فورين أفيرز: حانت لحظة المساءلة حول فيروس كورونا

السبت 25 أبريل 2020 06:12 م

تتعرض الاستجابة العالمية لجائحة "كورونا" للعرقلة الآن بسبب أزمة في الأولويات، فالولايات المتحدة وأستراليا تريدان المساءلة والحساب الآن، فيما يخص نشأة الفيروس ومحاولات الصين الأولية للتستر على تفشي المرض، والتعامل المثير للجدل لمنظمة الصحة العالمية إزاء الوباء.

قرر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" حجب التمويل عن منظمة الصحة العالمية التي تعاني بالفعل من نقص في الموارد، بانتظار مراجعة سلوك المنظمة التابعة للأمم المتحدة خلال الأزمة.

وهذا الأسبوع، عرقلت إدارة "ترامب" التزامًا مشتركًا من قبل مجموعة العشرين لتعزيز تفويض منظمة الصحة العالمية ودعمها بموارد إضافية لتنسيق المعركة الدولية ضد المرض.

خلاف حول وقت المساءلة

أما الصين والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية فيفضلون المساءلة لاحقًا.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريس" في بيان يوم 14 أبريل/نيسان: "بمجرد أن نقلب صفحة هذا الوباء، سيكون هناك وقت للنظر إلى الوراء لفهم كيف ظهر هذا المرض ونشر دماره بسرعة كبيرة في جميع أنحاء العالم، وكيف كان رد فعل جميع المعنيين بالأزمة".

رددت وزارة الخارجية الصينية هذا الكلام بعد بضعة أيام، حيث غردت بأن "الدول التي تواجه جائحة يجب أن تساعد بعضها البعض في التضامن والتنسيق بدلاً من توجيه أصابع الاتهام أو محاسبة أي طرف"

رحب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم غيبريسوس" بمراجعة أداء المنظمة "في الوقت المناسب" لكنه شدد على أن التركيز الآن يجب أن يكون على البقاء متوحدين وإنقاذ الأرواح ووقف "كوفيد-19".

تأخير التحقيق خاطئ

يجب أن يكون وقف الجائحة التي تجتاح معظم العالم على رأس أولويات الجميع، ولكن تأخير مراجعة مستقلة للاستجابات الوطنية والدولية لن يبطئ انتشار المرض.

إن تأخير بدء مثل هذا التحقيق سيحرم فقط منظمة الصحة العالمية والدول الأعضاء فيها من ردود الفعل القيمة التي يمكن أن تساعدهم على تحسين استجاباتهم وإنقاذ الأرواح.

سيؤدي التأخير أيضًا إلى إعاقة التعاون الدولي في مجموعة الدول السبع ومجموعة الدول العشرين والمؤسسات العالمية الأخرى التي يحتاج العالم لجهودها في تصنيع أدوية ولقاحات لـ"كورونا"، كما سيعيق رفع حظر التصدير، كما سيؤدي إلى مزيد من الاضطرابات في سلسلة التوريد العالمية للكمامات ومعدات الحماية الشخصية، وفي نهاية المطاف، سيعرقل نمو الاقتصاد العالمي مرة أخرى.

من دون مراجعة مستقلة ذات مصداقية، من المرجح أن تنظم الدول تحقيقاتها الخاصة بشكل منفرد، الأمر الذي قد يزيد من تسييس الجائحة ويزيد من التوترات الدولية.

قد يكون الهدف من هجوم "ترامب" على منظمة الصحة العالمية والصين هو صرف الانتباه عن استجابة إدارته الكارثية تجاه الجائحة، لكن الجمهوريين المعتدلين وحتى بعض الديمقراطيين رددوا بعض أوجه انتقاده.

كما وجد بعض قادة الدول أخطاء في الاستجابة الدولية لفيروس" كورونا" واستجابة منظمة الصحة العالمية على وجه الخصوص.

فقد استشهد نائب رئيس الوزراء الياباني "تارو أسو" بما وصفه بالعلاقة الحميمة المفرطة لمنظمة الصحة العالمية مع بكين، وأطلق عليها اسم "منظمة الصحة الصينية".

يزعم منتقدون آخرون أن منظمة الصحة العالمية كانت شديدة الاحترام للصين في الأيام الأولى من تفشي المرض وفشلت في تنبيه العالم بالسرعة المطلوبة، وهذه المزاعم محل جدل، لكنها مستمرة.

انضمت أستراليا، على سبيل المثال، إلى الولايات المتحدة في الدعوة إلى إجراء تحقيق مستقل في أصل الفيروس وانتشاره، بما في ذلك ما فعلته منظمة الصحة العالمية لوقفه.

ومع ذلك، فقد كشف الوباء عن مشاكل تمتد إلى ما هو أبعد من الصين ومنظمة الصحة العالمية. أظهرت العديد من الدول، بما في ذلك البلدان ذات الدخل المرتفع، مثل إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة، افتقارًا مذهلاً في الاستعداد لانتشار مرض على نطاق "كوفيد-19".

لا يمكن إلقاء اللوم على منظمة الصحة العالمية في هذه الإخفاقات.

ساهم مستوى الاستعداد المتدني في القرارات السياسية والصحية العامة الضارة، بما في ذلك فرض حظر سفر مثير للجدل وقيود على الصادرات بسبب الإمدادات الطبية النادرة.

لقد تحول تركيز الدول الغنية إلى الداخل وقاتلت بعضها البعض من أجل الموارد، تاركة الدول الأكثر فقراً لتدبر أمرها. وبينما سيتسبب الوباء في خسائر فادحة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل في الأسابيع المقبلة، فإن أوجه القصور في أنظمة الصحة ستتضح بشكل كامل ومؤلم لاحقا.

التقييم أثبت فعاليته سابقًا

بدلاً من أن تسمح الدول والمنظمات الدولية للجائحة بتقسيمها، يتعين عليها أن تتحد لمواجهة الفيروس التاجي وإحياء الاقتصاد العالمي.

سيتطلب القيام بذلك استراتيجية سياسية تفي بالمتطلبات الملحة للصحة العامة لمكافحة الجائحة وتبدأ بالتقييم المطلوب للأزمة الحالية.

ينبغي أن تؤدي الاستراتيجية المتضافرة إلى إنهاء هذه الجائحة وإعداد العالم بشكل أفضل لمواجهة الوباء التالي، على مستوى الدول والمنظمات الدولية.

وتحقيقا لهذه الغاية، ينبغي للأمين العام للأمم المتحدة أن ينشئ -بدعم من المنظمات الإقليمية الرئيسية مثل الاتحاد الأفريقي ورابطة أمم جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي- مراجعة مؤقتة ومستقلة لاستجابة "كورونا"، ويجب أن يكون الهدف هو ترسيخ الحقائق للمساعدة في مكافحة هذا المرض والأمراض المستقبلية.

أثبتت التقييمات المرحلية فائدتها خلال الفاشيات السابقة.

فقد كان أداء منظمة الصحة العالمية في الأيام الأولى لتفشي فيروس إيبولا عام 2014 في غرب أفريقيا كارثياً، لكن الدول الأعضاء لم تتخلى عن المنظمة أو تلغي تمويلها؛ وخلصوا بشكل صائب إلى أن وظائف الطوارئ للمنظمة بحاجة إلى تقييم وإصلاح وتعزيز وليس إلى تقويض.

حتى مع استمرار تفشي فيروس إيبولا، تبنت الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية قرارًا بإنشاء لجنة تقييم من الخبراء الخارجيين المستقلين.

حققت اللجنة في جميع جوانب استجابة منظمة الصحة العالمية للفاشية، بما في ذلك امتثال الدول الأعضاء للوائح الصحية الدولية، والمعاهدة التي تحكم الوقاية من الجائحة، والكشف عنها، والاستجابة لها.

أدى التقييم المؤقت الذي أجرته اللجنة لاستجابة فيروس إيبولا لإجراء إصلاح تنظيمي كبير في منظمة الصحة العالمية؛ فقد أنشأت المنظمة "برنامج الطوارئ الصحية"، مما عزز قدراتها العلمية والطبية والصحية العامة تحسبا لتفشي الأمراض المعدية الخطيرة.

وبسبب هذه الإصلاحات، أصبحت استجابة منظمة الصحة العالمية لـ"كورونا" أفضل مما كان يمكن أن تكون؛ وتقدم المنظمة حاليًا المشورة لوزارات الصحة من خلال مكاتبها في كل دولة كما تقوم بتزويد الدول ذات الدخل المنخفض بأدوات اختبار وأقنعة ومعدات الحماية الشخصية.

كما تقوم المنظمة، عند الحاجة، بإرسال أطباء وعلماء إلى الدول ذات النظم الصحية الضعيفة لمساعدتهم على السيطرة على الفيروس.

يمكن أن يساعد التقييم المؤقت لاستجابة جائحة "كوفيد-19" منظمة الصحة العالمية والحكومات الوطنية على إجراء تعديلات مهمة مباشرة.

أهمية استقلال التحقيق

ولكن لا ينبغي لمنظمة الصحة العالمية تنظيم المراجعة تعيق المخاوف بشأن استقلالية المنظمة وقدرتها على تقييم استجابات الدول، بما أنها منظمة تقودها الدول الأعضاء.

لهذا السبب، ينبغي أن يأذن الأمين العام للأمم المتحدة بإجراء مراجعة من قبل لجنة مستقلة رفيعة المستوى من الخبراء الخارجيين.

يجب أن تبدأ هذه اللجنة العمل في أقرب وقت ممكن حتى تؤدي الدروس وأفضل الممارسات التي تحددها إلى إرشاد العالم للاستجابة المثلى تجاه الفيروس التاجي.

وينبغي أن يعين الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثًا خاصًا لـ"كوفيد-19" لدعم عمل اللجنة مع المؤسسات والدول، كما يجب على المبعوث أن يقدم تقريراً إلى الأمين العام، وليس منظمة الصحة العالمية، خلال عمله مع الحكومات، وحله للمشاكل، وتقديمه للمعلومات والنصائح إلى اللجنة.

وأخيرًا، يجب على لجنة استشارية علمية رفيعة دعم الفريق بأوراق علمية منشورة حول المسائل الفنية.

وقد لا تكون عملية المراجعة المستقلة الموثوقة والمستندة إلى العلم كافية لإقناع جميع الحكومات وقادتها بإعطاء الأولوية لهزيمة الفيروس التاجي بسبب ميلهم لتسجيل نقاط سياسية.

لكن مثل هذه المراجعة يمكن أن تحسن الاستجابة للوباء الآن وفي المستقبل، كما يمكنها أن تجبر الدول التي تهاجم منظمة الصحة العالمية حاليًا على دعم خطابها بمقترحات إصلاحية ذات مصداقية.

وفي نهاية المطاف؛ لا يوجد وقت أنسب من الآن لبدء عمل عالمي منسق.

المصدر | توماس بوليكي و ديفيد فيدلر - فورين أفيرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا خسائر كورونا مكافحة كورونا منظمة الصحة العالمية

ماذا يعني تجميد التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية؟