تـونـس وقـانـون مـكافحــة الإرهـاب غير الفعــال

الجمعة 21 أغسطس 2015 07:08 ص

ينتهك قانون مكافحة الإرهاب الجديد في تونس الحريات المدنية، ولايُقدّم إطاراً لمنع التطرف العنفي.

بعد عامَين من الانقسامات حول بنود عدّة، أقرّ مجلس نواب الشعب في تونس قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب في 24 تموز/يوليو الماضي. وقد صادق على مشروع القانون 174 نائباً من أصل 217 (مع امتناع 10 عن التصويت)، ويحلّ مكان قانون مكافحة الإرهاب للعام 2003 الذي طبع معارك تونس مع الإرهاب خلال العقد المنصرم. وقد أُنجِز القانون الجديد على عجل بعد هجومَي باردو وسوسة، ومن غير المرجّح أن يزيد من فعالية الجهود التي تُبذَل حالياً لمكافحة الإرهاب. وقد تعرّضت جوانب مختلفة في مشروع القانون لانتقادات شديدة اعتبرته قصير النظر ورجعياً. في غضون ذلك، لاتزال البلاد تفتقر إلى استراتيجية شاملة وطويلة الأمد لمكافحة الإرهاب ومواجهة جاذبية التطرف وقدرته على الاستقطاب.

منذ الهجمات، تحتدم التشنّجات وقد أصبحت البلاد منقسمة بين من يؤيّدون التشدّد في الإجراءات الأمنية ومن يخشون التضييق على حقوق الإنسان. وقد حصل التصويت على مشروع القانون وسط مشاعر مشحونة، وحتى مَن أعربوا عن مخاوف شديدة بشأن مشروع القانون اختاروا الامتناع عن التصويت أو عدم حضور الجلسة بدلاً من التصويت ضده. وقد شنّت بعض الصحف التونسية، لاسيما صحيفة "لابرس" المملوكة من الدولة، حملة تشهير بحق النواب العشرة الذين امتنعوا عن التصويت، والمنتمين إلى أحزاب مختلفة. وهاجمت أيضاً منظمات حقوق الإنسان التي أعربت عن مخاوف بشأن القانون الجديد، واتّهمتها بدعم الإرهاب. 

يسعى القانون الجديد إلى جعل الإجراءات المستخدَمة في مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال أكثر فعالية. تأمل الحكومة التونسية بأن تتيح اللجنة الوطنية التي يقترح القانون إنشاءها لمكافحة الإرهاب - وهي عبارة عن لجنة مشتركة دائمة تضمّ أشخاصاً من مختلف الوزارات ومن السلك القضائي، وكذلك من المنظمات الأهلية - تعاوناً أفضل بين هذه الكيانات المختلفة. مهمة اللجنة إسداء النصائح والإرشادات حول القوانين المستقبلية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، واقتراح إجراءات وقائية للتصدّي للإرهاب في المدى الطويل. ينص القانون الجديد أيضاً على تشكيل وحدة من القضاة متخصّصة في قضايا الإرهاب (الفصل 38)، ويضع التحقيقات في عهدة مأموري الضابطة العدلية في تونس بدلاً من الدوائر على مستوى المحافظات (الفصل 36). والهدف من ذلك هو جعل الإجراءات أكثر وضوحاً ومباشرةً، وتجنُّب ضياع المعلومات بين وحدات الشرطة المختلفة، على الرغم من أنه من الصعب معرفة إذا كانت هذه التدبيرات ستساهم في تسريع آلية التحقيقات.

بيد أن المجتمع الأهلي والناشطين الحقوقيين وجّهوا انتقادات حادّة للقانون الجديد بسبب عدم تقيّده بالمعايير الدولية، معربين عن مخاوفهم من إمكانية انتهاكه للحريات المدنية. على الرغم من أن الحكومة تدّعي أن القانون لن يهدّد الإنجازات الديمقراطية التي تحقّقت في تونس، إلا أن الخبراء يقولون إنه قد يُفسح في المجال أمام عودة السلطوية تحت غطاء مكافحة الإرهاب. وتبدي المجموعات الحقوقية الوطنية والدولية قلقها في شكل خاص من التعريف الواسع للإرهاب والأعمال الإرهابية. يعتبر مشروع القانون للعام 2015 أن التنظيم الإرهابي هو "مجموعة ذات هيكل تنظيمي مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر تكوّنت لأي مدة كانت وتعمل بصورة متظافرة بهدف ارتكاب إحدى الجرائم الإرهابية المنصوص عليها بهذا القانون". ومن الأعمال المذكورة في القانون الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة أو بالموارد الحيوية أو بالبنية الأساسية مثل وسائل النقل أو الاتصالات، ويُعاقَب عليها بالسجن مدّة عشرين عاماً وبدفع غرامة قدرها مئة ألف دينار (51000 دولار أميركي) (الفصل 13). يشير منتقدو القانون إلى أنه من شأن هذه المادّة أن تتيح للسلطات تصنيف المشاركين في تظاهرة لرفع مطالب اجتماعية أو اقتصادية في خانة الإرهابيين، في حال ألحق المشاركون مثلاً أضراراً بمركز للشرطة أو عطّلوا شبكة المواصلات خلال الاحتجاج، حتى لو لم تكن لديهم أي روابط مع الإرهابيين. وبالتالي يمكن استخدام القانون لمنع تحرّكات اجتماعية سلمية إلى حد كبير وإلصاق الطابع الجرمي بها.

علاوةً على ذلك، يمكن إبقاء الأعضاء المشتبه بانتمائهم إلى تنظيمات إرهابية، في الحجز لدى الشرطة لمدّة تصل إلى أسبوعَين من دون منحهم الحق بالمساعدة القانونية، في حين أن هذه المدة كانت تقتصر على ستة أيام بموجب القانون السابق. يستمر التعذيب في سجون الشرطة، والذي كان شائعاً في ظل النظام السابق، حتى بعد اندلاع الانتفاضة السياسية في العام 2011، وتخشى المنظمات الإنسانية أن تتحوّل سوء معاملة المشتبه بهم على أيدي القوى الأمنية، إلى ممارسة منتظمة من جديد في المناخ السياسي السائد حالياً. كما أن صلاحيات المراقبة الواسعة التي يمنحها مشروع القانون الجديد للسلطات، مثل التنصّت على الاتصالات وتركيب أجهزة المراقبة (الفصل 52)، تعيد التونسيين بالذاكرة إلى النظام السابق، حيث كانت اتصالات المعارضين السياسيين وبريدهم الإلكتروني ومراسلاتهم الرقمية تخضع للمراقبة التعسّفية.

أحد مصادر القلق الأساسية في القانون الحالي هو إعادة العمل بعقوبة الإعدام في حالة بعض الأعمال الإرهابية. حتى النواب الذين يؤيّدون في شكل عام مشروع القانون الجديد يبدون مخاوفهم من هذه المسألة. صحيح أنه لم يتم قط إلغاء عقوبة الإعدام في تونس ولاتزال موجودة في القانون الجنائي، إلا أن تنفيذها متوقّف منذ العام 1991، عندما تحوّلت تلقائياً إلى حكم بالسجن المؤبّد. يشدّد مؤيّدو إعادة إدراج عقوبة الإعدام في القانون، على قدرتها على ردع الأعمال الإرهابية، بيد أن معارضي هذه الممارسة يخشون أن يؤدّي المناخ السياسي الحالي إلى تجدّد تنفيذ هذه العقوبة.

في حين تؤمّن هذه الإجراءات إطاراً قانونياً جديداً للسلطات من أجل التصدّي للتيارات الإرهابية، يفشل مشروع القانون في تقديم حل شامل للمشاغل الأمنية التونسية. فالقانون الجديد يُجرِّم التخطيط للأعمال الإرهابية وتنفيذها، لكنه لايولي الاهتمام الكافي لمنعها أو للعمل من أجل استئصال التشدّد لدى المتطرفين الشباب في شكل أساسي، الذين لاينفّذون فقط هجمات في تونس ضد القوى الأمنية والسياح، إنما يشكّلون أيضاً العدد الأكبر من المقاتلين الأجانب في سورية والعراق. الشهر الفائت، فرضت تونس قيوداً على سفر المواطنين دون سن الخامسة والثلاثين إلى تركيا والمغرب والجزائر وليبيا. وسُجِّلت أيضاً موجة لافتة من التوقيفات خلال الأشهر منذ بداية السنة، مع اعتقال حوالي مئة ألف شخصاً (نحو واحد في المئة من السكّان)، بحسب الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية التي لم تعطِ تفاصيل عن التهم الموجّهة إلى الموقوفين أو عن مكان اعتقالهم. غالباً ماتُعتبَر هذه الإجراءات تعسّفية، وتشكّل، إلى جانب الظروف الاقتصادية البائسة في المناطق الداخلية وشبكات الخطاب الديني المتشدّد، أرضاً خصبة للتطرّف. لن ينجح قانون تقييدي غير مرفَق بحلول طويلة الأمد لمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الملحّة، في مكافحة الإرهاب بطريقة فعالة.

لقد أعلن رئيس الوزراء حبيب الصيد عن عقد مؤتمر وطني في أيلول/سبتمبر المقبل، حيث ستلتقي المؤسسات الحكومية والمجتمع الأهلي من أجل الاتفاق على استراتيجية أكثر شمولاً تأخذ في الاعتبار الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتربوية. ثم يقع على عاتق اللجنة الوطنية مكافحة الإرهاب كي تثبت فعاليتها، وعلى عاتق الحكومة وضع الوسائل الكافية في تصرّف اللجنة. حتى ذلك الوقت، ثمة خطرٌ بأن تتفوّق الإجراءات التقييدية في القانون على الجوانب الإيجابية.

* ساره ميرش صحافية مستقلة مقيمة في تونس.

  كلمات مفتاحية

تونس قانون مكافحة الإرهاب الحريات المدنية التطرف هجومَ باردو هجوم سوسة