القوة العظمى الخادعة

الأحد 7 يونيو 2020 07:37 م

القوة العظمى الخادعة

ألا تشبه هذه التطورات في أمريكا اليوم ما حدث للاتحاد السوفييتي من قبل؟

لو عدنا إلى التاريخ ورأينا كيف انهار الاتحاد السوفييتي، سنجد أسباباً عديدة يمكن تلخيصها تحت عنوان استنفاد الإمكانات.

هناك مشكلة في أمريكا أكبر من غطرستها وهو جهلها. فواشنطن تحب أن تعتقد أن معلوماتها بشأن روسيا جيدة جداً، لكنها في الواقع سيئة للغاية.

*     *     *

بقلم | باتريك آرمسترونغ

في أواخر شهر مايو / أيار الماضي صرح بيلينجسليا المبعوث الرئاسي الخاص للرئيس ترامب للحد من الأسلحة، والذي يفترض أن يكون مسؤولاً عن فريق واشنطن في التفاوض على معاهدة ستارت جديدة قائلاً:

«أوضح الرئيس ترامب أن لدينا ممارسة مجربة وحقيقية هنا. ونحن نعرف كيف نربح هذه السباقات، ونعرف كيف نجعل الخصم في طي النسيان. وإذا كان علينا فعل ذلك، فسنقوم بذلك، لكننا بالتأكيد نود تجنبه».

مثال بارز على الغطرسة الأمريكية والجهل اللذين ما زالا يخيمان على إدارة ترامب. ولو عدنا إلى التاريخ، ورأينا كيف انهار الاتحاد السوفييتي، فسنجد أسباباً عديدة يمكن تلخيصها تحت عنوان استنفاد الإمكانات.

لقد كان اقتصاده مترنحاً، وفقد مصداقيته، ولم يعد لديه حلفاء حقيقيون، كما أنه تعثر في حرب لا نهاية لها. فضلاً عن أن تكاليف سباق التسلح مع الولايات المتحدة دفنت في مكان ما.

ألا تشبه هذه الأمور في أمريكا اليوم ما حدث للاتحاد السوفييتي من قبل؟

ولكن هناك مشكلة في أمريكا أكبر من غطرستها وهو جهلها. فواشنطن تحب أن تعتقد أن معلوماتها بشأن روسيا جيدة جداً، لكنها في الواقع سيئة للغاية، والدليل على ذلك أنها تفاجأ دائما بما ستفعله موسكو. ومن المفترض أن تقلل الاستخبارات من المفاجآت، لا أن تزيدها.

والحقيقة أن ما يجهله بيلينجسليا وغيره هو أن الاتحاد السوفييتي كان دولة استثنائية، وكان لذلك تكلفة باهظة، لأنه كان ملزماً بالتدخل في جميع أنحاء العالم، وتقديم المساعدة لأي حكومة تعتبر نفسها اشتراكية.

ولم يكن جيش الاتحاد السوفييتي يهدف إلى الدفاع عن النفس فقط، بل كان همه عرض قوته ومساعدة الحلفاء والسعي إلى هيمنة كاملة النطاق. إن واشنطن اليوم تكرر ذلك، وأنا أوافق على أن سباق التسلح أسهم نوعا ما في تفكك الاتحاد السوفييتي وتحالفه.

لكن موسكو تعلمت الدرس. وحملها لراية «المستقبل المشرق» لم يأتِ لها بشيء؛ ولا دعمها للحكومات الاشتراكية التي خبت بلحظة بعد الانهيار.

ويمكن لواشنطن أن تتدخل في إفريقيا بقدر ما تريد، وموسكو لا تهتم لذلك، وقد أظهرت في سوريا مدى فاعلية القوة الصغيرة المختصة والموجهة بذكاء. ويمكن لواشنطن الحصول على جميع الأسلحة وحاملات الطائرات التي تريدها؛ ولكن موسكو لا تهتم بذلك.

ويمكن لواشنطن بناء قوة فضائية (بزي رسمي) إذا أرادت ذلك. لكن روسيا ليست ملزمة أن تفعل ذلك، وعليها فقط ضرب من يهاجمها.

والصاروخ الصيني الشهير المدمر لحاملات الطائرات والمحمل برأس حربي مناور قوي وأسرع من الصوت ويمكن التحكم فيه بشكل مستقل، ويتم إطلاقه من آلاف الكيلومترات، وتبلغ سرعته 10 ماخ، يمكن أن يجعل أمريكا في طي النسيان.

وهذا يقودني إلى الرد التالي على ملاحظة بيلينجسليا السخيفة. فقبل أن تجعل الولايات المتحدة روسيا والصين في طي النسيان، يجب أن تنفق الكثير أولاً للحاق بهما. فلدى روسيا أيضاً عدد لا بأس به من أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت.

ومنها «الكينزال» الذي يتم إطلاقه من طائرة على بعد 1500 كيلومتر، ويصل إلى الهدف في أقل من 10 دقائق. وإذا تم اكتشافه على بعد 500 كيلومتر، فسيكون أمام الخصم ثلاث أو أربع دقائق للرد.

وكذلك الحال مع الصاروخ Avangard الروسي الذي تبلغ سرعته أكثر من 20 ماخ، ويقطع المسافة من موسكو إلى واشنطن في أقل من خمس دقائق. فكيف ستوقف ذلك؟

لذا، يا سيد بيلينجسليا، قبل أن تصل الولايات المتحدة إلى حد وضع روسيا والصين في طي النسيان، عليها أن تنفق الكثير للحاق بما وصلا إليه اليوم بالفعل.

* باتريك آرمسترونغ محلل بوزارة الدفاع الوطني الكندية ومتخصص في الاتحاد السوفييتي/‏ روسيا منذ 1984.

المصدر | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية