استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التعليم عن بُعد في مراحله المختلفة برؤية مجرب

الثلاثاء 5 مايو 2020 04:27 م

التعليم عن بُعد في مراحله المختلفة برؤية مجرب

ما هي مهمة المدرسة ابتداء وماهي مهمة الجامعة ثانياً؟

ما هي الأهداف التي يجب تحقيقها بجانب تلقي العلم النظري أو التطبيقي أو كليهما؟

أنبه مبكرا لخطورة اعتماد "التعليم عن بُعد" بذريعة تقليل النفقات أو تخفيف ازدحام الشوارع إذ ستترتب عليه آثار سلبية.

هل ستعيد وزارة التعليم العالي النظر في قرارها حول الشهادات الصادرة عن جامعات ومعاهد حقيقية معترف بها في مؤسسات التعليم بتلك الدول؟

*      *      *

(1)

تتباين المواقف من التعليم عن بُعد بمفهومه الشامل من الحضانة مروراً برياض الأطفال إلى مراحل التعليم العام وصولا إلى المعاهد والجامعات في خليجنا العربي. هذه الآلية "التعليم عن بُعد" جدت على مجتمعاتنا العربية والخليجية على وجه التحديد وخاصة في حقبة وباء "كورونا الجامح" الذي نعيشه اليوم، (استثني من ذلك التعليم الجامعي عن بُعد "الانتساب" للجامعات في العلوم الإنسانية والذي تمتد جذوره إلى الخمسينيات من القرن الماضي).

(2)

عندما أكتب اليوم عن التعليم عن بُعد فإنني انطلق من تجربة عملية وليس تنظيراً بنيت على قراءات، وأول سؤال يجب طرحه هنا ما هي مهمة المدرسة ابتداء وماهي مهمة الجامعة ثانياً؟ ما هي الأهداف التي يجب تحقيقها إلى جانب تلقي العلم النظري أو التطبيقي أو الاثنين معا؟

والرأي عندي أن من مهام المدرسة، على سبيل المثال لا الحصر، وفي عملية تكاملية مع البيت، تعليم الطالب النظام والانضباط والنظافة والطاعة وتعميق فكرة التآخي بين الطلاب وتكريس العمل الجماعي والتآلف بين الأفراد،وكذلك صقل المواهب.

إن من مهام المدرسة أيضا ترسيخ فكرة حب الوطن والانتماء إليه والتسامح ومن ثم تعميق فكرة "المواطنة" أما المرحلة الجامعية فترتكز مهمتها عندي، إلى جانب عوامل أخرى، على تعليم الطالب طرائق التفكير وإكسابه مهارة التحليل والقراءة ما بين السطور، تعليمه وتدريبه على وسائل البحث العلمي والقدرة على التنبؤ والإسقاط، ذلك هو الدور المطلوب من مؤسسات التعليم في أبسط أساليبه وفي كل مراحله.

(3)

اقتصر التعليم عن بُعد في وطننا العربي منذ منتصف القرن الماضي على التحاق الطالب الذي لديه رغبة ملحة في إكمال مسيرة تعليمه بالجامعات والذي لا يستطيع الانتظام نظرا لظروفه المعيشية ومسؤولياته الأسرية فوجد له ما يعرف "بنظام الانتساب" أي التعلم عن بُعد.

وقد أبدع الكثيرون من ذلك الرهط الذين تلقوا تعليمهم عن بعد شريطة أن يقضي على الأقل ستين يوما قبل الامتحان النهائي في الجامعة. المؤسف أن قطر لم تعد تعترف بشهادات الجامعات التي تقبل انتساب الطلاب تحت ذريعة أنه تعلم عن بُعد.

السؤال المطروح اليوم أمام وزارة التعليم والتعليم العالي، هل ستعيد النظر في قرارها ذلك واعتماد كل الشهادات الصادرة عن جامعات ومعاهد حقيقية معترف بها في مؤسسات التعليم في تلك الدول؟

أما وقد قبلت الوزارة والدولة عموما بآلية "التعلم عن بُعد" فإنها مطالبة اليوم بإعادة النظر في قراراتها السابقة والاعتراف والإقرار "بمعادلة شهادات الانتساب" وكما يقول الحديث الشريف "الإسلام يجب ما قبله".

وأعني بذلك أن قبولنا بنتائج التعليم والامتحان أيضا عن بُعد في كل مراحل التعليم هذه الأيام فمن حق الذين حرموا من الاعتراف ومعادلة شهاداتهم أن يتم الاعتراف بمؤهلاتهم إن كانت من جامعات معترف بها في الوطن الأم.

(4)

إن تجربة "التعلم عند بُعد" التي فرضتها ظروف وباء "كورونا الرهيب" على طالب العلم ومعلمه في الخليج العربي يجب عدم اعتبارها سابقة ويبنى عليها ويتخذ قرارات متعجلة في اعتمادها تحت أي مبرر والانطلاق في معراجها.

إنه منعرج خطير قد يطيح بأركان العملية التعليمية والتي أساسها "المدرسة والمعلم والمنهج الدراسي والإدارة الجادة"، يقول أحد المجتهدين الذين لم يمارسوا هذه "الظاهرة":

إن التعليم عن بعد يوفر خاصية التفاعل والتواصل مع عضو هيئة التدريس، وهذا اعتقاد خاطئ، فالمعلم لا يرى المتلقي وكيفية جلوسه والبيئة المحيطة به، إنه قد يسمع المحاضرة أو الدرس عن طريق الهاتف الجوال وهو في سريره، وهو يستجيب لنداء الطبيعة مثلا، أو أمام التلفاز يتابع مسلسلا أو غير ذلك من المشاغل، إنه لن يكون هناك تفاعل ولا تواصل بين الطالب والمعلم أقصد أن البيئة التي يكون فيها الطالب يجب أن تكون بيئة مهيأة للتعلم.

كنت أقدم محاضراتي في الأسابيع الأخيرة في الجامعة عن طريق الحاسوب "التعلم عن بُعد". كان حضور الطلاب لمحاضرتي لا يزيدون في احسن الأحوال على خمسة عشر طالبا أو طالبة من 60 أو 50 طالبا وقد يدخل الطالب على الجهاز "الحاسوب" بعد مرور أكثر من نصف الوقت وسرعان ما يخرج قبل نهاية الوقت.

لو كان التعليم عن قرب ضمنت أن يكون عندي أكثر من 60 % حضورا وقد يكون هناك تفاعل بين الطالب وأستاذه.

يقول مجتهد آخر: "إن التعليم عن بعد يساعد الطالب على الحصول على مجموعة من نماذج الأجوبة النموذجية"، والرأي عندي أن الجامعة وكذلك المدرسة يجب عدم تقديم إجابة نموذجية لأي امتحان كان.

وإنما يجب تعليم الطالب بعد كل امتحان قصير "كويز" أو طويل طريقة التقييم، أي التصحيح، والمعايير التي يستند إليها المصحح، وعلى الطالب أن يقف عند كل مسألة تواجهه في دروس الحياه، لكي يتعلم كيف يواجه الحياة وأسئلتها غير المتوقعة، نحن نٌعلّم كيف يفكر وكيف يستنتج، وكيف، وكيف... إلخ.

لا نعلمه الإجابات المعلبة، معروف أن الامتحان عن بُعد يجب أن تكون أسئلته غير مباشرة وإلا سهل الغش واعتمده الطالب أسلوباً في حياته ومع أن الأسئلة لم تكن مباشرة إلا أن عملية الغش كانت واضحة وضوح الشمس وقد أثبتنا ذلك لطلابنا برد إجاباتهم إليهم لأنها منقولة حرفياً.

(5)

مسألة أخرى تواجه الطالب وأهله في البيت وخاصة في التعليم العام، قد لا يكون الأهل على معرفة باستخدام "الحاسوب" وبعضهم ليسوا على درجة من العلم تؤهلهم لمساعدة أبنائهم وعلى ذلك سيلجأون إلى مدرس خصوصي. وهذا ما نحاول تجنبه.

أمر آخر قد يكون في البيت الواحد أكثر من طالب في الجامعة وآخرون في مراحل التعليم العام وهنا يتطلب الأمر جهاز حاسوب لكل واحد منهم وفي هذه الحالة يتعذر على ولي أمر الطالب تزويد بنيه بهذه الأجهزة مما يعوق عملية التعلم.

آخر القول: إنني انبه مبكرا إلى خطورة اعتماد "التعليم عن بُعد" تحت ذريعة تقليل النفقات أو التخفيف من الازدحام في الشوارع لأن ذلك ستترتب عليه آثار سلبية لا حصر لها في الوطن الواحد.

* د. محمد صالح المسفر أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر.

المصدر | الشرق القطرية

  كلمات مفتاحية