بروكنجز: كورونا فرصة للميليشيات والجهات غير الحكومية بالشرق الأوسط

الاثنين 27 أبريل 2020 05:04 م

كان هذا أسوأ وقت يمكن أن تحل فيه جائحة "كورونا" بالنسبة للشرق الأوسط؛ فمنذ أن ضمن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الهزيمة الإقليمية لتنظيم "الدولة الإسلامية" قبل 3 سنوات، لا تزال المنطقة تكافح من أجل تحقيق سلام دائم.

لا يزال جزء كبير من المنطقة غارقًا في الصراع الدائر، حيث لم تنته الحرب الأهلية في سوريا، بينما تغرق ليبيا واليمن في حروب بالوكالة أسفرت عن أزمات إنسانية لا توصف.

لا يمكن التقليل من التكلفة الإنسانية لهذه الصراعات المستمرة، حيث قتل مئات الآلاف وتم تشريد الملايين، وتم إجبار أعداد أكبر على العيش في حالة من البؤس.

أدت الحرب في سوريا إلى تشريد أكثر من 12 مليون شخص (نصف سكانها) داخليًا وخارجيًا، وقد شُرد ما مجموعه 6.5 مليون آخرين داخلياً في العراق واليمن، أما في ليبيا؛ فقد نزح أكثر من 435 ألف شخص.

وتستمر الإحصائيات المذهلة؛ حيث يحتاج حوالي 11 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية في سوريا، وفي اليمن 24 مليوناً؛ وفي ليبيا 2.4 مليون؛ وفي العراق 4.1 مليون.

يواجه الشرق الأوسط لحظة صعبة، سيكون لها تداعيات وستزعزع استقرار الدول التي تمكنت من إبقاء الصراعات خارج حدودها.

وبالنسبة للبلاد التي تضاءلت فيها قدرة الدولة بشدة أو انعدمت، فيمكن أن تكون تداعيات "كوفيد-19" حاسمة، حيث يمثل الوباء فرصة للميليشيات والجهات الفاعلة من غير الدول الذين ملؤوا فراغات الحكم لتقديم الخدمات للمجتمعات المحلية.

وسيكون تأثير الجائحة أشد في هذه البلدان التي ضربتها الصراعات، ففي ليبيا وسوريا واليمن، تم استهداف المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية بشكل مباشر من قبل الفصائل المتحاربة ورعاتهم الخارجيين، كما خاضت النخب السياسية والميليشيات والقوى الخارجية معركة شديدة على الموارد والأراضي.

لن تدفع الجائحة هذه الصراعات نحو السلام، بل إنها ستضاعف الصراع أكثر مع محاولة الأطراف المتصارعة استغلال الجائحة للسيطرة على المزيد من الأراضي والموارد.

تعد هذه الأزمة فرصة لتعزيز سمعتهم، ومضاعفة الصراعات التي تجتاح المنطقة، وتعزيز مواقفهم.

الصراعات عبر المنطقة

أشار الباحث في شؤون الشرق الأوسط "فريدريك ويري" وآخرون، إلى أن الوباء قدم دفعة للميليشيات في ليبيا، وأتاح لهم فرصة لتوجيه المساعدة الطبية لمقاتليهم واستغلال الأزمة لمكافأة وتعزيز شبكات المحسوبية.

ومما يثير القلق، أن المستشفيات الليبية تُستهدف بشكل روتيني بهجمات الصواريخ، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع.

في اليمن، اقتحمت الميليشيات الموالية للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات ميناء عدن الجنوبي وسرقت المساعدات الطبية التي تبرعت بها منظمة الصحة العالمية، بما في ذلك 9 سيارات إسعاف متجهة إلى وزارة الصحة.

تضمن الصراع في اليمن هجمات عشوائية دمرت المرافق الطبية وإمدادات المياه، ما ساهم فيما وصفه المجتمع الدولي بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم.

وفي لبنان، عزز "حزب الله" مكانته كبديل للدولة اللبنانية من خلال حشد ما يقرب من 5 آلاف طبيب ومقدم للرعاية الصحية وممرض لمكافحة الوباء.

وفي العراق؛ كثف تنظيم "الدولة الإسلامية" هجماته على قرى شمال العراق وتحرك لاستغلال الأزمات المتزايدة في بغداد؛ والتي تتراوح بين التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، وتدهور أسعار النفط، والاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.

وخلال أزمة صحة عامة مثل هذه، يمكن لتنظيم "الدولة الإسلامية" إحياء نفسه وتوسيع نفوذه من خلال تلبية احتياجات المجتمعات المحلية بطرق لم تفعلها السلطات الرسمية، إذ يسمح فشل بغداد للتنظيم بتقديم نفسه كبديل عمليّ.

وإلى جانب حملة التنظيم الحالية، فإن الأوضاع توفر له بنية تحتية من النفوذ تمكنه من إنشاء منصة انطلاق يمكن من خلالها الاستيلاء على البلدات والمدن بذات الطريقة التي اتبعها في يونيو/حزيران 2014.

وفي سوريا، حطمت الحرب الأهلية الهياكل الحاكمة الرسمية، واتجه نظام "الأسد" وروسيا إلى تدمير المستشفيات منذ بداية النزاع الذي استمر 9 سنوات.

تعد سوريا في الواقع 3 دول: الأراضي التي يسيطر عليها النظام، والشمال الشرقي الكردي، وإدلب في الشمال الغربي، والتي لديها 1.4 طبيب لكل 10 آلاف شخص و100 جهاز تنفس صناعي فقط.

ويزيد "كوفيد-19" من احتمالات حدوث موجة أخرى من اللاجئين تضغط على قدرات الدول المجاورة مثل تركيا و لبنان لتلبية الاحتياجات الإنسانية لهؤلاء اللاجئين.

كما يفرض الوباء ضغطًا متزايدًا على الجماعات المتحالفة مع الغرب مثل "قوات سوريا الديمقراطية" التي يسيطر عليها الأكراد، والتي يعتمد عليها الغرب في مواصلة العمليات القتالية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وإدارة السجون التي تضم مقاتلي التنظيم.

كما تستضيف "قوات سوريا الديمقراطية" مخيمات تضم الآلاف، بمن فيهم عائلات عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية".

سوف يتفاقم الدمار الإنساني في سوريا إذا لم تتبن هذه الجيوب استجابة جماعية للجائحة، حيث يجب على الجهات الفاعلة على الأرض الامتناع عن استهداف خطوط الإمداد وإفساح مساحة للمساعدة الخارجية.

وفي غضون ذلك، رفض نظام "الأسد" وصول الدعم الذي يتلقاه من منظمة الصحة العالمية إلى المناطق التي لا يسيطر عليها النظام.

معنى الوباء للسلطات الرسمية وغير الرسمية

لا يبشر "كوفيد-19" بالخير للسلطات الرسمية والتقليدية التي حاولت احتواء نفوذ وشرعية الميليشيات، وكانت النخب السياسية تعاني سابقًا من محدودية نفوذها وهي تتصارع حاليًا مع التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي دفعت بالفعل دول المنطقة والمواطنين إلى الهاوية.

فلبنان مثلًا يقف على حافة الإفلاس ويواجه مستويات عالية من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، في حين يواجه العراق (حيث تلقت وزارة الصحة 2.5% فقط من ميزانية الدولة البالغة 106 مليارات دولار) انتفاخًا حادًا في شريحة الشباب وتدهورًا اقتصاديًا مع بنية تحتية متهاوية.

وسط هذا، يمكن لأزمات مثل "كوفيد-19" أن تتيح للسلطات غير الرسمية مثل الميليشيات والجهات الفاعلة الأخرى فرصة إظهار السلطة الصريحة من خلال إظهار أنه يمكنهم القيام بعمل أفضل، ليضربوا في صميم شرعية السلطات الرسمية.

من ناحية أخرى، فإن شرعية الجماعات المسلحة لن تكون في خطر إذا فشلت في ابتكار رد فعل احتوائي، بعكس مؤسسات الدولة المطالبة بتنفيذ استراتيجية احتواء فعالة.

ويعد اليائسون -خاصة الشباب- أكثر عرضة للانضمام إلى الميليشيات أو الجماعات المسلحة التي يمكن أن توفر درجة من الراحة.

ويكمن التحدي الذي يواجه صانعي السياسات في جميع أنحاء العالم في تطوير استجابة تركز على الوباء، ومعالجة أوجه القصور في الحوكمة.

ويجب على القادة العمل على الحد من إمكانية ظهور الجائحة مرة أخرى وقمع آثارها طويلة المدى على تحديات الحوكمة الحالية.

ولكن في المقام الأول؛ يجب أن يكون هناك جهد متضافر لضمان وصول المجتمعات المحلية -خاصة الفئات الضعيفة- إلى المرافق الطبية وإمدادات المياه، ما يسمح بالممارسات الصحية الأساسية مثل غسل اليدين.

ويجب أن يكون الدعم الدولي أثناء الوباء مشروطًا حتى لا يتم استغلاله كسلاح في الصراع، كما يجب ألا يميز بين المجتمعات المختلفة.

أما إذا حدث خلاف ذلك، فقد تعزز الإمدادات الطبية للجهات الحكومية وغير الحكومية ديناميكيات الصراع، وتكافئ بعض شرائح المجتمع وتعاقب الآخرين.

المصدر | رانج علاء الدين | بروكنجز - ترجمة و تحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا تداعيات كورونا منطقة الشرق الأوسط المليشيات

صندوق النقد: أثر كورونا بالشرق الأوسط سيفوق أزمة 2008

ناشيونال إنترست: وباء كورونا سيزيد خطورة الأوضاع بالشرق الأوسط

و.س.جورنال: هكذا يستغل وكلاء إيران كورونا لتعزيز شعبيتهم