كورونا وآفاق عدم الاستقرار في مصر

الجمعة 24 أبريل 2020 10:47 ص

كورونا وآفاق اللااستقرار في مصر

السيسي معرّضا للغضب الشعبي بعد سيطرته على الدولة وتركيزه السلطة في يده باضطراد.

ينبغي على حكومة السيسي أن تقلق من التداعيات الاقتصادية للأزمة في المدى الطويل.

بالمدى الطويل ليس السيسي في مكانةٍ جيدة تجنّبه الغضب الشعبي لدى تفاقُم مشكلات الاقتصاد.

تعاني مصر هشاشة كبيرة إزاء صدمة كورونا الاقتصادية لاعتمادها الشديد على التمويل الخارجي والضغوط الواسعة على موازنتها.

لا يرجح أن يتحدى المصريون حكومتهم حاليا على خلفية أزمة كورونا لكن السيسي قد يواجه غضباً شعبياً بسبب تأثير الفيروس في المدى الطويل.

*     *     *

بقلم | رينو سينغ و سكوت ويليامسون

يستقطب القطاع السياحي الضخم في مصر عدداً كبيراً من الزوّار الأجانب، ولذلك كانت البلاد عرضةً، منذ بدء تفشي وباء "كوفيد 19"، لدخول أشخاص ربما يحملون الفيروس. وبعدما استخدمت الحكومة المصرية في البداية أسلوب الإنكار وقللت من شأن الأزمة التي كانت تلوح في الأفق، عادت فطبّقت سلسلة من السياسات الاحترازية التي ترمي إلى احتواء الفيروس.

تحمل السياسات التي تقيّد النشاط الاقتصادي خطر التسبب بصعوبات جمة للأعداد الكبيرة من المواطنين الفقراء في البلاد – ولكن هذه التحديات لن تفضي على الإرجح إلى ظهور معارضة جدّية للحكومة في المدى القصير إلى المتوسط.

والحال هو أن الأزمة، ورغم أثرها الاقتصادي السلبي، قد تساهم في تعزيز الدعم للسلطات. لكن في المدى الطويل، ليس الرئيس السيسي في مكانةٍ جيدة تخوّله تجنّب الغضب الشعبي في حال تفاقُم المشكلات الاقتصادية.

بلّغت مصر عن الإصابة الأولى بـ"كوفيد 19" على أراضيها في 14 شباط/فبراير 2020. وكانت الحكومة قد علّقت جميع الرحلات من الصين وإليها بحلول 27 كانون الثاني/يناير، ولكنها استغرقت حتى آذار/مارس لتطبيق مقاربة أكثر شمولاً.

لقد أقفلت الحكومة جميع المدارس والجامعات في 15 آذار/مارس، ووافقت المؤسسات الدينية في 21 آذار/مارس على وقف التجمعات الدينية كافة. وبحلول 24 آذار/مارس، فرضت السلطات حظر تجوال بين الساعة السابعة مساءً والسادسة صباحاً لمدة أسبوعَين، أُقفِلت خلالها معظم المتاجر ومراكز الخدمات والمقاهي والنوادي الرياضية والملاهي وحتى الخدمات الحكومية في المركز والمحافظات.

ومَن يخالف هذه الإجراءات يُعاقَب بتسديد غرامة مالية قدرها 4000 جنيه مصري (253 دولاراً أميركياً) أو حتى بالسجن. وقد طُبِّقت تدابير عدة في إطار مجهود يرمي إلى التصدي للأثر الاقتصادي للأزمة.

فمثلا، عمد البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة بنسبة ثلاثة في المئة، وحاولت الحكومة تدعيم البورصة من خلال ضخ مليارات الجنيهات، وتُقدّم أجهزة الدولة دعماً مالياً محدوداً للأسر ذات الدخل المتدنّي.

رغم هذه الخطوات، تواجه الحكومة عقبات تعترض المساعي الهادفة إلى التخفيف من أثر الجائحة. فمؤسساتها السياسية صُمِّمت لحماية مصالح نخبة عسكرية ضيّقة، وهي غير قادرة على الاستجابة على نحوٍ فعال لأزمة كبرى في مجال الصحة العامة.

المنظومة الصحية هشّة في أفضل الأحوال. إضافةً إلى ذلك، طبّقت الحكومة، في الأعوام الأخيرة، سلسلة من الإصلاحات المالية لخفض عجزها، ولكن هذه السياسات تسببت باستفحال الفقر في البلاد. فقد أشارت تقديرات البنك الدولي، في نيسان/أبريل 2019، إلى أن 60 في المئة من المصريين يعانون من الفقر أو الهشاشة.

سوف يُسدّد التراجع في القطاع السياحي وانخفاض التحويلات المالية بسبب "كوفيد 19" ضربة قوية لهؤلاء المصريين الفقراء. وسوف يزداد هذا التأثير سوءاً بسبب السياسات التي تحدّ من النشاط الاقتصادي في إطار إجراءات التباعد الاجتماعي.

رغم أن هذا الأثر الاقتصادي لا يزال في بدايته، تُظهر بعض المؤشرات تململاً واسعاً من السياسات الحكومية. فقد انتقد بعض المصريين الإجراءات الحكومية معتبرين أنها تلقي بعبء ثقيل على كاهل الفقراء، فيما اعتبر آخرون أن السلطات لم تبذل مجهوداً كافياً لاحتواء الفيروس.

لكن من غير المرجّح أن تولّد هذه المشاعر استياء واسعاً من الحكومة في المدى القريب. في الواقع، تشير بيانات الرأي العام في الأعوام الأخيرة إلى أن أغلبية المصريين تثق بأن مؤسسات الدولة هي الأكثر فعالية في التصدي للفيروس.

ففي استطلاع أُجري على صعيد البلاد في تشرين الأول/أكتوبر 2018، قال أكثر من 70 في المئة من المصريين إنهم يمحضون "ثقة كبيرة" أو "ثقة كبيرة إلى حد ما" للحكومة والرئيس السيسي. وقال نحو 90 في المئة من المستطلَعين الشيء نفسه عن الجيش الذي أدّى دوراً واضحاً في الإجراءات الحكومية.

في حين أن مخاوف المستطلَعين من التعرض للقمع تتسبب على الأرجح بتضخيم هذه الأرقام، وجدت الأبحاث حول هذه المشكلة مستويات مرتفعة أيضاً من التأييد للنظام.

قد لا تكون هذه الثقة مستحَقّة، إذ ثمة مؤشرات بأن السلطات قللت من شأن خطورة الوباء. في مطلع آذار/مارس، أشار فريق بحثي كندي إلى أن أعداد المصابين بكورونا في البلاد تُقدَّر بين 6000 و19310، في حين أن المسؤولين المصريين زعموا وجود ثلاث إصابات فقط في ذلك الوقت.

وبعدما أعدّت صحافية في صحيفة "الغارديان" تقريراً عن هذه الأعداد، عمدت السلطات المصرية إلى طردها سريعاً من البلاد.

وأعلنت الحكومة أيضاً عن نيّتها مقاضاة كل مَن يقوم بنشر "أخبار كاذبة" عن الجائحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وثمة تقارير عن حدوث اعتقالات على هذه الخلفية.

ليست هذه الممارسات القمعية بالأمر الجديد على الحكومة الشديدة السلطوية في مصر، لكنها تطرح تساؤلات بشأن ما إذا كانت السلطات تخفي شيئاً ما، على الرغم من أن الحكومة تقرّ الآن بوجود أكثر من 3000 إصابة في مختلف أنحاء البلاد.

قد يؤدّي غياب الشفافية إلى إضعاف قدرة الحكومة على احتواء الفيروس من خلال الحد من استعداد المصريين للالتزام بسياسات التباعد الاجتماعي. ولكنه يخدم أيضاً أهداف الحكومة، لأن عدداً كبيراً من المصريين غير قادر على الوصول إلى المعلومات التي تشكك في الاستجابة الحكومية.

فأكثر من نصف المصريين يحصلون على الأنباء من شاشات التلفزة والصحف. وهذه المعلومات تتحكّم بها السلطات إلى حد كبير، ويمكن أن تكون ذات فعالية في إقناع المصريين بآراء الحكومة.

نظراً إلى هذه المستويات المرتفعة من الثقة وإلى التحكّم بالمعلومات، غالب الظن أن الجمهور سيقبل بالإجراءات التقييدية لمكافحة "كوفيد 19" حتى لو كانت تتسبب بمشقات في المدى القصير. لا بل إن هذه الأزمة قد تؤدّي إلى زيادة الدعم للسلطات.

وقد لوحِظ ارتفاع معدلات التأييد في استطلاعات الرأي في بلدان أخرى حيث استفادت الحكومات والقادة السياسيون – الديمقراطيون والسلطويون على السواء – من إبداء الرأي العام قدراً أكبر من حسن النية خلال تفشّي الوباء.

ففي حين يرص الناس صفوفهم حول الراية الوطنية، قد تتراجع وتيرة الاحتجاجات أو غيرها من أشكال التململ في وجه الحكومة المصرية فيما تحاول احتواء الفيروس.

ولكن ينبغي على الحكومة أن تقلق من التداعيات الاقتصادية للأزمة في المدى الطويل. وفقاً لصندوق النقد الدولي، تعاني مصر من هشاشة كبيرة إزاء الصدمة الاقتصادية التي يتسبب بها وباء "كوفيد 19" بسبب اعتمادها الشديد على المموّلين الخارجيين والضغوط الواسعة على موازنتها.

إذا استمرت الأزمة لأشهر عدة وترتبت عنها تكاليف متزايدة، فمن الممكن أن تتلاشى الاندفاعة التي حصلت عليها الحكومة من استجابتها الأولية فتخسر الدعم الشعبي لها.

في هذه الظروف، سيكون الرئيس السيسي معرّضاً على وجه الخصوص لسهام الغضب الشعبي. فقد عمد منذ سيطرته على المنظومة السياسية في عام 2013، إلى تركيز السلطة في يدَيه على نحوٍ مطرد. في العادة، يكون الحكّام الديكتاتوريون ذوو الصلاحيات المشخصنة أكثر عرضةً للوم عندما تتخبط بلدانهم في الصعوبات.

في الواقع، يكتسب السيسي سلطة متعاظمة خلال الأزمة. فقد وافقت لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس النواب مؤخراً على إجراء تعديلات في قانون الطوارئ لمنح الرئيس مجموعة من الصلاحيات الجديدة في مجالَي الصحة العامة والاقتصاد.

وتشمل هذه الصلاحيات القدرة على تعليق العام الدراسي، وإغلاق الأجهزة الحكومية، ووقف تسديد فواتير المرافق والخدمات العامة، وتوزيع النقود على الأفراد والعائلات، وتأجيل تسديد الضرائب، وتقديم الدعم المالي للقطاعات الاقتصادية المأزومة.

يتيح العديد من هذه الصلاحيات للرئيس السيسي أن يتبنى لنفسه الفضل في إجراءات الإغاثة الاقتصادية التي تُشكّل حاجة ماسة في الأشهر المقبلة والتي من شأنها أن تلقى دعماً شعبياً.

لكن إذا تبيّن في نهاية المطاف أن هذه الإجراءات غير كافية وإذا أصيب عدد كبير من المصريين بالغضب والإحباط بسبب عدم تقديم الدولة المساعدات المناسبة لهم، فالرابط المباشر بين الرئيس وتطبيق هذه السياسات قد يؤدّي إلى تقويض الدعم الشعبي له في المدى الطويل.

* د. رينو سينغ باحث في السياسات العلمية والصحية بمعهد أونيل لقوانين الصحة الوطنية والعالمية في مركز جورجتاون للقانون.

** د. سكوت ويليامسون باحث في أنظمة الشرق الأوسط السلطوية والهجرة بجامعة نيويورك أبوظبي.

المصدر | مركز كارنيغي للشرق الأوسط

  كلمات مفتاحية