلمي والإنسان.

في مجتمعاتنا تم تحجيم المـؤسسات في ظل التركيز على الأمن والقوات العسكرية والأسلحة والقمع والأمر والنهي وفي حالات كثيرة الصراع الأهلي.

لقد كشف فيروس كورونا عن وضع عالمي صعب، لكنه يكشف وضعا عربيا قاسيا وبائسا. إن تناقضات الفقراء والأغنياء ستزداد، تناقضات المجتمع والدولة سترتفع، تناقضات العدالة والظلم ستنفجر، تناقضات الأقلية المتحكمة بالثروة والاقتصاد والأغلبية التي لا تملك سوف توثر في كل مشهد قادم.

في ظل الغموض الراهن لن تنجح الدول العربية الغنية في إنقاذ الفقيرة كما كان الوضع في السابق، ولن ينجح البنك الدولي في مساعدة الدول النامية العربية، وبطبيعة الحال سترتفع الديون وتتأثر العملات وتتوسع حالة الانكفاء في دول كثيرة.

إن رياحا جديدة ستهب في دول كثيرة أثبتت أنها غير مستعدة لمواجهة الغموض الراهن، هذه رياح ستؤسس لحراكات كثيرة في الشرق والغرب. إن الازمات الاقتصادية العاصفة والتي ستتحول لأزمات سياسية تخاطب حس العدالة تتشكل في ظل انتشار الغموض.

* د. شفيق ناظم الغبرا أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية