بدائل غير تقليدية لتحرير مصر من إدمان القروض الخارجية

الأربعاء 10 يونيو 2020 04:47 م

يثير التهافت المصري للحصول على قروض جديدة من صندوق النقد الدولي، العديد من الشكوك والتساؤلات حول تعمد النظام الحاكم، إغراق البلاد في دوامة الديون.

ويعد الرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي" أكثر من استدان من رؤساء مصر، حيث بلغت فاتورة ديونه حوالي ضعف ما استدانه جميع الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر منذ أكثر من 60 عاما.

ويصل حجم الديون الخارجية المستحقة على مصر إلى نحو 112.67 مليار دولار بنهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، بينما تجاوز إجمالي الديون الخارجية 120 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الجاري.

وبذلك يقفز الدين الخارجي في مصر بنسبة تصل إلى 145%، منذ وصول "السيسي" إلى الحكم في منتصف عام 2014، متسلما فاتورة دين لم تتجاوز 46 مليار دولار.

مشروعات استعراضية

ورغم أن النظام المصري يبرر ديونه المتزايدة بحاجة البلاد إلى الأموال لتمويل عجز الموازنة ومشروعات البنية التحتية الضخمة، يرى محللون وخبراء اقتصاد، أن بإمكان النظام المصري توفير سيولة مادية عبر تنويع خياراته، وعدم حصرها في اللجوء إلى سياسة الاقتراض.

ومن أبرز تلك الخيارات ترشيد النفقات، كخيار عاجل وملح، بدلا من استنزاف موراد البلاد في مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، مثل بناء أكبر مسجد، وأكبر كنيسة، وأكبر برج، وأكبر حديقة، وأطول سارية علم، حول العالم.

وتبلغ كلفة تلك المشروعات إلى جانب باقي إنشاءات العاصمة الإدارية الجديدة، شرقي القاهرة، نحو 58 مليار دولار، وهي كلفة باهظة يتم تمويلها من القروض الداخلية والخارجية، ويرى المصريون أن فوائدها ستخصص لصالح نخبة محدودة.

ويجري كذلك حفر نهر صناعي بطول 35 كيلومترا في قلب العاصمة الإدارية الجديدة، وبتكلفة تقدر بـ35 مليار جنيه (نحو ملياري دولار أمريكي).

وعلى الجانب الآخر من القاهرة (غرب)، يتواصل العمل في بناء المتحف المصري الكبير المجاور لأهرامات الجيزة، بتكلفة تصل إلى 1.6 مليارات دولار.

وفي شمالي البلاد، يتواصل العمل في بناء مقر صيفي للحكومة المصرية، وأبراج سكنية، ومسجد وكنيسة وأوبرا، ومدينة ملاهي، ومشروعات ترفيهية في مدينة العلمين الجديدة، وتبلغ تكلفة المرحلة الأولى من المشروع فقط 75 مليار جنيه (حوالي 5 مليارات دولار).

ووفق الباحث في مركز كارنيجي للشرق الأوسط "يزيد صايغ" فإن "السيسي" ينفق مليارات الجنيهات على مشروعات ضخمة من أجل أغراض سياسية استعراضية وصنع هالة إعلامية.

قصور وفساد

وتمتلك مصر ثروة عقارية ضخمة من القصور والاستراحات الرئاسية (نحو 30 قصرا)، وتبلغ نفقاتها نحو 6 مليارات جنيه، ما يعادل 400 مليون دولار، تشمل النفقات التشغيلية وأجور ورواتب العاملين.

ولا تخضع ميزانية تلك القصور لأية رقابة من البرلمان أو الجهاز المركزي للمحاسبات، هذا بالإضافة إلى عمليات التجديد التي تجرى لها، دون إعلان تكلفتها.

وإلى جانب ذلك، هناك فضيحة الفساد المدوية، التي كشفها المقاول المصري "محمد علي"، في سبتمبر/أيلول الماضي، وتضمنت وقائع إهدار ملياري جنيه (135 مليون دولار) في بناء فندق "تريومف" لصالح صديق مقرب من "السيسي".

وتضمنت وقائع إهدار المال العام التي كشف عنها "علي" أيضا، إعادة بناء استراحة المعمورة بتكلفة نحو 250 مليون جنيه، فضلا عن مبالغ أخرى للأثاث والتعديلات التي طلبتها زوجة "السيسي".

وعقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تعالت الأصوات المطالبة ببيع عدد من تلك القصور لسداد ديون مصر، أو تحويل هذه القصور إلى مزارات سياحية، أو تحويلها لمنتجعات فندقية مهمة بقلب القاهرة، تدر المليارات على الخزانة المصرية، لكن هذه المقترحات ذهبت أدراج الرياح مع الانقلاب العسكري منتصف العام 2013.

ويقدر حجم الفساد في مصر بـ600 مليار جنيه (37 مليار دولار)، وفق ما أعلنه رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار "هشام جنينة"، مطلع عام 2016.

رخص المحمول

تعد مصر سوقا ضخمة للاتصالات (100 مليون نسمة)، فيما تستأثر 4 شركات فقط بتقديم خدمة الهاتف المحمول لأكثر من 95 مليون مشترك، وفق بيانات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

وتحتكر شركة واحدة (حكومية) تقديم خدمة الهاتف الثابت، والإنترنت المنزلي، لنحو 8.76 مليون مشترك، بينما يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت عن طريق المحمول 39 مليون شخص، بحسب بيانات حكومية.

وقبل سنوات، تلقت الحكومة المصرية، عروضا من شركات صينية وكورية وخليجية للحصول على رخصة جديدة لخدمات المحمول بقيمة 12 مليار جنيه، لكن لاعتبارات غير معلنة، فضلت الحكومة إبقاء السوق مقتصرا على الشركات الأربع الحالية وهي "المصرية للاتصالات (وي)، فودافون مصر، أورانج مصر (موبينيل سابقا)، اتصالات مصر (إماراتية)".

ووفق مدير المكتب الاستشارى لشركة اتصالات زين الكويتية بالقاهرة "محمد عيد"، فإن إرساء رخص الاتصالات بالأمر المباشر أمر غير مألوف إلا فى كوريا الشمالية وليبيا، مشيرا إلى أن ثمن الرخصة وصل في تركيا قبل سنوات إلى 4.2 مليار دولار.

ويمكن للحكومة أن تفتح السوق المحلي أمام شركات جديدة، لتقديم خدمات الهاتف الثابت والمحمول وفق مناقصات نزيهة، يمكن أن تجلب للحكومة المصرية سيولة ضخمة ستتجاوز 10 مليارات دولار.

تدابير أخرى

اللافت أن وزارة واحدة في  مصر هي "الأوقاف" تمتلك محفظة مالية بقيمة تريليون و37 مليارا و370 مليونا و78 ألف جنيه (نحو 58 مليار دولار)، وفق ما أعلنه، رئيس مجلس إدارة هيئة الأوقاف المصرية "سيد محروس"، العام 2018.

وتتوزع هذه الأصول بين أملاك زراعية تقدر بـ759 مليارا و181 مليون جنيه وعقارات بقيمة تقديرية تبلغ نحو 137 مليار جنيه، وأرض فضاء تقدر قيمتها بأكثر من 141 مليار جنيه، وهي ثرورة تكفي -نظريا- لسداد نصف ديون مصر.

وينصح خبراء، بضرورة اتخاذ تدابير صارمة، لحسن إدارة أصول الدولة، وإعادة النظر فيما تبقى من شركات، خضعت لبرنامج الخصخصة.

ومن البدائل المتاحة لتوفير سيولة نقدية، بنود المـشتريات الحكومية التي تحتاج إلى ضبط، وكذلك نفقات الصيانة، ورفع مستوى إدارة المخزون الحكومي، خاصة في ظـل إحصاءات رسمية تؤكـد وجود أصول تتجاوز قيمتها 20 مليار جنيه.

كذلك هناك تقديرات شـبه رسمية، تؤكـد أن هناك 150 ألف مستشار لدى الحكومة، يتقاضون 22 مليار جنيه سنويا، دون الحاجة إلى هذا الجيش الضخم من المستشارين.

وتتضمن روشتة الخيارات البديلة للاقتراض الخارجي، قطع الطريق على المزيد من التهرب الضريبي، وتطبيق نظام الحد الأقصى للأجور، ووقف المد بعد سن المعاش، ووقف الجمع بين أكثر من وظيفة.

ومن الخيارات المتاحة، تحصيل فروق أسعار أراضي الدولة المنهوبة والتي بلغت 358 مليار جنيه (نحو 22 مليار دولار)، وفق تقديرات اقتصادية غير رسمية.

ولا يمكن غض الطرف عن لجوء مصر إلى قرض جديد (8 مليارات دولار)، بالتزامن مع إبرام صفقة بقيمة 10 مليارات دولار؛ للحصول على أسلحة إيطالية، في توجه وصفته وسائل إعلام إيطالية بأنه "صفقة قرن عسكرية".

وتحتل مصر المرتبة الثالثة عالميا في استيراد الأسلحة في الفترة من 2015 إلى 2019، حيث بلغت وارداتها نحو 5.58% من السوق العالمي، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) المتخصص في مراقبة حركة بيع وشراء السلاح.

وربما يعد مصادرة كتاب "هل مصر بلد فقير حقا؟"، واعتقال مؤلفه الخبير الاقتصادي الدكتور "عبدالخالق فاروق"، العام 2018 (جرى الإفراج عنه لاحقا)، خير دليل، على أن في جعبة مصر، ثروات ضخمة، تجنبها طريق الاقتراض من الخارج، وتنفي ادعاءات "السيسي"، أن "مصر دولة فقيرة" وأن "المصريين فقراء جدا".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية