الحرب القذرة.. تفاصيل خطة الإمارات لاختراق الإعلام المغربي

الأربعاء 29 أبريل 2020 05:18 م

أزمة مكتومة تدور فصولها بين الرباط وأبوظبي منذ أكثر من عام، وصعدت إلى السطح في مارس/آذار الماضي، مع قيام الرباط بسحب سفيرها وقنصلَيها في أبوظبي ودبي، بعد نحو عام من امتناع الإمارات عن تعيين سفير لها في العاصمة المغربية، ما قدم مؤشرا على عمق التوتر بين الدولتين.

ومنذ اندلاع الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017، حين قطعت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، تشهد العلاقات المغربية الإماراتية فتورا وتوترا غير مسبوقين، امتد إلى علاقة الرباط مع الرياض أيضا، وبدا ذلك جليا حين صوتت السعودية ضد استضافة المغرب مونديال 2026.

لكن هذا الفتور في العلاقات وصل إلى حد الاضطراب، بعدما أشيع عن رفض ملك المغرب "محمد السادس" استقبال ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" خلال جولة أفريقية له أعقبت جريمة اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" على يد عملاء حكوميين داخل القنصلية السعودية بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قبل أن يعلن المغرب انسحابه من الحرب التي تقودها الرياض وأبوظبي في اليمن.

ويرتبط التوتر بين الرباط وبين أبوظبي والرياض أيضا بالمواقف المتباينة للطرفين حول ليبيا، إذ ينظر المغرب بريبة إلى الجنرال المتقاعد "خليفة حفتر" الذي تقاتل قواته ضد حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، حيث ترى الرباط "حفتر" مجرد وكيل لأبوظبي، وفي أفضل الأحوال فإنها تعتبره جزءا من تحالف مصري إماراتي سعودي، يريد مد نفوذه في المغرب العربي.

وترى الرباط أن ارتهان "حفتر" للقرار الإماراتي من شأنه أن يقوض اتفاق الصخيرات بين أطراف الأزمة الليبية الذي رعاه للمغرب، وهو ما بدأت بوادره بالفعل في أبريل/نيسان 2019 حين قرر "حفتر" شن حملة عسكرية على العاصة طرابلس، قبل أن يعلن مؤخرا في كلمة متلفزة إسقاط الاتفاق بشكل نهائي وإعلان نفسه حاكما لليبيا بشكل أحادي.

وبالنظر إلى تحالف "حفتر" مع بعض النخب الموالية للزعيم الليبي الراحل "معمر القذافي" من الداعمين البوليساريو الراغبة في انفصال الصحراء عن المغرب، فإن الدعم الإماراتي للجنرال المتقاعد وقواته العسكرية بات قضية تمس الأمني القومي المغربي.

في المقابل، تشعر الإمارات بالغضب تجاه المغرب بسبب التزامها الحياد تجاه أزمة حصار قطر، وهو ما دفع أبوظبي للامتناع عن تسمية سفير في المغرب لمدة عام كامل، تصرف ردت عليه الرباط أخيرا بسحب سفيرها في الإمارات وقنصليها في أبوظبي ودبي، قبل أن تقوم بإفراغ سفارتها من جميع المستشارين وتقليل تمثيلها الدبلوماسي في الإمارات، وفقا لما أورده موقع "برلمان كوم" المقرب من السلطات المغربية.

هسبريس وسكاي نيوز

وكما يبدو، فإن هذا التوتر بين الرباط وأبوظبي قد امتدت آثاره إلى الساحة الإعلامية،بعدما قررت الإمارات استثمار قوتها الناعمة وجيوبها المالية العميقة لاختراق الإعلام المغربي، والتحرش بالمغرب وحكومته إعلاميا من خلال استراتيجية خماسية الأركان.

باديء ذي بدء، وظفت أبوظبي وسائل الإعلام التي تبث من الإمارات، وسخرتها للهجوم على المغرب و"التحرش" بقضاياه القومية، وعلى رأسها قضية الصحراء.

وكان لافتا، في هذا الإطار، إظهار قناة العربية (سعودية تبث من دبي) خريطة للمغرب بدون الصحراء، وهو ما دفع الرباط لاستدعاء سفيرها في الرياض للتشاور.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، لكن التحرش الإعلامي الإماراتي السعودي بالمغرب امتد إلى تغطية انتشار فيروس كورونا، حيث زعمت قناة العربية في تغطية لها إن الفيروس تسبب في مئات الوفيات في المغرب، في حين أن الحصيلة الرسمية التي أعلنتها وزارة الصحة المغربية حتى مساء الثلاثاء 28 أبريل/نيسان بلغت 163 حالة وفاة فقط.

أما الركن الثاني في الاستراتيجية الإعلامية الإماراتية الهادفة لحصار المغرب، فتمثل في نشاط الإمارات المكثف لتأسيس أو "شراء" وسائل إعلام ذات حضور وتأثير في المجتمع المغربي، وهنا يظهر اسم وزير الدولة "سلطان الجابر"، رجل الإمارات القوي وصاحب التأثير الأبرز في هذا الملف.

فمنذ عام 2017، بدأت الإمارات في الإعداد لرؤية إعلامية جديدة، من خلال إعادة هيكلة مؤسسة "أبوظبي للإعلام"، التابعة لشركة أبوظبي التنموية القابضة، وهو صندوق سيادي إماراتي، يستهدف شراء حصص كبيرة في بعض المواقع العربية والمغربية أو تملكها بالكامل، وكان "الجابر" هو المشرف على الاستراتيجية الجديدة والمنصات التابعة لها.سلطان الجابر

اللافت بشدة أن "الجابر" يشغل حوالي 27 منصبا في الإمارات، بينها مساعد وزير الخارجية، والمبعوث الخاص لدولة الإمارات لشؤون الطاقة والتغير المناخي ومشرف المحفظة المالية لحكومة أبو ظبي (يبلغ حجمها 60 مليار دولار) ورئيس مجلس إدارة قناة "سكاي نيوز عربية" والمجلس الوطني للإعلام، ما أثار سخرية العديد من المراقبين، ودفعهم للتلميح إلى ترجيح كونه "رجل مخابرات"، إذ لا يمكن أن الجمع بين كل هذه التخصصات الفنية في آن واحد.

وتفيد مصادر مطلعة بأن موقع "هسبريس" المغربي (أول صحيفة إلكترونية بالمملكة) قد سقط بالفعل في قبضة أبوظبي، وتم تسجيله مؤخرا تحت نطاق "a.e" على الإنترنت، وهو النطاق الوطني المخصص لدولة الإمارات، وفقا لما أورده موقع "مغرب إنتليجنس".

ويشير الموقع المقرب من الاستخبارت الفرنسية إلى أن "هسبريس" يخضع حاليا للتشريعات الإماراتية وليست المغربية.

واختارت مجلة "فوربس" في الشرق الأوسط "هسبريس" كأول موقع إخباري إلكتروني في بلاد المغرب العربي، وصنفته في المرتبة الثالثة على قائمة أقوى المواقع الإخبارية العربية.

وعلى الصعيد ذاته، تستعدّ الإمارات لإطلاق قناة تلفزيونية موجهة للمشاهد المغربي حيث كلفت أبو ظبي، مدير العلاقات العامة في قناة سكاي نيوز "أحمد الربيعة" بإطلاق قناة "سكاي نيوز المغرب"، حسبما أكدت مصادر الموقع الفرنسي، مشيرة إلى أن الرباط اعتبرت محاولات إطلاق هذه القناة دون التشاور معها بمثابة عمل عدائي.

الذباب الإلكتروني

وتمثل وسائل التواصل الاجتماعي الركن الثالث لمشروع الإمارات للسيطرة على الإعلام المغربي، حيث تدير أبوظبي وتمول جيوشا من الحسابات الإلكترونية الحقيقية والوهمية التي تنشر محتوى موحد يخدم أجندتها، فيما بات يعرف إعلاميا بظاهرة "الذباب الإلكتروني".

وتعود بوادر تأسيس هذه الكتائب الإلكترونية إلى مارس/آذار 2015، حيث نظمت إمارة دبي تجمعا لـ"رواد التواصل الاجتماعي العرب" حضره 1500 شخص من الناشطين المؤثرين في مجال الإعلام البديل، حيث استقبلهم الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم"، نائب رئيس الامارات، ورئيس مجلس الوزراء، وحاكم دبي شخصيا، بهدف استقطاب أغلب المؤثرين لدوائر الإمارات، وكان عشرات الحاضرين هم صحفيون وناشطون ومدراء مواقع إلكترونية مغربية.

وتضمنت خطة الاستقطاب رصد "مكافآت مالية" و"إقامات في دبي" وتنظيم سفريات منتظمة ومدفوع تكاليفها مسبقا إلى الإمارات نظير ترويج المحتوى الإماراتي للقراء المغاربة، وهو المحتوى الذي يكتب أغلبه في أبوظبي، ويصل للمعنيين جاهزا من أجل نشره.

وسبق أن أدان حزب العدالة والتنمية المغربي الحاكم حملات "الذباب الإلكتروني" ضده وضد الحكومة إبان أزمة كورونا، وانتقد سعي الإعلام الإماراتي لتشويه صورة الحكومة، واعتبر أن ذلك يأتي في إطار أجندة أبوظبي التي تهدف لمحاربة تيارات الإسلام السياسي حول العالم.

وشنت الحسابات والمواقع التابعة لدولة الإمارات هجوما واسعا على حكومة رئيس الوزراء "سعدالدين العثماني"، ووصفتها بأنها "حكومة إخوانية"، أي تابعة لجماعة "الإخوان المسلمون"، وروجت شائعات على شاكلة أن هناك "مجاعة ستضرب المملكة قريبا"، بل وزعمت أن هناك قضايا فساد كبيرة تورط فيها الملك "محمد السادس" شخصيا.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، هاجم رئيس الحكومة المغربية السابق "عبدالإله بنكيران"، القيادي بالعدالة والتنمية، الإمارات، قائلا: "تلفزيون الإمارات طبّل لمسيرة ولد زروال (خرجت لإسقاط حكومته 2016) وكأنّها تخصهم، ومواقفهم معروفة في هذا الأمر"، مؤكدا أن "الإمارات فيها أشخاص يتحرشون بنا"، مشيرا بالاسم إلى "ضاحي خلفان" رئيس شرطة دبي السابق و"محمد دحلان" مستشار ولي عهد أبوظبي.

وبحسب مصادر موقع "الصحيفة المغربي"، فإن الذباب الإلكتروني الإماراتي الذي يستهدف المغرب تتم إدارته من قبل "شركات مصرية" أسندت إليها أبوظبي مهمة إنشاء "حسابات وهمية" عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ لإنتاج محتوى موجه لضرب شخصيات أو دول أو حكومات، وهي نفس الحسابات التي سبق لموقع "تويتر" أن كشف عنها في العديد من بلاغاته، وجمّد موقع فيسبوك الآلاف منها.

لوبي أوروبي

أما الركن الرابع في استراتيجية الإمارات لاستهداف المغرب إعلاميا، فيتمثل في قيام أبوظبي بتجنيد لوبيات في العديد من الدول الغربية لدفع وسائل الإعلام المختلفة إلى تبني مواقف سلبية ضد المغرب وقضاياه.

وفي هذا السياق، حذر "المركز الأطلسي للأبحاث للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني"، في 13 يونيو/حزيران 2019، من أن المال الإماراتي يلعب دورا حاسما في الحرب الإعلامية التي تقودها الصحافة اليمينية في إسبانيا ضد الرباط ونموذج المغرب الملكي، بما في ذلك هويته القائمة على اعتماد مذهب الفقه المالكي في التشريع.

وفي هذا السياق بالتحديد يبرز اسم "علي راشد النعيمي"، الذي كان قياديا قديما بجماعة "الإخوان المسلمون"، قبل أن تستقطبه أبوظبي وتدفعه لتأسيس "المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة" عام 2018، وهو مؤسسة إسلامية تنشط في أوروبا وتروج رواية مفادها أن الإمارات هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحارب التطرف بجدية، وأن المذهب المالكي المتبع في المغرب هو أحد أسباب "صعود الأصولية".

ويرتبط "النعيمي" بعلاقات وطيدة مع صحف اليمين الأوروبي والإسباني على وجه التحديد، ومنها صحيفة "إلموندو"، وينظم لقاءات مفتوحة في مدريد وسائر المدن الإسبانية، تحذر من خطورة ترك قيادة المجتمعات المسلمة في أوروبا (خاصة المغاربية منها) لنخب محسوبة على تيارات إسلامية أصولية.

شبكة للمتعاونين

أما الركن الخامس في استراتيجية الإمارات، فيعني ببناء "شبكة علاقات" مع صحفيين داخل المملكة من أجل خدمة أجندة أبوظبي الداخلية والخارجية.

وعلى خلفية هذا الاختراق الإماراتي، قام الصحفي المغربي "خالد البرحيلي"، منتصف العام الماضي 2019، بتقديم استقالته من موقع "هسبريس"، بعد أن وجه انتقادات لاذعة لمسؤولي الشركة المصدرة للموقع ولبوابته الرياضية "هسبورت"، حيث كان "البرحيلي" يعمل كمدير للنشر ورئيس للتحرير في "هسبورت" ناهيك عن امتلاكه لحصة من أسهمه.

وذكر "البرحيلي"، في تدوينة على حسابه الشخصي على فيسبوك آنذاك، أنه قدم استقالته بسبب خلافات عميقة بينه وبين المسؤولين، على رأسها أن المسؤولين عن الموقع تحولوا إلى "حراس للإمارات من أن تقاس (تُمسّ) بمقال أو تعليق أو خبر طائش قد ينشر في الموقع".

وأضاف: "لا يمكن بالمطلق داخل هسبريس أن ُيكتب مقال رأي أو خبر أو تقرير أو تحقيق أو حتى فلاش خبري يتحدث بسوء عن الإمارات (..) وفي المقابل، إذا عطس الإماراتيون في دبي أو أبوظبي فعلى هسبريس أن ينشر أن هناك خير عميم جاء إلى الأمة"، مشيرا إلى أن "مدير عام الموقع يعيش الآن في دبي".

وفي سياق متصل، نشرت الصحفية المغربية "شامة دارشول" في 23 أبريل/نيسان، منشورا عبر صفحتها عبر فيسبوك، كشفت فيه تفاصيل محاولة استقطابها عبر شبكة مصرية حصلت على تمويل إماراتي بهدف "تأسيس مرصد اعلامي (يتحكم) في إنتاج الأخبار المتعلقة بالمغرب".

 

وبحسب "شامة"، فإن جميع جهود الإمارات وأموالها فشلت في استقطاب الرأي العام المغربي لكن سعي شبكاتها لا يزال دؤوبا".

ونوهت "شامة" إلى أن جميع جهود الاختراق الإماراتي للإعلام المغربي يتم قيادتها من قبل "سلطان الجابر"، منوها أن جميع الحملات الإعلامية التي تحذر من نشوب مجاعة في المغرب سواء في المنابر الإعلامية وعلى مواقع التواصل يتم توجيهها من قبل الإمارات.

وأضافت قائلة: "الإمارات كدولة، تخشى ما يتعارض مع اختياراتها. كورونا رفع أسهم الحكومة ذات الأغلبية الإسلامية، هؤلاء الذين تصر الإمارات على أن تراهم مجرد امتداد لتنظيم الإخوان المسلمين الذي تطارده الإمارات من مشرق الأرض إلى مغربها".

وعلقت الصحفية المغربية بالقول إن النتائج التي أثمرتها جهود الإمارات لم تكن سوى "فقدان تعاطف الرأي العام المغربي معها، وتوتر العلاقات مع المغرب على المستوى الرسمي".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإماراتية المغربية محمد السادس الأزمة الخليجية محمد بن سلمان خليفة حفتر سلطان الجابر علي النعيمي محمد بن راشد

الإمارات تكثف حملاتها الإعلامية على حكومة المغرب.. ما السبب؟

الأناضول: الإمارات تخوض حربا غير أخلاقية ضد المغرب

لماذا استبعد المغرب الإمارات من المشاركة بإعادة عالقين إسرائيليين؟

حاكم دبي يفتتح أكاديمية الإعلام الجديد (فيديو وصور)