علاقات أوروبا والشرق الأوسط بعد كورونا.. لا شيء كما كان من قبل

الخميس 30 أبريل 2020 02:54 م

يتغير كل شيء بسرعة وسط جائحة "كورونا"، وتحدث هذه التغييرات في المقام الأول على المستوى الوطني؛ ما يؤثر على السياسة والمجتمع والاقتصاد، لكن الوباء له أيضا تأثير كبير على العلاقات الدولية. في حالة الاتحاد الأوروبي  ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تركز سلطات الدول على جانبي البحر المتوسط ​​بشكل رئيسي على مكافحة "كورونا" من منظور الصحة العامة.

ونتيجة لذلك، فإن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معلقة إلى حد كبير في الوقت الحالي، مع تعاون ثنائي محدود للغاية مقارنة بفترة ما قبل الوباء. بالطبع، لن يستمر هذا الوضع إلى الأبد. ومع ذلك، ينبغي استعداد القادة في الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعواقب السياسية والاقتصادية الكبيرة.

لقد تضررت كل من أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جراء الوباء. لدى الاتحاد الأوروبي مشاكله الداخلية الخاصة به ويواجه واحدة من أخطر الأزمات في تاريخه. لكن هذا لا يغير حقيقة أن مسؤولي الاتحاد يجب أن يظلوا على اتصال مع نظرائهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. إضافة إلى ذلك، يتعين على الاتحاد الأوروبي تقديم المساعدة الطبية والاقتصادية للفئات الضعيفة، خاصة النازحين داخليا في سوريا وليبيا واليمن.

  • الدعم الأوروبي

في هذا السياق، يبدو أن مشروع "فريق أوروبا" (وهو رد عالمي من الاتحاد الأوروبي على الأزمة) يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح. في 11 أبريل/نيسان، قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، "جوزيب بوريل"، في تغريدة على "تويتر" أن فريق أوروبا سيدعم الدول الشريكة حول العالم بمبلغ 20 مليار يورو.

ووفقا لبيان من الاتحاد الأوروبي، سيتم إنفاق 12.3 مليار يورو لتخفيف التداعيات الاقتصادية والاجتماعية، وسيخصص الاتحاد 2.8 مليار يورو لتعزيز أنظمة البحوث والصحة، وسيتم تخصيص 502 مليون يورو للاستجابة لحالات الطوارئ قصيرة الأجل، يتم توجيهها إلى المجتمعات الضعيفة في أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من آسيا وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي وأماكن أخرى.

قالت خدمة العمل الخارجي الأوروبي على موقعها عبر الإنترنت إن "الفيروس ليس في أوروبا فقط، لكن المجتمع العالمي بأسره في قبضته الآن وهو العدو المشترك للعالم. عدو لا يمكننا هزيمته إلا باتباع نهج عالمي وتنسيق عبر الحدود. وبينما يتعين علينا تعبئة جميع مواردنا لمكافحة الفيروس في الداخل، فقد حان الوقت أيضا للنظر خارج حدودنا".

ومن بين المستفيدين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، سيحصل الأردن ولبنان على 240 مليون يورو لدعم مواطنيهم واللاجئين السوريين لديهما. وستحصل إيران على 20 مليون يورو كمساعدة طارئة. وسيتم تزويد اللاجئين في تركيا ببنية تحتية ومعدات صحية صغيرة بقيمة 90 مليون يورو.

  • التأثير على الهجرة والسياحة

قد يؤدي الوباء وعواقبه الاقتصادية أيضا إلى موجة أخرى من الهجرة غير المنضبطة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أوروبا. يجب على مسؤولي الاتحاد الأوروبي أن يضعوا في اعتبارهم أنه من أجل تأمين حدود الاتحاد، سيكون عليهم تقديم المزيد من المساعدة المالية والاقتصادية لبعض الدول في المنطقة لمساعدتها على التعافي بعد الوباء.

ستضرب الأزمة الحالية أيضًا صناعة السياحة في كل من أوروبا والشرق الأوسط. لقد عانى أصحاب الفنادق ووكالات السفر في المنطقة بشكل كبير بالفعل.

ووفقا للبيانات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، استقبلت وجهات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 87 مليون سائح دولي في عام 2018. وفي عام 2019، حصلت بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أكثر من 84 مليار دولار من إيرادات السياحة الدولية، وذلك وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي. وستكون هذه الأرقام هذا العام أقل بكثير.

ومع ذلك، لا يفقد قطاع السياحة في المنطقة عملاءه الأوروبيين فحسب، بل أيضًا الزوار من مناطق أخرى، خاصة من آسيا. ومن المرجح ألا تنجو العديد من الفنادق المحلية والمطاعم ومنظمي الرحلات السياحية من الأزمة.

  • الطلب التجاري والاستهلاكي

من المرجح أن يكون الوباء أقل ضررا على التجارة الثنائية، لكن هناك بالفعل بعض العلامات التحذيرية. تؤثر أسعار النفط المنخفضة بشكل قياسي على اقتصاديات الدول المصدرة للنفط، ويعتبر الانخفاض الحاد في طلب المستهلكين في الدول الأوروبية أحد المحركات الرئيسية لذلك. لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.

قد تواجه الاقتصادات الأوروبية أكبر ركود في التاريخ. لكن التوسع التدريجي للنشاط الاقتصادي سيؤدي إلى إذكاء طلب المستهلكين على النفط ببطء، وهذه بلا شك أخبار جيدة للمنتجين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

لكن ماذا عن القطاعات الاقتصادية الأخرى؟ من المؤكد أن المشاكل داخل أسواق العمل في الاتحاد الأوروبي ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستقلل الطلب على مجموعة متنوعة من السلع.

سيؤثر انخفاض الدخول والشعور بعدم اليقين على سلوك المستهلك. قد يتوقف مواطنو دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن شراء السيارات والآلات الأوروبية. قد يشتري الأوروبيون، بدورهم، عددا أقل من المنتجات الغذائية والسلع الأخرى المصنوعة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أخيرًا وليس آخرًا، من المؤكد أن الشركات على جانبي البحر المتوسط ​​ستقلل من استثماراتها.

لا شيء سيكون كما كان من قبل. وقد تؤدي هذه الفترة الصعبة إلى إصلاحات وتغييرات كبيرة يستحيل سنها بطريقة أخرى. يجب على القادة الأوروبيين ونظرائهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن يدركوا ذلك ويستعدوا لهذه التحديات الجديدة. ومن المرجح أن يحتاج كلا الجانبين إلى التفكير في توقيع اتفاقية إقليمية تهدف إلى ضمان السلام والرفاهية في إقليم البحر المتوسط ​​والمنطقة المحيطة به.

تثبت الأزمة الحالية أن كلا الجانبين بحاجة إلى آليات وخريطة طريق واضحة لأن القرارات والإجراءات الخاصة قد لا تكون كافية في المستقبل.

تشير التجربة التاريخية إلى أن اللحظات الحرجة يمكن أن تكون أفضل وقت لتنفيذ التغييرات وتقديم الحلول. وهذا، بدوره، من شأنه أن يشجع مؤسسات الاتحاد الأوروبي على تطوير استراتيجية شاملة تجاه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ لأن الاتحاد الأوروبي لن يكون قادرا على الدخول في أي محادثات ذات معنى دون رؤية متماسكة وواقعية لأهدافه الرئيسية في المنطقة.

المصدر | بريزمستاو اوسي ويجز/ ميدل إيست إنستيوت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الاتحاد الأوروبي سياسة الشرق الأوسط تداعيات كورونا مكافحة كورونا

ماكرون لقادة الاتحاد الأوروبي: مشروعنا في خطر بسبب كورونا

أمن الخليج.. دول مجلس التعاون لا تملك خيارات جيدة

تحديات الشرق الأوسط ليست مجرد مكافحة الوباء