عملة إيران الجديدة.. إصلاح مالي أم جراحة تجميل؟

الثلاثاء 12 مايو 2020 01:38 ص

سجال ساخن أثارته موافقة مجلس الشورى الإيراني، مطلع الشهر الجاري، على مشروع قانون يسمح للحكومة بحذف 4 أصفار من عملتها الوطنية "الريال"، وتسعير عملة إيران الموازية، التومان، بسعر 10 آلاف ريال، بين مؤيدين يرون في الإجراء خطوة ضرورية للإصلاح النقدي ومعارضين يرون فيه عملية تجميل بلا تأثير إيجابي جوهري على اقتصاد البلاد.

جاء ذلك بعدما سجلت العملة الإيرانية انخفاضا حادا ليبلغ سعرها حوالي 156 ألف ريال للدولار في السوق غير الرسمية، الأمر الذي تسبب في فقدان الريال للكثير من قوته الشرائية، خاصة بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية على طهران وتزامن ذلك مع أزمتي تهاوي أسعار النفط وتفشي فيروس "كورونا" المستجد "كوفيد-19" في البلاد.

ويمثل حذف الأصفار بديلا لإصدار فئات ورقية كبيرة، إذ يضخم من حجم أكبر فئة دون الحاجة لإصدار أى فئات جديدة، وبالتالي توفر الدولة تكاليف الطبع والصك لتلك الفئات الجديدة، والتى تقدر بملايين الدولارات.

ويعد مواجهة التضخم الكبير في سعر العملة هو الهدف الأساسي من شطب الأصفار، ويتخلله الكثير من الأهداف الثانوية، أهمها تسهيل عمليات البيع والشراء، خاصة فيما يتعلق بكتابة الأسعار على المنتجات في الأسواق، والتخفف من حمل كميات كبيرة من الأموال، لاسيما وأن الدولار يعادل 42 ألف ريال إيراني، ما يدفع الناس لحمل كميات كبيرة من الأموال لقضاء حاجتهم اليومية.

وبدءا من لحظة سريان القانون سيكون أمام المصرف المركزي الإيراني مهلة مدتها عامين لتمهيد الطريق لتغيير العملة، على ألا تتعدى فترة التداول المتوازي للريال والتومان 3 سنوات، وفقا لما أورده التليفزيون الإيراني الرسمي.

ويعني ذلك أن التومان سوف يحل محل الريال كعملة رسمية، وسوف يتم تحديد أسعار صرف العملات على أساسه، وسوف تسجل به المبالغ المالية الجديدة في كافة الوثائق والصفقات والاتفاقيات.

وتعود فكرة حذف 4 أصفار من العملة الإيرانية إلى عام 2008، لكن زاد الإلحاح عليها بعد إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" انسحابا أحاديا من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادته فرض العقوبات على طهران، ما أدى إلى فقدان الريال أكثر من 60% من قيمته.

وكان المصرف المركزي الإيراني قد اقترح الفكرة العام الماضي، مرجعا إياها إلى التضخم الفاحش وتراجع القدرة الشرائية والتزايد الملحوظ في كميات النقد المتداول واستخدام أعداد كبيرة من العملات في المبادلات الصغيرة اليومية، وهو ما دفع الحكومة للموافقة أخيرا على الفكرة مطلع أغسطس/آب 2019، وإحالتها إلى مجلس الشورى لمناقشتها.

تسهيل ضروري

من جانبه، يرى المتحدث باسم الحكومة الإيرانية "علي ربيعي" أن "حذف 4 أصفار من الريال إجراء ضروري لتسهيل العلاقات المالية"، وفقا لما أورده بتغريدة نشرها عبر موقع "تويتر".

وفي السياق ذاته، أشارت وكالة "إرنا" الإيرانية الحكومية، في تقرير لها حول الموضوع، إلى 3 مكاسب من تغيير العملة، هي: "إعطاء العملة دفعة معنوية مؤقتة وتقليل تكاليف طباعة وتلف الأوراق النقدية وتسهيل عملية الحسابات". ​

وفي ظل بلوغ التضخم في البلاد عتبة الـ40%، يرى الباحث الاقتصادي "بوريا آستركي" أن الفترة الراهنة ملائمة لتغيير العملة، خاصة مع تراجع القدرة الشرائية للمواطن جراء فقدان الريال قيمته، وفقا لما أورده "الجزيرة نت".

ورغم احتمال ارتفاع التضخم من جديد جراء هذه الخطوة، لكن "آستركي" يرى أن نسبته ستكون منخفضة جدا و"تكاد تكون لا شيء مقارنة بمؤشر التضخم الحالي"، معتبرا أن  حذف الأصفار من العملة الوطنية يخلف آثارا نفسية إيجابية على المواطن الذي لطالما اشتكى من تراجع قيمتها، إذ سيشعر "بارتياح عندما يرى تناسبا بين قيمة عملة بلاده مقارنة بالعملات الأجنبية" حسب قوله.

تجميل لمريض سرطان

وفي المقابل، يحذر عضو مركز الأبحاث والدراسات التجارية في إيران "مهدي رضائي" من أن "الآثار النفسية للعملة الجديدة قد تؤثر سلبا على المؤشرات الاقتصادية، بما فيها مؤشر مستوى الأسعار"، وفقا لما أورده موقع "تجارت نيوز" الاقتصادي.

وفي السياق ذاته، نشر نائب رئيس الغرفة الإيرانية للتجارة "حسين سلاح ورزي" تعليقا في قناته بمنصة تليجرام شبه فيه حذف الأصفار من الريال بأنه "عملية تجميل لمريض سرطان"، وفقا لما أوردته صحيفة "جام جم" الإيرانية، في إشارة إلى عدم وجود أي تأثير للخطوة على تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد.

ويرى "ورزي" أن تغيير العملة لن يؤثر إيجابا في الاقتصاد الإيراني، ولذا فإنه دعا المسؤولين إلى التفكير مليا في حل المشكلات الحقيقية في الاقتصاد "بدلا من مواصلة اللعب بالأعداد والأرقام"، على حد تعبيره.

وخلافا للرواية الرائجة أن حذف الأصفار يساهم في خفض نفقات المحاسبة، يرى نائب رئيس الغرفة الإيرانية للتجارة أن الخطوة ستكون مكلفة في الوقت ذاته، خاصة أنها ستزيد الأخطاء في المحاسبات المالية خلال فترة التغيير من الريال إلى التومان، واصفا إياها بأنها "غير ضرورية بل استعراضية".

ولفت عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى الإيراني "تقي كبيري" إلى زاوية أخرى لتكلفة تغيير العملة، في كلمة له بالبرلمان، وهي تحمل الدولة لكلفة طباعة الأوراق الجديدة وتلف الأوراق النقدية القديمة وتغيير البرامج والأنظمة البنكية والحسابية.

ويتفق معه نائب وزير الاقتصاد الإيراني الأسبق "حيدر مستخدمين حسيني"، مشيرا إلى أن المشروع يحمل الحكومة "30 تريليون ريال من العبء المالي"، وأنه "ستكون له آثار نفسية في الوهلة الأولى، لكنه سيزيد من التضخم وسيبعث إشارات سلبية للسوق"، وفقا لما أوردته شبكة "راه دانا" الإعلامية.

وفيما يشير السجال إلى تباين واضح في تقييم إجراء الإصلاح النقدي، يتفق الجميع تقريبا أن تأثير تغيير العملة سيكون طفيفا وموقتا، ومن المؤكد أنه لن يخلف أثرا اقتصاديا كبيرا، وهو ما عبرت عنه صحيفة "نيويورك تايمز" في تقريرها بشأن الموضوع، واصفة الإجراء النقدي الجديد في إيران بأنه "اعتراف بدور العقوبات وسوء الإدارة الاقتصادية في ارتفاع مستوى التضخم في البلاد".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مجلس الشورى الإيراني الريال الإيراني

بنوك وشركات كويتية توقف التعاملات بالريال الإيراني