كيف أثر كورونا على العلاقات بين قطر وتركيا وإيران؟

السبت 16 مايو 2020 12:18 ص

أصبحت جائحة فيروس "كورونا" المستجد قضية عالمية تتجاوز كونها أزمة صحية فقط.

ومنذ ظهوره في الصين، انتشر الفيروس في كل قارة، باستثناء القارة القطبية الجنوبية.

ولم يكن الشرق الأوسط استثناء، وكانت الآثار الاجتماعية والاقتصادية للأزمة محسوسة بشدة في المنطقة.

وكانت إيران بؤرة الفيروس في الشرق الأوسط، وأبلغت طهران للمرة الأولى عن حالات الإصابة بالفيروس في 19 فبراير/شباط لحالة من مدينة "قم" الدينية.

وارتفع عدد الإصابات والوفيات بسرعة منذ ذلك الحين، وصولا إلى 110 ألفا و767 إصابة و6 آلاف و733 وفاة بحلول 13 مايو/أيار 2020.

كما تفشى الفيروس في جميع أنحاء الخليج، حيث ارتفعت الحالات المؤكدة من دول مجلس التعاون الخليجي.

وأبلغت قطر عن أول حالة إصابة لديها في 27 فبراير/شباط، ومنذ ذلك الحين زادت الإصابات لتصبح قطر ثاني أكبر دولة عربية من حيث عدد الحالات، بـ 25 ألفا و149 حالة.

وفي تركيا المجاورة لإيران، جاءت أولى حالات الإصابة المؤكدة بالفيروس بعد ذلك بقليل، وأعلنت وزارة الصحة التركية عن أول حالة إصابة لشخص عائد من أوروبا في 11 مارس/آذار.

وارتفع العدد في تركيا إلى 141 ألفا و500 في 12 مايو/أيار 2020، لتصبح في المرتبة التاسعة من حيث الحالات المؤكدة في العالم.

وفي البلدان البلدان الثلاثة، تسبب الفيروس في معدلات وفيات منخفضة نسبيا. وحتى 12 مايو/أيار 2020، بلغت معدلات الوفيات المرتبطة بالفيروس 2.75% في تركيا، و6.08% في إيران، و0.06% في قطر، بينما سجلت فرنسا نسبة وفيات 19.25%، و14.44% في المملكة المتحدة، و11.8% في أسبانيا.

ومع ذلك، فقد أثر تفشي الوباء على كل جانب تقريبا من جوانب المواطنين العاديين وشؤون الدولة.

وأدت الإجراءات الصارمة، من إغلاق الحدود وتعليق الحركة الجوية والبرية إلى الحجر الصحي، إلى عرقلة تدفق الأشخاص والبضائع محليا وإقليميا.

وكان تأثير الأزمة على إيران شديدا بشكل خاص، بسبب العقوبات الأمريكية وهبوط أسعار النفط إلى مستويات تاريخية، في وقت تحتاج فيه طهران بالتأكيد إلى دخل من النفط لتخفيف أثر العقوبات.

ومن جهتها، يبدو أن الدوحة كانت مستعدة للإغلاق الكامل، حيث قامت قطر بتأمين سلاسل توريد متنوعة، وتحركت نحو الاكتفاء الذاتي منذ الحصار الذي فرضته عليها السعودية والبحرين والإمارات منذ يونيو/حزيران 2017.

ومع ذلك، تحتاج هذه الدولة الخليجية الصغيرة إلى إبقاء قنوات التعاون والاتصال مفتوحة مع حلفائها الإقليميين ضد حملة تضليل واسعة تتعرض لها وسط الجائحة.

وبالمثل، تعد التوقعات الاقتصادية لتركيا قاتمة، ومن المتوقع أن يؤدي تأثير كورونا إلى تعطيل الصادرات والسياحة، وعرقلة الحصول على استثمارات، والتأثير على استقرار العملة ومعدلات التضخم.

ويتعين على أنقرة إيجاد توازن جيد بين الضغوط الاقتصادية والتدخلات الإقليمية في سوريا ومؤخرا في ليبيا.

ووسط التأثير الذي تكشفه أزمة "كوفيد-19"، يبدو أن العلاقات الثنائية بين تركيا وإيران وقطر تواجه تراجعا في المجالات الاقتصادية.

ومع ذلك، تحاول الدول الثلاث إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع بعضها البعض. ويتضح هذا بشكل خاص في علاقات تركيا وقطر مع إيران، ويظهر في التضامن وتقديم المساعدة إلى البلد المتضرر من الأزمات.

وتوفر مقاربات القوة الناعمة لأنقرة والدوحة تجاه طهران، والدبلوماسية الإنسانية خلال هذه الأوقات الصعبة، فرصا لتعزيز مكانتهما الدولية وحمايتهما من العزلة الإقليمية.

  • أزمة كورونا والانكماش الاقتصادي في العلاقات الثنائية

وتعد التجارة الثنائية بين إيران وتركيا الجانب الأكثر تضررا من العلاقات في أزمة "كوفيد-19".

وكان هناك بالفعل انكماش بنسبة 70% في حجم التجارة خلال الربع الأول من عام 2020، مقارنة مع التبادلات الثنائية في الفترة نفسها من العام السابق.

وأدت العقوبات الأمريكية على إيرانا، وسياسة "أقصى ضغط" الأمريكية منذ عام 2018، إلى تعقيد العلاقات التجارية الثنائية مع تركيا.

وأدت التدابير الأولية لاحتواء انتشار الفيروس، مثل إغلاق الحدود والحركة الجوية والبرية، إلى تفاقم هذا الوضع أكثر.

وبالرغم من مواقفهما المختلفة من الصراع السوري على مدى العقد الماضي، نجحت كل من إيران وتركيا في الحفاظ على علاقات ودية وتوسيع التجارة الثنائية.

وبالنسبة لإيران، تعد تركيا أكبر مستورد للغاز الطبيعي الإيراني، وهي قناة دعم تاريخية لاقتصادها تحت ضغوط عديدة.

وفي المقابل، تنظر تركيا إلى إيران كمصدر مهم للغاز الطبيعي والنفط الخام على عتبة بابها لتلبية احتياجاتها من الطاقة.

وتعد إيران مسار عبور للبضائع التركية لأسواق آسيا الوسطى وكذلك قطر منذ عام 2017، كما أن إيران سوق كبيرة ومهمة للصادرات التركية غير النفطية.

وكثف المسؤولون الأتراك والإيرانيون جهودهم لاستئناف التبادل التجاري وسط الأزمة.

وفي محادثة هاتفية في أواخر أبريل/نيسان بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ونظيره الإيراني "حسن روحاني"، تم التأكيد على أهمية وضع خطط للحفاظ على التبادلات التجارية الثنائية بما يتفق مع اللوائح الصحية.

وسوف تتأثر السياحة أيضا بشكل سلبي في عام 2020، حيث شكل الزوار من إيران 6.27% من إجمالي عدد الأجانب الذين زاروا تركيا في عام 2019.

وبالنسبة لعام 2020، كان من المتوقع أن تستضيف تركيا 6 ملايين سائح من إيران.

ومع ذلك، أدى تفشي الوباء إلى تأثير مدمر على قطاع السياحة؛ حيث توقف السفر الدولي إلى تركيا تماما في وقت كتابة هذا التقرير.

وربما تؤثر أزمة "كورونا" أيضا على العلاقات الاقتصادية المزدهرة مؤخرا بين قطر وإيران.

وفي الوقت الذي اتبعت فيه الدول الخليجية موقفا متكيفا تجاه بعضها البعض منذ الثورة الإسلامية عام 1979، عززت إيران وقطر علاقاتهما، سياسيا واقتصاديا، وسط الحصار المفروض على قطر منذ عام 2017.

وكانت إيران من أوائل الدول التي عرضت على قطر استخدام مجالها الجوي وطرق الشحن لديها للتغلب على الحصار. كما ارتفعت الصادرات الإيرانية إلى قطر بنسبة 181% بين عامي 2016 و2017.

ومع ذلك، بدأت أزمة "كوفيد-19" بالفعل في التأثير على العلاقات الاقتصادية بين الدوحة وطهران، حيث كان من المقرر عقد اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة لإيران وقطر في 19 أبريل/نيسان، ولكن تم تأجيله لما بعد انتهاء تهديد التفشي.

وربما تهدد الأزمة اتفاقية النقل بين تركيا وإيران وقطر، الموقعة في 2017 لزيادة حجم التجارة بين الدول الثلاث.

  • دبلوماسية "كورونا" والقوة الناعمة

ومع تفشي فيروس "كورونا" في إيران، تدفقت المساعدات الإنسانية لها من تركيا وقطر.

وركزت تركيا على الإمدادات الطبية والأقنعة والأدوية.

وبالمثل، خلال شهر مارس/آذار وأبريل/نيسان، شحنت قطر عدة مجموعات من المساعدات الطبية إلى إيران. وتم إرسال رابع شحنة في 29 أبريل/نيسان مع نحو 16 طنا من الإمدادات الطبية.

علاوة على ذلك، أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن خدمات مجانية لجميع الأشخاص والحكومات الراغبة في توفير المساعدة الطبية والمعدات الطبية لإيران. كما تبادل البلدان المحادثات الهاتفية على أعلى مستوى خلال الأزمة.

وتعد الدبلوماسية الإنسانية والمساعدات الخارجية ركائز مهمة للسياسات الخارجية التركية والقطرية.

ومع هذه الإيماءات، تثبت أنقرة والدوحة أنهما شريكان موثوقان وقادران ومسؤولان ومتجاوبان في الأوقات الصعبة.

ومن منظور تحليل القوة الناعمة، مكّن انتشار الفيروس التاجي الجهات الفاعلة الأكثر استعدادا وتجهيزا بشكل أفضل، مثل تركيا وقطر، من ممارسة القوة الناعمة النابعة من أعمال الخير، ما "يطمئن الآخرين لنوايا البلدين السلمية أو الخيرية، وبالتالي فهي دعوة للتعاون".

وأدت أزمة "كورونا" وتأثيرها المدمر على إيران إلى تعزيز الرغبة في تقوية العلاقات الدبلوماسية والامتداد الإنساني مع تركيا وقطر.

وخلقت الأزمة مساحة لحلفاء إيران لبدء خطوات في السياسة الخارجية لتعزيز قوتهم الناعمة ومكانتهم الدولية في وقت تكافح فيه القوى الكبرى لاحتواء انتشار الفيروس محليا.

  • الخلاصة

أحدثت أزمة فيروس "كورونا" مشاكل كبيرة وفرص صغيرة لدول الشرق الأوسط. وجعلت التطورات الأخيرة في المنطقة، وأبرزها الأزمة الخليجية والعداء المشترك تجاه مواقف السياسة الخارجية للإمارات والسعودية، تركيا وإيران وقطر أقرب إلى بعضها البعض في علاقة مبنية على المصالح والمنافع المتبادلة.

ومع ذلك، فإن القيود المادية والمصاعب الاقتصادية وحالات عدم اليقين في المستقبل وسط تفشي فيروس كورونا تعرقل مستقبل العلاقات.

وبينما تبذل تركيا وقطر قصارى جهدهما للاستفادة من دبلوماسية المساعدة الإنسانية لإظهار حسن نواياهما تجاه إيران، فإن تراجع العلاقات الاقتصادية سيؤدي إلى ظهور خلافات سياسية بين تلك الدول في وقت أقرب مما كان متوقعا.

وتمثل المعركة الأخيرة حول إدلب في سوريا أرضية اختبار لعلاقات طهران مع أنقرة وسط تطورات تتكشف في عام 2020، حيث واجهت عمليات تركيا في جبهة إدلب الإدانة من قبل إيران.

ومن وجهة نظر قطر، يتعين على الدوحة السير على حبل مشدود للحفاظ على علاقاتها البراجماتية مع إيران دون إغضاب واشنطن، وسط ضغوط "ترامب" المتواصلة على طهران.

المصدر | نسيبا هجرت باتال أوغلو/مركز دراسات الخليج - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا ما بعد كورونا العلاقات القطرية الإيرانية العلاقات التركية الإيرانية

أردوغان وروحاني يشددان على ضرورة إعادة فتح حدودهما

روحاني لتميم: قطر دولة صديقة 

اجتماع ثلاثي بإسطنبول يجمع قطر وتركيا وإيران

عبر البحر.. قطر وإيران تدرسان الربط الكهربائي