رغم وجهه القبيح.. كورونا يخدم مصالح تركيا في ليبيا

السبت 2 مايو 2020 01:14 م

في حين يبدو أن العالم كله انكب على نفسه محاولا التعامل مع جائحة "كورونا" كان من المثير للاهتمام تنامي ديناميكية السياسة الخارجية التركية بشكل كبير.

في ليبيا، على سبيل المثال، وجهت حكومة "الوفاق" المدعومة من تركيا، والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة، ضربة قوية لزعيم الحرب "خليفة حفتر"؛ حيث استعادت السيطرة على مدن استراتيجية مثل صرمان وصبراتة والعجيلات في غرب البلاد.

وجاء تقدم حكومة "الوفاق" بعد أن أصبح "حفتر" الأقرب للانتصار في الحرب الأهلية المستمرة منذ 6 سنوات بعد أن استولت قواته على مدينة سرت الساحلية الاستراتيجية في يناير/كانون الثاني، وهي منفذ حيوي على البحر المتوسط ​​لتصدير النفط الليبي.

وترتبط مشاركة تركيا في الحرب الأهلية الليبية ارتباطا وثيقا بتصور أنقرة بأن اليونان والقبارصة اليونانيين يحاولون تقسيم شرق البحر المتوسط​​؛ ما يجعل الملاحة البحرية التركية صعبة دون موافقة يونانية.

علاوة على ذلك، سيتم استغلال الموارد الهيدروكربونية المربحة حول جزيرة قبرص مع تجاهل سكان الجزيرة الأتراك.

ومن خلال دعم حكومة موالية لتركيا في ليبيا، تأمل أنقرة في إنقاذ الصفقة البحرية التي وقعتها مع رئيس الوزراء في حكومة الوفاق "فايز السراج"، وإفساد أي خطة لم يتم تضمينها فيها.

وتعتبر المكاسب الحاسمة التي حققتها تركيا مؤخرا في ليبيا هي نتيجة مباشرة لإضعاف التحالف المناهض لتركيا بسبب مجموعة متنوعة من العوامل المرتبطة ارتباطا وثيقا بـ"كورونا". ببساطة، استغلت تركيا، التي عانت من الوباء دون أذى نسبيا، هذه الفرصة لتعزيز مصالحها في ليبيا.

إذ تضررت الإمارات (الداعم المالي الرئيسي لـ"حفتر") بشدة من انخفاض أسعار النفط بسبب انخفاض الطلب نتيجة "كورونا"؛ما جعل مشاركتها في ليبيا أكثر تكلفة. أعلنت أبوظبي في 20 أبريل/نيسان أنها اقترضت 7 مليارات دولار لمواجهة انخفاض أسعار النفط.

بالنسبة لروسيا، لم يكن الاضطرار إلى تمويل تدخلاتها المكلفة في سوريا وأوكرانيا وكذلك العقوبات الأمريكية المقيدة كافيا لإعادة النظر في تموضعها في ليبيا، لكن انخفاض أسعار النفط والانخفاض المتزامن للروبل دفع موسكو إلى إعادة تقييم جدوى التزامها تجاه ليبيا.

وتزامن ذلك مع انسحاب غالبية مجموعة "فاجنر" شبه العسكرية الروسية من ليبيا مع بداية انخفاض أسعار النفط أواخر فبراير/شباط.

يقول الدبلوماسي الروسي السابق الذي يدير "مركز أوروبا والشرق الأوسط" الممول من الدولة في موسكو "ألكسندر شوميلين": "أصبحت سوريا صداعا لبوتين". وأخيرا، يعد قرار "بوتين" المفاجئ بسحب شركة النفط الروسية العملاقة روسنفت من فنزويلا في مارس/آذار علامة واضحة على أن روسيا قد تجاوزت طاقتها.

أعرب الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" عن دعمه لـ"حفتر" مع قناعته بأن النظام الاستبدادي الموالي للفرنسيين في ليبيا سيسهل سياسات باريس تجاه مستعمراتها السابقة في شمال وغرب أفريقيا.

ومع ذلك، أجبرت سلسلة من المآزق باريس على إعادة ضبط سياساتها في أفريقيا. تكثر علامات تعثر فرنسا في غرب أفريقيا. إن الخسائر المتزايدة للجيش الفرنسي في عملية "برخان"، التي بدأها في منطقة الساحل عام 2014 بحوالي 5000 جندي، تعرقل قدرة باريس على الالتزام بالكامل في ليبيا.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، اصطدمت مروحيتان فرنسيتان أثناء مطاردة مسلحين في مالي؛ ما أسفر عن مقتل جميع الجنود الفرنسيين الـ13 الذين كانوا على متنها. ولجعل الأمور أسوأ بالنسبة لفرنسا، فإن حاملة طائراتها الوحيدة التي تعمل بالطاقة النووية "شارل ديجول"، التي استخدمتها كرادع ضد التقدم البحري والجوي التركي لليبيا، أصبحت خارج نطاق التشغيل حاليا؛ حيث يعتقد أن أكثر من 1000 بحار فرنسي مصابون بكورونا، كما أن لفرنسا أولويات بعيدا عن ليبيا.

يبدو أن تركيا تنظر إلى هذا على أنه نافذة فرص. في الأسبوع الماضي، في عرض غير مسبوق، أرسلت أنقرة 11 طائرة من طراز F-16، ورادار إنذار مبكر، وطائرات دعم أخرى إلى المجال الجوي الخاضع لسيطرة "حفتر" في رسالة واضحة مفادها أن تركيا مستعدة لتصعيد مشاركتها في ليبيا.

قامت تركيا على مدار العام الماضي بشحن العديد من الأسلحة بما في ذلك طائرات بدون طيار والمركبات المدرعة وأدوات الحرب الإلكترونية والأسلحة الموجهة وغيرها من الأسلحة والذخيرة إلى حكومة "الوفاق". ومن بين هذه المعدات، فإن الطائرات المسيرة منخفضة التكلفة والفعالة للغاية تغير بسرعة وجه ساحة المعركة الليبية. وبمساعدة تفوق الطائرات المسيرة التركية، ألحقت قوات "السراج" أضرارا بالغة بقوات "حفتر"، وقلبت الأوضاع في ليبيا.

وسجلت تركيا نقاطا إضافية في سياستها الخارجية عن طريق إرسال إمدادات طبية إلى إيطاليا وإسبانيا، أوائل أبريل/نيسان، وهما من أهم دول البحر المتوسط ، والتي ترغب أنقرة بشدة في رؤيتها إلى جانبها ضد كتلة فرنسا-اليونان.

وجاءت لفتة أنقرة في الوقت الذي كانت فيه إيطاليا وإسبانيا تتوسل إلى الاتحاد الأوروبي للحصول على الإمدادات الطبية والمساعدات اللازمة. وتآكل الوضع بشكل أكبر عندما صادرت فرنسا نحو 6 ملايين قناع كانت متجهة إلى إيطاليا وإسبانيا.

حتى قبل تفشي الوباء، كانت إيطاليا اقتربت من سياسات تركيا في ليبيا، وأعربت عن دعمها لـ"السراج" وعبّرت عن قلقها من دعم "ماكرون" لـ"حفتر".

يبدو أن جائحة "كورونا" منحت تركيا فرصا مواتية للسياسة الخارجية من خلال الحد من قدرة منافسيها على التأثير بشكل ملموس على تقدم أنقرة في شرق البحر المتوسط​​، وخاصة في ليبيا وتعزيز موقفها تجاه الاتحاد الأوروبي.

لذا فمن المتوقع أن تشهد السياسة الخارجية التركية نشاطا أكثر في فترة ما بعد "كورونا".

المصدر | علي دميرداش/ريسبونسبل ستيتكرافت- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

السياسة الخارجية التركية كورونا تداعيات كورونا الاتحاد الأوروبي الحرب الليبية

تركيا ترسل مساعدات طبية إلى إيطاليا وإسبانيا لمواجهة كورونا (فيديو وصور)

أردوغان: دعمنا للوفاق ظهرت نتائجه وأخبار سارة من ليبيا قريبا

بلومبيرج: مقامرة أردوغان في ليبيا ناجحة لكنها لن تستمر