العراق.. هكذا تتحول الحقائب الوزارية إلى وصفة للشلل الحكومي

الجمعة 24 أبريل 2020 06:36 م

يعتبر "مصطفى الكاظمي" مرشحا فوق العادة لرئاسة الوزراء في العراق لما يمتلكه من درجة قبول لدى النخب الحاكمة. لكن "الكاظمي" يجد نفسه مضطرا لتقديم بعض التنازلات الخاصة به لتلبية المطالب المتضاربة لمؤيديه في البرلمان والحصول بالتالي على تصويت بالثقة.

فكيف يوفق "الكاظمي" بين تلك المطالب المتضاربة؟ حسنا، يظهر مسح لمصادر باللغتين الفارسية والعربية أنه بدلا من الانخراط في محاولات غير مجدية للتوفيق بين المطالب التي لا يمكن التوفيق بينها، سيستخدم "الكاظمي" تشكيل الحكومة بشكل يجعل المساهمين المتنافسين في الكتل المختلفة يتنافسون على بقائه السياسي.

وقد تنجح استراتيجية "الكاظمي" وتحصل حكومته على تصويت بالثقة، ولكن بدون اتفاق على السياسة التي ستتبعها تلك الحكومة فإنه يخاطر بشلل حكومي.

وعندما جرى ترشيح "الكاظمي" في 9 أبريل/نيسان، قال: "الأسلحة من صلاحيات الدولة والدولة فقط". وربما كان هذا القول محاولة لتلبية مطلب واشنطن بإخضاع الميليشيات الشيعية لسيطرة الحكومة الحقيقية وليس النظرية.

ومع ذلك، في الجملة التالية، أدرج "الكاظمي" قوات الحشد الشعبي والبشمركة الكردية العراقية كمجموعات يمكنها حمل السلاح.

وكان تضمين الحشد الشعبي والبشمركة في حد ذاته اعتراف بالواقع وخطوة لضمان دعم جماعتين سياسيتين قويتين لترشيحه.

وفي نفس الوقت الذي التقى فيه "الكاظمي" بالصحافة، قال "سعد السعدي"، عضو المكتب السياسي لـ"عصائب أهل الحق"، إن برلمانيي الميليشيا اشترطوا لدعمهم حكومة "الكاظمي" استعداده "لتنفيذ القرار البرلماني بطرد أفراد الجيش الأمريكي من العراق". وادعى "السعدي" كذلك أن "الكاظمي" قبل هذا الشرط. وأكد "محمد الغبان"، رئيس الكتلة البرلمانية لتحالف "فتح"، رواية "السعدي".

وبشكل ملحوظ، يبدو أن "الكاظمي" قبل أيضا الشرط المعاكس الذي يطالب باستمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق.

وفي 16 أبريل/نيسان، كشف "ساركو آزاد جولالي" من برلمان إقليم كردستان أنه قبل ترشيحه، شارك "الكاظمي" في مفاوضات مكثفة مع رئيس حكومة إقليم كردستان "نيجيرفان بارزاني" من الحزب الديمقراطي الكردستاني، و"لاهور طالباني"، الزعيم المشارك للاتحاد الوطني لكردستان.

وبحسب "جولالي"، أعرب القادة الأكراد عن معارضتهم لانسحاب الجيش الأمريكي من العراق، قائلين: "يعتقد الأكراد أن الولايات المتحدة هي زعيم التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. وفي الوقت الذي لا يزال فيه خطر التنظيم موجودا في أجزاء معينة من العراق وإقليم كردستان، يجب الحفاظ على التحالف".

ولن يكون "الكاظمي" قادرا على التوفيق بين المطالب الأساسية التي لا يمكن التوفيق بينها فيما يتعلق باحتكار الحكومة للأسلحة، أو تلك الخاصة بممثلي الميليشيات الشيعية وحكومة إقليم كردستان بشأن الوجود العسكري الأمريكي في العراق.

لذلك يبدو أن "الكاظمي" سيحاول استخدام الحقائب الوزارية بشكل يضمن منح البرلمان الثقة لهذه الحكومة، ولكن ذلك قد يعني تشكيلة حكومية متناقضة.

وفي 13 أبريل/نيسان، نقلت شبكة الأخبار الكردية، "روداو"، عن مصدر لم تذكر اسمه، أن "هادي العامري" من تحالف "فتح" استضاف مجموعة من القادة السياسيين الشيعة، بمن فيهم "عمار الحكيم" من تيار الحكمة، ورئيس الوزراء السابق "حيدر العبادي" من تحالف النصر، و"نصار الربيعي" من التيار الصدري "سائرون".

ويزعم المصدر أن الجميع اتفقوا على منح "الكاظمي" الحرية لتشكيل حكومة "تحترم توازن القوى بين الجماعات السياسية".

وحث أعضاء من "سائرون" وأعضاء آخرين في الكتل الشيعية منذ ذلك الحين البرلمانيين السنة والأكراد على أن يحذوا حذوهم بدلا من المطالبة بالحصص.

وبحلول 16 أبريل/نيسان، كان واضحا أن الأحزاب الشيعية لم تكن تمنح "الكاظمي" الحرية لتشكيل الحكومة، لكنها حاولت بالفعل التفاوض بشأن حصتها في الحكومة.

وبحسب "رياض التميمي" من تحالف "النصر"، سيحصل كل من "سائرون" وتحالف "فتح" على 3 مناصب وزارية. وسيتم عرض منصبين وزاريين على "النصر"، في حين سيحصل كل من "دولة القانون" وتيار "الحكمة" على منصب واحد.

وكشف "فرهاد علاء الدين"، المستشار السياسي السابق للرئيس "برهم صالح"، في تحليله للتطورات السياسية في بغداد، في 19 أبريل/نيسان، أن "سائرون" و"فتح" يطالبان بتعيين وزراء بأنفسهم ليمثلوا حصتهم في الحكومة.

وبحسب "حنين القدو" من تحالف "الفتح"، فإن الفصيل السني يطالب بـ6 مناصب وزارية. كما زعم "القدو" أن الجماعات الكردية "تطالب بمطالب تقوض حرية عمل رئيس الوزراء المكلف".

ومن غير المعروف ما هي تلك المطالب، ولكن في 16 أبريل/نيسان، قال "عماد باجلان"، من الحزب الديمقراطي الكردستاني، إن "الكاظمي" اختار وزراء حكومته الأكراد بالتشاور مع السلطات القانونية لحكومة إقليم كردستان.

وأشار رئيس حكومة إقليم كردستان، في خطاب ألقاه في 19 أبريل/نيسان، إلى أن وفدا يمثل الأحزاب الكردية سيسافر إلى بغداد للتفاوض على التصويت الكردي لحكومة "الكاظمي" ومطالب إقليم كردستان.

وتقول "عالية نصيف"، عضو البرلمان عن "ائتلاف دولة القانون"، إن "الكاظمي" استجاب لهذا المطلب، وأن كل حزب، كردي أو غيره، سيرشح مرشحيه لمجلس الوزراء.

لكن "بارزاني" قال إنه يفهم أن "توزيع الوزارات على الأكراد سيكون كما هو، لكننا لسنا متأكدين من الوزراء".

وتقول بعض التقارير الصحفية إن "الكاظمي" سيضطر إلى قبول مزيج عرقي تقليدي لحكومته من أجل كسب التصويت بالثقة في البرلمان.

ووفقا لهذه التقارير، فإن وزراء "الكاظمي" الـ 22 المحتملين سوف يتكونون من 11 شيعيا، و6 سنّة، و4 أكراد، ووزير واحد إما تركماني أو مسيحي.

ونشرت بعض وسائل الإعلام باللغة الفارسية، نقلا عن مواقع عراقية، قائمة كاملة مفترضة لوزراء الحكومة، في 16 أبريل/نيسان.

ومع ذلك، لم تكن هذه القائمة سوى واحدة من العديد من القوائم المتداولة في الدوائر السياسية العراقية، كما نقل التقرير باللغة الفارسية عن مصادر من مكتب رئيس الوزراء وصف "الكاظمي" للقائمة بأنها مجرد "تكهنات".

وبينما ينخرط البرلمانيون العراقيون في حملة إعلامية متواصلة لتشكيل الرأي العام، وربما يؤثرون على تكوين الحكومة، فإن "الكاظمي" نفسه يدلي ببعض التصريحات العلنية.

فبعد كل شيء، شغل "الكاظمي" منصب مدير وكالة المخابرات الوطنية العراقية، وقد يكون أكثر راحة في التفاوض خلف الأبواب المغلقة.

وفي 18 أبريل/نيسان، غرد "الكاظمي" بأن تشكيل الحكومة جاري ويتقدم بشكل إيجابي. وزعم أنه تمكن من التوصل إلى اتفاق مع الجماعات الشيعية والسنية حول اختيار المرشحين لمجلس الوزراء، وهو الآن بانتظار رد من الأحزاب الكردية.

وقد يحرز "الكاظمي" بالفعل تقدما في تشكيل حكومته، وقد يمنحه البرلمان تصويت الثقة الذي يطمح إليه الكثيرون.

ومع ذلك، من خلال تجاهل الخلافات السياسية الأساسية بين الكتل البرلمانية ووزرائه، خاصة إذا تم فرض بعض الأمور أو كلها عليه، فإن رئيس الوزراء المكلف يخاطر برئاسة حكومة مشلولة.

المصدر | علي آلفونه - معهد دول الخليج في واشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تشكيل الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي الميليشيات العراقية

مهمة الكاظمي المستحيلة بين مصالح العراق وضغوط طهران وواشنطن