ماذا وراء منح الضبطية القضائية لضباط الجيش في مصر؟

الأربعاء 13 مايو 2020 01:52 ص

دخلت التعديلات الجديدة على قانون الطوارئ المفروض في مصر، حيز التنفيذ، بعد التصديق عليها من قبل الرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي".

ويأتي تمرير التعديلات التي نشرتها الجريدة الرسمية، الأسبوع الجاري، تحت غطاء مواجهة انتشار فيروس "كورونا" المستجد "كوفيد-19"، لكن الصلاحيات الموسعة التي منحتها التعديلات لضباط الجيش، تثير مخاوف من توظيفها لخدمة أهداف أخرى.

وتتضمن 5 بنود فقط من التعديلات الـ18 لقانون الطوارئ، نصوصا تتعلق بقضايا تخص الصحة العامة، بينما تعلق 13 تعديلا بتوسيع صلاحيات النظام الحاكم وأجهزته الأمنية وقضائه العسكري.

وترزح مصر تحت حكم الطوارئ منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014، ومن وقتها يجري تمديدها بشكل دوري كل 3 أشهر، بالتحايل على القيود الدستورية، بدعوى مواجهة الإرهاب.

نصوص مثيرة للجدل

تنص التعديلات التي أدخلت على القانون 162 لعام 1958، المعروف باسم "قانون الطوارئ"، على أن "تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ أوامر رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه، فإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف فيها اختصاصات مأموري الضبط القضائي".

كذلك نصت التعديلات على أن "تختص النيابة العسكرية بالتحقيق في الوقائع والجرائم التي يتم ضبطها بمعرفة القوات المسلحة خلال فترة الطوارئ".

وتتيح التعديلات تشكيل محكمة أمن الدولة العليا طوارئ يضم تشكيلها قضاة عسكريين بصفة دائمة (مادة 7)، وهو ما يعني التوسع في إحالة المدنيين للقضاء العسكري.

وتتيع التعديلات الجديدة، لرئيس الجمهورية أو من يفوضه اتخاذ كل أو بعض التدابير لمواجهة حالات الطوارئ الصحية (كورونا نموذجا)، ومنها تعطيل الدراسة بالجامعات والمدارس، وتعطيل العمل كليا أو جزئيا بالوزارات والمصالح، وتقييد الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات.

وتتوسع التعديلات التي جرى تمريرها سريعا من قبل مجلس النواب المصري، في منح النظام الحاكم سلطة تقييد الاجتماعات الخاصة، دون تحديد طبيعتها، ما يعني أن اجتماع شخصين أو 3 قد يكون مجرما وفق البنود الجديدة، حتى في غياب أي حالة طوارئ صحية.

وتلزم التعديلات القادمين للبلاد من الخارج بالخضوع لإجراءات الحجر الصحي وفقاً للاشتراطات الصحية التي تقررها الجهات المختصة، مع إلزام بعض أو كل المستشفيات الخاصة بالعمل بكامل طاقتها التشغيلية لتقديم خدمات الرعاية الصحية بصفة عامة أو لحالات مرضية مشتبه في إصابتها بأمراض محددة.

وتقيد بعض التعديلات الأخرى امتلاك أو نقل أو بيع أو شراء أو تصدير أي سلع أو خدمات، وكذلك تتيح للحكومة التحكم في أسعارها.

الضبطية القضائية

خلال السنوات الأخيرة، وبهدف إحكام القبضة الحديدية على الشارع المصري، تزايدت وتيرة منح الضبطية القضائية لموظفين إداريين في الدولة، بما يشمل مفتشي هيئة الرقابة الإدارية ووزارة الأوقاف، ومحصلي فواتير المياه والكهرباء.

وفي أبريل/نيسان 2017، صدر قرار وزاري يقضي بمنح ضباط الجيش صلاحيات مأموري الضبط القضائي في الطرق العامة التي يسيطر عليها الجيش المصري.

وتكمن خطورة التعديلات الجديدة، في أنها لم تحدد توقيتا زمنيا للعمل بها، بل تركت المجال مفتوحا لاستمرار صفة الضبطية القضائية لضباط القوات المسلحة.

ومع التمديد المستر لحالة الطوارئ للمرة الـ12، فإن الأمر يعني أن صفة الضبطية لضباط الجيش ستكون سلطة جديدة دائمة وليست مؤقتة، قد تستغل لقمع المدنيين.

ويحمل تمرير ذلك التعديل، تجاوزا لاختصاصات وزارة العدل، وهي الجهة المنوطة بمنح صفة الضبطية القضائية، لموظفى الوزارات المختلفة.

وتنص المادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية، على "يجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم".

انتقادات حقوقية

وتعد تلك هي المرة الأولى على الإطلاق التي يتم فيها منح تلك الصفة لعناصر الجيش من خلال تعديلات قانون الطوارئ.

ووفق نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" (حقوقية دولية)، "جو ستورك"، فإن نظام "السيسي" يستخدم جائحة "كورونا" لتوسيع -وليس إصلاح- قانون الطوارئ المسيء.

وترى المنظمة أن إضافة سلطة الضبطية القضائية لضباط الجيش ليس سوى أداة القمع جديدة لا علاقة لها بالصحة العامة، ما يعكس العقلية الأمنية التي تحكم مصر.

في السياق ذاته، ترى منظمة "العفو" الدولية أن الوباء العالمي يستخدم في مصر لتبرير بعض الإجراءات المعنية بتشديد قبضة النظام على البلاد وخنق الحريات.

وتحذر منظمات حقوقية محلية ودولية، من أن التعديلات الجديدة توسع من اختصاصات المحاكم العسكرية لتشمل محاكمة المدنيين، عبر منح النيابة العسكرية سلطة التحقيق في الوقائع التي يكون فيها ضباط الجيش مكلفين بسلطات تنفيذ القانون.

مخاوف مستقبلية

من جهة أخرى، تبرر دوائر إعلامية وبرلمانية في مصر، هذه التعديلات بأنها تأتي تحسبا حال خروج أزمة "كورونا" عن السيطرة، وسط توقعات بارتفاع أعداد المصابين، ووصول البلاد إلى حالة الذروة قريبا.

في المقابل، يرى مراقبون أن الإجراءات الجديدة تعكس مخاوف جدية لدى النظام من حدوث مظاهرات واحتجاجات بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية الناجم عن تفشي الوباء، وفقدان العمالة اليومية مصدر رزقها جراء الحظر، وهو الأمر الذي قد يستدعي فرض حظر شامل، ونشر قوات الجيش في مختلف المحافظات المصرية.

بخلاف ذلك، يرى البعض أن منح الضبطية القضائية لضباط الجيش يأتي تحسبا لمواجهة أي رفض من القطاع الخاص تسخير مستشفياته وإمكاناته لصالح الحكومة خلال الأزمة، ويهدف كذلك لتسهيل مصادرة المستلزمات الطبية من الجهات الخاصة حال قررت الحكومة ذلك.

ويفتح التعديل الخطير والمثير للجدل، الباب أمام تجاوز الجيش لسلطة النائب العام، ومحاكمة المدنيين عبر القضاء العسكري، بما يعصف باستقلال القضاء المصري.

وتبدو المخاوف منطقية من استغلال القانون في تمرير زيادات جديدة في الضرائب، ورفع الدعم نهائيا، وربما اقتطاع جزء من رواتب الموظفين لعلاج الأزمة، حسبما يشير مقترح لقانون من المتوقع أن يخضع لنقاش في البرلمان خلال الفترة المقبلة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية