ظهور بعد اختفاء.. لماذا أثار غياب زعيم كوريا الشمالية كل هذا الصخب؟

الأربعاء 6 مايو 2020 05:49 م

لماذا كل هذا الصخب حول مصير زعيم كوريا الشمالية؟ وهي ما دلالاته؟ سؤالان رددها المراقبون للشؤون العالمية بكثافة خلال الأيام الماضية مع الاختفاء الطويل نسبيا للرئيس الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" تزامنا مع تداول أنباء حول تدهور حالته الصحية، قبل أن يعاود "كيم" الظهور أخيرا في 1 مايو/أيار، خلال مراسم افتتاح مصنع للأسمدة في مدينة سونتشون بإقليم بيونغ آن الجنوبي، منهيا بذلك شائعات تناقلتها وسائل الإعلام الخارجية على مدار 20 يوما.

وأدى غياب "كيم"، الذي يبلغ من العمر 36 عاما ويحكم كوريا الشمالية منذ وفاة والده "كيم يونغ إل" عام 2011، إلى تضارب في الأنباء حول صحته ومكان وجوده في الأسابيع الأخيرة، حيث ذكرت تقارير استخباراتية أنه يعاني من أزمة صحية خطيرة بعد إجراء عملية جراحية في القلب.

وفتح ذلك الباب أما إثارة التساؤلات بشأن "مستقبل النظام" الحاكم في كوريا الشمالية، الدولة النووية التي تهدد باستمرار باستخدام ترسانتها المدمرة ضد جارتها الجنوبية وضد الولايات المتحدة.

وعزز من أهمية تلك الأسئلة أن جمع المعلومات الاستخباراتية والتحقق من صحتها في كوريا الشمالية أثبت مجددا أنه أمر صعب للغاية في واحدة من أكثر دول العالم سرية، حيث تراقب الأجهزة الأمنية المعلومات بدقة متناهية.

الكثير من الصخب

ويمكن إرجاع الصخب الذي أثارة اختفاء "كيم" والشائعات حول حالته الصحية إلى عدة أسباب رئيسية، أولها تسجيل أول غياب لزعيم كوريا الشمالية عن حضور تجربة لإطلاق صواريخ كروز تم تنفيذها في 14 من أبريل/نيسان الماضي على غير عادته، حيث تتم التقاط صور الرئيس الكوري الشمالي أثناء جميع التجارب الصاروخية التي تجريها بلاده، أما السبب الثاني فهو تغيبه عن الحفل السنوي الرئيسي لإحياء ذكرى مولد جده الراحل "كيم إيل سونغ" في اليوم التالي مباشرة.

وساهمت التقارير المسربة حول صحة الزعيم الكوري في زيادة حالة الصخب، حيث نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عن مسؤول أمريكي (لم تذكر اسمه) أن واشنطن لديها معلومات استخباراتية تفيد بأن "كيم في خطر شديد".

كما أشار السيناتور الجمهوري "ليندسي جراهام" في ظهور على قناة "فوكس نيوز" إلى اعتقاده أن "كيم إما عاجز أو ميت". 

بالتزامن مع ذلك، شهدت بيونج يانج، عاصمة كوريا الشمالية، تحركات غير معتادة، وكما أفادت رئيسة مكتب صحيفة "واشنطن بوست" في العاصمة الصينية بكين في تقرير نشرته بتاريخ 26 أبريل/نيسان، فإن سكان بيونج يانج هرعوا إلى المحال التجارية لاقتناء كل ما يتوفر من البضائع، من الأطعمة والمنظفات وحتى الأجهزة الإلكترونية، وأن مروحيات حلقت على ارتفاع منخفض فوق المدينة، فيما تعطلت حركة القطارات في البلاد، وسط شائعات عن وفاة "الزعيم".

ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن الصين أرسلت فريقا طبيا إلى كوريا الشمالية، لتقديم الاستشارة حول صحة زعيم البلاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي تعلن فيها وسائل الإعلام الأجنبية أنباء عن "وفاة" زعيم كوري شمالي، إذ تكرر ذلك من صحف يابانية وكورية جنوبية ادعت ذلك مرارا بحق الزعيم السابق "كيم جونغ إل" وقبله "كيم إل سونج".

وتعد "التسريبات المزعومة" لكوريين منشقين عن نظام كوريا الشمالية لوسائل الإعلام الغربية العامل الرابع في الصخب المتزايد حول حالة "كيم"،  إذ أكد "تاي يونغ هو"، الذي كان يشغل منصب نائب سفير كوريا الشمالية في بريطانيا قبل أن يهرب إلى كوريا الجنوبية في عام 2016 ويتم انتخابه عضوا في البرلمان الكوري الجنوبي، أن "كيم" مريض لدرجة أنه لا يستطيع الوقوف، قبل أن يضطر للاعتذار بعدما ظهر زعيم كوريا الشمالية مؤخرا.

"جي سيونج" منشق آخر بارز، وعضو في البرلمان الكوري الجنوبي أيضا، قال إنه متأكد بنسبة 99% من أن "كيم" توفي بعد جراحة القلب والأوعية الدموية التي أجراها، وذلك رغم تأكيد المكتب الرئاسي في كوريا الجنوبية أن كبار مسؤولي الأمن أكدوا عدم رصد أنشطة غير عادية فيما يتعلق بالتكهنات حول صحة الزعيم الكوري الشمالي.

ودفع ذلك الحزب الديمقراطي الحاكم في كوريا الجنوبية إلى انتقاد البرلمانيين المنشقين بسبب تضليلهما للجمهور، فيما دعا أحد أعضاء الحزب لضرورة إبعادهما من لجنتي المخابرات والدفاع في البرلمان، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء الكورية الجنوبية "يونهاب".

ولما راج الحديث عن وفاة الزعيم، باتت "توقعات الخلافة" في صدارة مداولات الرأي العام في كوريا الجنوبية، وأضافت عاملا خامسا إلى الجدل الدائر حول القضية.

ورجحت وكالة البحوث التشريعية التابعة للجمعية الوطنية بكوريا الجنوبية، في تقرير نشرته في 29 أبريل/نيسان الماضي، أن "كيم يو يونغ" شقيقة زعيم كوريا الشمالية قد تخلفه في منصبه، وذكرت أن إعادة انتخابها كنائب أول لرئيس اللجنة المركزية لحزب العمال، وعضوا للمكتب السياسي للحزب، يعزز من فرصها لتكون الوريث القادة في عائلة "كيم" الحاكمة، التي تسمى أيضا "سلالة بيكدو".

أما العامل السادس في الصخب الدائر حول حول حالة "كيم" ومصيره، فيمكن إرجاعه إلى تعليقات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي صرح، في 27 أبريل/نيسان، بأنه "يعلم حالة الزعيم الكوري الشمالي ويأمل أن يكون بخير".

وحتى بعد ظهور زعيم كوريا الشمالية، أفاد "ترامب"، في 1 مايو/أيار، بأن إدارته ستصدر تصريحات حول الحالة الصحية لـ"كيم" في "الوقت المناسب"، ما قدم مؤشرا على أن الرئيس الأمريكي لديه معلومات استخباراتية بشأن صحة الزعيم الكوري الشمالي وينتوي الإفصاح عنها لاحقا.

فشل استخباراتي

ومقابل مؤشر النجاح الاستخباري المزعوم للولايات المتحدة، قدم الجدل حول حالة زعيم كوريا الشمالية جرس إنذار جديد بشأن القصور الاستخباراتي لكوريا الجنوبية، إذ ألقى بعض المراقبين اللوم على سيول في صعوبة الحصول على المعلومات الاستخباراتية من بيونج يانج، بسبب فشلها عبر عقود في بناء شبكات تجسس داخل الجارة الشمالية.

ويعيد ذلك إلى الأذهان مشهد 1986 عندما أعلنت أشهر صحيفة في كوريا الجنوبية، نقلا عن مصادر عسكرية، مقتل مؤسس كوريا الشمالية، "كيم إيل سونج"، قبل أن يظهر "سونج" في مطار بيونج يانج لتحية وفد منغولي بعد ساعات من نشر أخبار مقتله.

ويعزو الباحث البارز في معهد آسان لدراسات السياسة في سيول "إل دو هايون تشا" قصور الاستخبارات الكورية الجنوبية إلى طبيعة أجهزتها المهتزة، قائلا: "من الواضح أن حكومتنا لديها مستوى معين من المعلومات حول الشمال، ولكن ليس بما يكفي لإصدار بيان واثق حول مكان (كيم) وما إذا كان بصحة جيدة"، وفقا لما أوردته قناة الحرة الأمريكية.

ويحمل أنصار الحكومة الليبرالية في سيول العقد السابق من الحكم المحافظ مسؤولية هذا الفشل، إذ توقفت التبادلات بين الدبلوماسيين والحكومة وقادة الأعمال ومجموعات المساعدة في البلدين، ما حرم عملاء الاستخبارات من مصادر معلومات عالية الدقة.

سبب الغياب

وبعد ظهور "كيم" الأخير، أصبح مؤكدا أن الشائعات حول وفاته كانت كاذبة، كما ترجح أيضا كذب التكهنات حول خضوعه لعملية جراحية في القلب والأوعية الدموية ، حيث ظهر "كيم" على ما يبدو بصحة جيدة وبوزن ثابت وهو يدخن السجائر التي عادة ما يتركها المرضى بعد الخضوع لهذه العمليات.

ونفي ظهور "كيم" أيضا الشائعات حول خضوعه حجر ذاتي لمدة أسبوعين كنوع من الوقاية من فيروس كورونا المستجد، إذ تظهره اللقطات منتكها لقواعد التباعد الاجتماعي وجالسا في سيارة واحدة مع عدد من المسؤولين دون ارتداء كمامات.

 

 

في ضوء ذلك تبقى هناك فرضيتان فقط تفسران غياب "كيم"، أولهما أنه أصيب بالفعل بفيروس كورونا وقضى الفترة الماضية في التعافي منه، والثانية أن يكون قد أصيب في قدمه بشكل منعه من الوقوف مؤقتا.

وفي حين يبدو الاستنتاج الأول منطقيا، فإنه يفتقر إلى وجود أدلة تدعمه، بينما يدعم الاستنتاج الثاني تنويه وكالة رويترز إلى ظهور "حركات متشنجة ومتيبسة لإحدى ساقي زعيم كوريا الشمالية" في فيديو ظهوره الأول بعد الغياب.

وفي هذا الصدد، يشير "مون شونغ إن"، كبير مستشاري السياسة الخارجية للرئيس الكوري الجنوبي، في تصريحات لـ"سي إن إن" بأن زعيم كوريا الشمالية أصيب أثناء تجربة إطلاق صواريخ كروز التي أجريت في 14 أبريل/نيسان الماضي على ما يبدو، وهو ما تعززه صور الأقمار الاصطناعية التي رصدت حركات غير عادية لقوارب ترفيهية، غالبا ما يستخدمها "كيم" أثناء حضور عمليات الإطلاق البحري للصواريخ.

واعتبر الخبير المتخصص في شؤون كوريا الشمالية "جوردون تشانج"، في تصريح للشبكة الأمريكية، أن الصور دليل على أن المنشأة البحرية في "مونشون" شاركت في التجربة الصاروخية، مرجحا أنها أجريت في المياه قبالة وونسان، تزامنا مع تحرك القوارب الترفيهية التي يستخدمها "كيم".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

كوريا الشمالية دونالد ترامب ليندسي غراهام

رئيس استخبارات تايوان يتحدث عن صراع سلطة في كوريا الشمالية

رئيس كوريا الشمالية في غيبوبة وأنباء عن تفويضه السلطة لشقيقته