كيف تستجيب دول الخليج لصدمات سلاسل التوريد بسبب كورونا؟

السبت 16 مايو 2020 09:53 م

تقع دول مجلس التعاون الخليجي في واحدة من أقسى المناطق الصحراوية في العالم، مع عدم وجود موارد مياه عذبة طبيعية، وإنتاج زراعي محدود، ومناخ يمكن أن تصل فيه درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية في أشهر الصيف.

ولكن بالرغم من هذه التحديات الدائمة، التي واجهتها الحكومات الإقليمية لأجيال، لا تزال دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد بشكل شبه كامل على واردات السلع الأساسية، مثل الغذاء والمعدات الطبية وقطع الغيار لمحطات التحلية والطاقة التي تحافظ على الحياة في المنطقة.

والآن، مع ظهور جائحة "كوفيد-19"، وتعطيلها لشبكات الإمداد العالمية، قد تجد دول المجلس صعوبة متزايدة في توفير تدفق آمن ومستقر لهذه السلع المستوردة.

ولحسن الحظ، بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، لم تواجه أي دولة حتى الآن نقصا طارئا في الإمدادات الحيوية. ولكن مع ذلك، هناك احتمال أن يوقف الشركاء التجاريون الرئيسيون الصادرات إلى المنطقة.

على سبيل المثال، أعلنت أوكرانيا، وهي مصدر كبير للقمح والمنتجات الزراعية إلى دول المجلس، أنها ستنظر في تصدير القمح لضمان إمدادات كافية لسوقها المحلية.

وفي الهند، وهي مصدر رئيسي للمنتجات الزراعية إلى دول الخليج، واجه تجار الأرز نقصا في اليد العاملة، وتحديات لوجستية، ما جعل صادرات "الأرز البسمتي الممتاز" عالقة ولم يتم تسليمها إلى دول مثل السعودية والعراق وإيران خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان.

ونظرا لوضعها كدول تعتمد بشكل كبير على الاستيراد وتتعرض لصدمات الإمداد الخارجية، فقد اعتبرت دول الخليج منذ فترة طويلة أمن إمدادات الغذاء والماء والسلع الأساسية الأخرى مصدر قلق رئيسي للأمن القومي.

ومع ذلك، فإن حجم وتأثير وباء كورونا على الدول حول العالم يمكن أن يدفع دول الخليج إلى تسريع المبادرات لتعزيز وتأمين سلاسل التوريد الخاصة بها من السلع الحيوية. وسيكون تحقيق ذلك أمرا ضروريا لضمان الأمن الاقتصادي والازدهار للمنطقة في المستقبل.

تأمين سلاسل التوريد

وقبل تفشي وباء كورونا الجديد، بدأت حكومات مجلس التعاون الخليجي في تبني العديد من الأساليب لتأمين الإمدادات من السلع والخدمات الحيوية.

وتنقسم هذه الأساليب إلى 3 فئات، تتراوح من السهل نسبيا في التنفيذ، إلى العمليات التي تستغرق وقتا طويلا وتستهلك الكثير من رأس المال.

وتشمل الأولى مراكمة المخزونات من السلع والمعدات، وتشمل الثانية تنويع مصادر التوريد، والاستثمار في القدرة الإنتاجية في الخارج، فضلا عن توطين إنتاج السلع والخدمات على المستوى الوطني.

وأصبحت زيادة سعة المخزونات تدبيرا رئيسيا في جميع أنحاء المنطقة في الأعوام الأخيرة. وفي قطر، على سبيل المثال، بعد صدمة العرض الناتجة عن الحصار الاقتصادي المفروض في يونيو/حزيران 2017، تحركت الحكومة لزيادة مخزونها الاستراتيجي من المواد الغذائية عن طريق زيادة المخزونات لتستمر لمدة عام تقريبا لمواجهة أي أزمات مطولة.

وبالمثل، أنشأت الإمارات مجمع كبير يضم ميناء وصوامع تخزين في إمارة الفجيرة في أقصى شرق البلاد، ما يوفر للبلاد 6 أشهر من إمدادات القمح ونقطة وصول تقع خارج مضيق هرمز.

وبالإضافة إلى تخزين الأغذية، ركزت دول المنطقة أيضا على زيادة تخزين موارد المياه العذبة الثمينة. وبدأت عدة دول خليجية في بناء خزانات جديدة بسعة كبيرة لضمان إمدادات كافية لسكان المنطقة المتناميين.

على سبيل المثال، تخطط السعودية، التي تعتمد بشكل كامل تقريبا على المياه العذبة المحلاة، لزيادة سعة تخزين المياه من أكثر من يوم واحد فقط من الاستهلاك في عام 2017 إلى أكثر من 7 أيام من الاستهلاك بحلول عام 2030.

وفي قطر المجاورة، بدأ العمل في إنشاء ما سيكون في الأساس أكبر خزان مياه في العالم. وسيعمل "مشروع الخزان الضخم" على زيادة سعة تخزين المياه العذبة في البلاد بنسبة تقارب 150%، أو ما يعادل 180 بركة سباحة أوليمبية، ما يضمن إمدادات مياه الشرب لفترة طويلة من الزمن.

ولن تحافظ خزانات المياه العذبة ومستودعات التخزين الإضافية على الحياة في شبه الجزيرة لفترة طويلة من الزمن، ولكنها ستوفر للحكومة المزيد من الوقت لمعالجة أي اضطراب طارئ في نظام تحلية المياه في البلاد.

ويعد تنويع طرق الإمداد والاستثمار في القدرة الإنتاجية في الخارج أيضا نهجا استخدمته دول الخليج للحصول على السلع الأساسية، حتى في أوقات الأزمات.

وفي عام 2017، فقدت قطر الوصول إلى طرق الشحن الجوي والبري والبحري الرئيسية بعد أن فرضت السعودية والإمارات والبحرين حصارا على البلاد.

وفي مواجهة النقص الكبير المحتمل في الإمدادات نتيجة الحصار، سرعان ما تحركت قطر لتأمين الإمدادات من خلال تحديد طرق شحن بديلة عبر دول مثل إيران وعمان وتركيا.

ومن خلال استخدام المجال الجوي الإيراني لشحن البضائع الجوية للسلع الحرجة وزيادة واردات المنتجات الغذائية من تركيا وأماكن أخرى، زادت الدولة من تنوع سلسلة التوريد الوطنية وقللت من اعتمادها على الدول المجاورة.

كما ساعدت الاستثمارات في الطاقة الإنتاجية في الخارج دول المجلس على تأمين الإمدادات من السلع الزراعية الأساسية.

على سبيل المثال، أنشأت السعودية والإمارات شركات قابضة للاستثمار في المجالات الزراعية في مناطق بعيدة مثل أستراليا وأوكرانيا لضمان استمرار الواردات من المنتجات الزراعية والثروة الحيوانية.

وفي الشهر الماضي، سلمت الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني "سالك" شحنتها الأولى من 60 ألف طن من القمح من الحيازات الزراعية في أوكرانيا.

وستساعد هذه الحيازات على ضمان التدفق المستمر للسلع الزراعية إلى البلدان التي لا يمكنها تنفيذ عمليات زراعة واسعة ومجدية اقتصاديا بسبب نقص المياه والأراضي الصالحة للزراعة.

ومع ذلك، فمن بين الطرق الثلاثة، فإن التحدي الأكبر هو أن تستثمر دول مجلس التعاون الخليجي في توطين إنتاج السلع التي يمكن إنتاجها في الداخل.

وتهدف مبادرات الأقلمة إلى زيادة حصة المحتوى المحلي في المشتريات وتطوير القدرات الإنتاجية المحلية في صناعة أو قطاع معين.

على سبيل المثال، قد تقرر الدولة الاستثمار في بناء مصنع لتصنيع الأدوية محليا، بدلا من الاعتماد على الواردات من الخارج.

وحظيت هذه المبادرات باهتمام متزايد من صانعي السياسات في المنطقة نظرا للفوائد التي تقدمها في تحقيق أهداف التنوع الاقتصادي الإقليمي واستراتيجيات التنمية، مثل "رؤية السعودية 2030".

وتركز معظم جهود التوطين على قطاعي الطاقة والكهرباء نظرا لحصتها الضخمة في الاقتصادات الإقليمية. ونفذت السعودية، على سبيل المثال، مبادرات التوطين عبر الشركات الحكومية الكبرى، مثل برنامج أرامكو للقيمة الإجمالية المضافة "إكتيفا"، وبرنامج شركة سابك "نوسانيد"، بالإضافة إلى مبادرات أصغر من مؤسسة تحويل المياه المالحة والشركة السعودية للكهرباء.

وتسعى هذه البرامج إلى تطوير المواهب المحلية وقدرات التصنيع، وإنشاء متاجر لإنتاج قطع الغيار، وإجراء عمليات الصيانة، وتوفير الدراية الفنية لأكبر الشركات في البلاد.

وفي قطاع تحلية المياه، على سبيل المثال، تسعى الحكومة السعودية لاستثمار مئات الملايين من الريالات في السلع والمعدات، بما في ذلك الأغشية والفلاتر والمضخات وشاشات السحب.

كما استهدفت مبادرات التوطين في المنطقة إنتاج الغذاء. ومن خلال برنامج قطر للأمن الغذائي، تمكنت الدوحة من زيادة الإنتاج الزراعي والحيواني بسرعة بعد الحصار في منتصف عام 2017.

وبعد استيراد أبقار الألبان وغيرها من الماشية بسرعة، إلى جانب بناء منشأة كبيرة خارج الدوحة، يمكن لشركة "بلدنا"، التي تأسست بعد الأزمة، أن توفر الآن نحو 100% من احتياجات قطر من الحليب والجبن ومنتجات الألبان الأخرى، مع إمكانية إرسال فائض التصدير إلى دول مثل أفغانستان وعمان واليمن.

ويرى بعض المحللين أن الحصار قد ساعد قطر على التعامل مع جائحة "كوفيد-19" بشكل أفضل.

الاستجابة للأزمة

وجلبت أزمة تفشي كورونا اهتماما متجددا بسلاسل التوريد العالمية؛ حيث تظهر تقارير نقص الإمدادات والتحديات اللوجستية التشغيلية.

وفي هذا السياق، يبدو أن دول الخليج تبنت مزيجا من الأساليب الثلاثة من خلال تخزين الإمدادات الطبية والغذائية الرئيسية، مع الاستمرار في تحديد وسائل جديدة لتحسين قدرات الإنتاج المحلية.

وفي محاولة لتنسيق الأمن الغذائي عبر دول مجلس التعاون الخليجي، اجتمعت الدول مؤخرا لإنشاء شبكة مشتركة لسلامة الإمدادات الغذائية.

وفي حين لم يتم نشر تفاصيل محددة حول المبادرة المشتركة، إلا أنها خطوة إيجابية في تعزيز الأمن الغذائي في جميع أنحاء المنطقة.

وفي السعودية، تعهدت الحكومة أيضا بتقديم 2 مليار دولار لصندوق التنمية الزراعية في المملكة لضمان استمرار واردات الأغذية خلال أزمة فيروس كورونا.

وسيتم تنفيذ هذه المبادرة من خلال القروض المباشرة وغير المباشرة، وسوف تقتصر في البداية على الذرة الصفراء والأرز وفول الصويا والسكر، مع التوسع لاحقا لتشمل المزيد من المنتجات.

وقد يساعد التعريب والتطور السريع لقدرات التصنيع دول الخليج على ضمان الإمدادات الأساسية الكافية طوال أزمة "كورونا".

وفي الإمارات، تخطط شركة "أي بي سي جروب"، وهي شركة استشارية واستثمارية في المجال التكنولوجي، لتطوير منشأة بسرعة لإنتاج ما بين 300 ألف إلى 600 ألف قناع جراحي يوميا.

وسيتم استخدام هذه الإمدادات في السوق المحلية وتصديرها إلى الخارج حسب الحاجة. وأعادت شركة إماراتية ثانية، وهي "إمينسا"، توجيه طابعاتها ثلاثية الأبعاد، حيث تحولت من طباعة مكونات التصنيع لصناعة النفط والغاز إلى إنتاج ما يزيد عن 20 ألف درع طبي للوجه أسبوعيا.

وفي السعودية، عزز مشروع محلي لشركة "جريد سولوشنز" من "جنرال إلكتريك" إنتاج معدات الشبكة الكهربائية مثل لوحات التحكم.

وستساعد لوحات التحكم المصنعة محليا، التي تحمي المحطات الفرعية الكهربائية المهمة في المملكة، على ضمان إمداد ثابت بالكهرباء خلال أشهر الصيف القاسية القادمة، ومواجهة أي انقطاع محتمل في الإمدادات من الموردين العالميين.

وبفضل الدعم المالي القوي، سمحت هذه الأساليب للمنطقة بتجنب أي نقص كبير في السلع والإمدادات. علاوة على ذلك، التزمت بعض البلدان، بما في ذلك الإمارات وقطر، بشحن إمدادات من السلع الطبية إلى البلدان التي تضررت بشدة من الوباء، ما يشير إلى أن الإمدادات المحلية من معدات الوقاية الطبية الشخصية لم تنفد.

لكن على المدى الطويل، ستحتاج دول الخليج إلى مواصلة تعزيز سلاسل التوريد الوطنية الخاصة بها.

ومع استمرار العالم في التصدي للجائحة، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي، مثل العديد من البلدان حول العالم، التعامل مع التحديات الرئيسية الناشئة عن اضطرابات سلاسل التوريد.

وعلى الصعيد العالمي، هناك حاجة للحكومات والشركات للنظر إلى صدمات سلاسل التوريد الدولية على أنها دعوة للاستيقاظ، ولكن أيضا كفرصة قيمة لمعالجة الاعتماد الخطر على الواردات.

وتعتبر الظروف مناسبة للانخراط في إعادة تقييم دقيقة وفي الوقت المناسب لأماكن إنتاج الإمدادات والبضائع والجهات القائمة على إنتاجها.

المصدر | جورجيو كافييرو - منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا ما بعد كورونا جائحة كورونا مجلس التعاون الخليجي حصار قطر

الحجر الصحي وسلاسل التوريد.. من يقضي على الآخر؟

الكويت تعزل 267 مصريا للاشتباه في إصابتهم بكورونا

أكثر من 146 ألف إصابة و693 وفاة بكورونا في دول الخليج

يمتد لعامين.. الاضطراب يتواصل في سلاسل التوريد بسبب كورونا