هل تتجه أمريكا إلى تغييرات استراتيجية في علاقتها مع السعودية؟

الاثنين 1 يونيو 2020 06:54 م

يجب على الولايات المتحدة إعادة تقييم علاقتها مع السعودية كجزء من جهد أوسع للحد من بصمتها العسكرية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وفقًا لما قاله 3 خبراء في شؤون المملكة وسياسة الولايات المتحدة تجاه دول الخليج.

وأكد "جريجوري جوز"، الأستاذ في كلية بوش للإدارة الحكومية في جامعة تكساس إي أند إم، مشيرا إلى غزو العراق عام 2003 وقصف ليبيا عام 2011، أن "أكبر عامل لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة كان الولايات المتحدة، وعلينا أن ندرك ذلك. لذا أعتقد أن الوقت قد حان بالنسبة لنا للنظر إلى الشرق الأوسط بمزيد من التواضع".

قدم "جوز" هذه التعليقات في لجنة نقاش بالفيديو عبر "زووم" حول مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية، استضافها معهد "كوينسي" في 27 مايو/أيار.

يعد "جوز" في أحيانًا كثيرة عميد الدراسات السعودية في الولايات المتحدة، وانضم إليه في النقاش "آرون ديفيد ميللر"، وهو زميل بارز في مؤسسة "كارنيجيي" للسلام الدولي وخبير بارز في السياسة الأمريكية في المنطقة، بالإضافة إلى "مضاوي الرشيد"، الأستاذة الزائرة في كلية لندن للاقتصاد وأحد أهم الخبراء بالديناميات الداخلية في المملكة.

بالنظر إلى التراجع المتوقع في الأهمية الاستراتيجية للنفط وتنامي نظام جيوسياسي متعدد الأقطاب؛ تكهن المشاركون الثلاثة بكيفية تطور العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية بعد الطابع الشخصي للغاية الذي اتخذته تحت قيادة "دونالد ترامب" وولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان".

وسأل "ميلر" قائلًا: "ما هي المصالح الأمريكية الحيوية؟ أمضيت عقدين من الزمن في محاولة معرفة ذلك ولم أكن راضيًا تمامًا عن الإجابة".

افترض "ميلر" أن المصالح الأمريكية الحيوية تقتصر على حماية الوطن، والحفاظ على قدرة الوصول إلى النفط كمورد حيوي استراتيجي، ومنع ظهور هيمنة إقليمية بالأسلحة النووية.

وأضاف: "هل تتوافق المصالح الأمريكية والسعودية مع هذه المصالح الحيوية الثلاثة؟ أعتقد أنه يمكن القول بأنهم لا يفعلون ذلك بشكل كبير".

طابع المقايضة للعلاقة

رأت "مضاوي الرشيد" أن العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية قد أُنهكت في العقدين الماضيين، حيث مرت بأزمات متعددة وربما تجاوزت الفائدة المرجوة منها، وأوضحت أن القيادة السعودية ترى علاقتها بالولايات المتحدة كوسيلة لتحقيق ما تريده.

وأوضحت "الرشيد" قائلة: "من وجهة النظر السعودية؛ فإنهم يرون الولايات المتحدة ضامنة لبقاء النظام ومصدرا للأسلحة".

وصف "ميلر" ذلك بكونه "درجة ملحوظة من التبعية"، موضحا أن الحكومة السعودية بدت أكثر اعتمادا على الحكومة الأمريكية من أي وقت مضى.

وأكدت "مضاوي" أن "النظام ليس له شرعية داخلية، خاصة في السنوات الثلاث إلى الأربع الماضية، إنه يعتمد بشكل كبير على الدعم الأمريكي"، وأرجعت ذلك إلى فشل القيادة الحالية بقيادة ولي العهد "محمد بن سلمان" في تحقيق إجماع بين النخبة السعودية، وهو الشيء الذي كان يميز في السابق عملية صنع القرار في السعودية.

ومع ذلك، عارض "جوز" فكرة أن السعودية أصبحت أكثر اعتمادًا بشكل ملحوظ على الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، أو أنها أكثر عرضة للخطر داخليًا مما كانت عليه في الماضي.

ورأي أنه إذا كان النظام يواجه مثل هذه التحديات فعلًا، فالولايات المتحدة لن تكون قادرة على ضمان بقائه، مضيفًا أن الولايات المتحدة ليست ناجحة للغاية في الحفاظ على الأنظمة الحليفة في مواجهة الاضطرابات الداخلية، مستشهدًا بالإطاحة بشاه إيران عام 1979 و"حسني مبارك" خلال الربيع العربي.

وأشار "جوز" أيضًا إلى أن رغبة الولايات المتحدة بضمان التدفق الحر للنفط تعرضت للمصاعب مع الهجمات على منشآت النفط السعودية في سبتمبر/أيلول 2019، والتي ألقي باللوم فيها على إيران.

ومع ذلك، لم تفعل الولايات المتحدة شيئًا تقريبًا للرد، ما أدى إلى تقويض الفرضية القائلة بأن الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط يحمي السعودية وصادراتها النفطية بشكل موثوق.

ركزت بعض أسئلة الجمهور على طبيعة المقايضة في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، ما يشير إلى ضمان الأرباح الكبيرة لمصنعي الأسلحة الأمريكية في مقابل وقوف الولايات المتحدة إلى جانب النظام الملكي السعودي، ووافقت "مضاوي" على هذا التأطير، مشيرة إلى أن طبيعة المقايضة تعرت أكثر وأصبحت غير مبررة أكثر في ظل إدارة "ترامب".

وقالت "مضاوي": "على الأمريكيين أن يسألوا أنفسهم، هل هم مجرد آلة تصنيع لبيع الأسلحة للدكتاتوريين في جميع أنحاء العالم؟ أم هل هناك أي شيء آخر يمكن للولايات المتحدة أن تفعله؟"، وقارنت نهج إدارة "ترامب" في مبيعات الأسلحة مع سلوك الإدارات السابقة، والتي اقتضت آنذاك "مبدأ شرطيّة، أو على الأقل التظاهر بوجود هذا المبدأ، حيث تباع هذه الأسلحة للسعودية فقط إذا احترمت سيادة القانون، أو قامت بإصلاح اجتماعي، لكنها الآن مجرد علاقة بين تجار الأسلحة".

لكن أعضاء لجنة النقاش الآخرين عارضوا ذلك إلى حد ما، مشيرين إلى أنه في حين ظهر الرؤساء السابقون بمظهر الداعين إلى تحسين حقوق الإنسان، فقد قدموا أيضًا أسلحة إلى المملكة، في تلك الأزمنة التي كان فيها النظام أقل قمعًا مما هو عليه اليوم .

مبيعات الأسلحة كورقة ضغط

تركزت أسئلة الجمهور الأخرى على الحاجة إلى الحفاظ على النفوذ الأمريكي على السعودية وتساءلت عما إذا كانت إزالة القوات الأمريكية أو إنهاء مبيعات الأسلحة قد تقلل هذا النفوذ.

أجاب "جوز": "إذا كان لدينا نفوذ -وهذا موجود فعلًا- فيجب أن نستخدمه في اليمن"، واعترف بأن إنهاء الصراع في اليمن سيتطلب أيضًا من الولايات المتحدة التعامل مع إيران، وهو أمر مستبعد للغاية في الوقت الحالي، ولكن نظرًا لعلاقة "ترامب" الوثيقة بالسعوديين، فيجب على الولايات المتحدة محاولة إنهاء قصف اليمن.

كما أشار "جوز" إلى أن مبيعات الأسلحة الأمريكية الضخمة للسعوديين لم يكن لها تأثير يذكر على فعالية القوة العسكرية للسعودية في الشرق الأوسط.

وقال "جوز"، مستشهداً بإيران، التي نجحت في زيادة نفوذها الإقليمي دون زيادة قواتها التقليدية أو أسلحتها: "المهم بالنسبة لمبيعات الأسلحة هو أنها أصبحت غير مرتبطة أكثر بالطريقة التي تعمل بها السياسة في المنطقة".

وأكد "ميلر" هذه النقطة، مشيراً إلى أن حجم إنفاق القوات المسلحة السعودية لم يتم ترجمته إلى نجاح عسكري في اليمن أو إلى قدرة المملكة على الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإيرانية.

وتساءل "ميلر": " في ظل امتلاكهم لرابع أكبر ميزانية عسكرية في العالم، ماذا كان الغرض من مبيعات الأسلحة بمليارات الدولارات لبلد لا يمكنه الدفاع عن نفسه ببساطة؟".

سياسة شرق أوسطية متعثرة

ربط "ميلر" هذا الانفصال المربك بالمشاكل الكبرى في نهج الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط ككل، والذي وصفه بأنه متأرجح وغير استراتيجي.

وقال "ميلر" إن "الولايات المتحدة عالقة في شرق أوسط مكسور وغاضب ومختل الوظيفة، فهي لا يمكنها إحداث تحولات في المنطقة -العراق وأفغانستان مثالًا- ولا يمكنها أن تتخلص منها".

وجادل بأن سياسة أكثر ذكاءً ستظهر مرونة أكبر ورغبة في الانخراط دبلوماسيًا مع جميع دول المنطقة، كما يفعل الصينيون والروس بنجاح ملحوظ.

وشدد "ميلر" على أن الولايات المتحدة يجب أن تنفصل وتضع نهجًا استراتيجيًا أكثر تأنيًا تجاه المنطقة، وإلا فإن سياستها ستستمر على طول مسارها الفوضوي الحالي.

وقال ساخراً: "الولايات المتحدة مثل جوليفر (بطل الرواية) العصر الحديث، هائمة في منطقة لا نفهمها، ومقيدة بقوى أصغر لا تتوافق مصالحها إلا بشكل عرضي مع مصالحنا، كما أنها مقيدة بأوهامنا".

المصدر | آنيل شيلين | ريسبوسيبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الحليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية حرب اليمن محمد بن سلمان دونالد ترامب

استثمارات السعودية في الشركات الأمريكية.. مقامرة اقتصادية أم مغازلة سياسية؟

ما بعد سحب باتريوت.. بدائل معقدة أمام السعودية لحماية منشآتها النفطية