المشرق العربي: مرجل في درجة الغليان!

الثلاثاء 9 يونيو 2020 04:59 م

المشرق العربي: مرجل في درجة الغليان!

غياب الأيديولوجيات الكبرى كشف العوامل التي يشترك فيها العرب والمسلمون مع باقي شعوب العالم.

تواجه الحراكات «قوة ناعمة» تديرها مؤسسات أمنية وقوى مضادة للثورات على شكل «ذباب الكتروني» ووسائل إعلام.

مطلوب خطاب وطني جامع يضم مظلوميّات الجميع لكنّه يرفض الانسياق للعبة المظلوميات الصغيرة على حساب نضالات تجمع الشعوب ولا تقسمها.

*     *     *

انحسرت المظاهرات في العراق لفترة بسيطة خلال الموجة المخيفة من انتشار كورونا لكنها عادت لتحدّي الوباء والقمع المبرمج ضد شباب الحراك خطفا وتعذيبا وقتلا.

وينطبق الأمر على مظاهرات وفعاليات الفلسطينيين، الذين لجأوا للفعاليات الرقميّة لكنهم عادوا للتصدّي بكل الأشكال الممكنة لآلة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلية.

ويمكننا سحب الأمر أيضا على المظاهرات في لبنان التي استعادت بعض حيويتها مؤخرا وكذلك في سوريا، التي لم تتوقف فيها أشكال المعارضة والاحتجاج والتعليق على أحداث العالم، بما فيها احتجاجات الأمريكيين ضد العنصرية.

وها هي تنطلق مجددا، في محافظة السويداء، مستعيدة هتافات الثورة الأولى لإسقاط النظام وتحميله مسؤولية الكارثة المستمرة الجارية في البلاد.

رغم الحدود المحروسة، والترسانات العسكرية والأمنية، والاختلافات في النظم السياسية وفي أسباب هذه الحراكات جميعها، فلا يمكن إنكار وجود خيط ناظم يخترقها ويربط بين أركانها ويؤثر الواحد منها في الآخر.

ويصبّ بالنتيجة، سلبا أو إيجابا، في نهر الحرية الهادر الذي خرجت منه هذه المظاهرات والاحتجاجات، جامعة الأهداف السياسية عميقة الجذور، كما هو الأمر في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي والاستبداد والفساد العربيين.

وذلك مع الأهداف الاقتصادية التي يطمح لها المتظاهرون الباحثون عن لقمة الخبز والأمان في أرزاقهم، والمستقبل المنشود لأطفالهم، أو حتى الأهداف الاجتماعية.

التي تنخرط في هذه النضالات، من الجماعات الأهلية المعرّضة لأشكال الاضطهاد على أسس قومية أو عرقية أو دينية، وكذلك نضالات النساء وطموحاتهن في التكامل والارتقاء والمشاركة والاستحقاق.

تواجه هذه الأنشطة الجماهيرية السياسية ردود فعل رهيبة، وأعداء خطيرين مدججين، وأنواعا وحشية من القمع والبطش وكذلك أصنافا فظيعة من التضليل والتشويه تحت مسمّيات الخيانة والإرهاب والعمالة.

كما أنها تواجه أشكالا ماكرة من «القوة الناعمة» التي تديرها المؤسسات الأمنية والقوى المضادة للثورات على شكل «ذباب الكتروني»، ووسائل إعلام.

وتستغل قضايا الثقافة والفن والفكر، وتستخدم الجوائز الإبداعية والمهرجانات والأفلام والمسلسلات الدرامية لخدمة آلة الهيبة والإقناع والهيمنة السلطوية وتشويه الفعاليات الجماهيرية والسخرية من أسباب نهوضها.

إضافة إلى ضربات خصومها في الأنظمة والسلطات العسكرية والأمنية، تتعرض بعض الحراكات إلى ضربات من عناصر الاستبداد الراسخة في المنظومات الفكرية والاجتماعية، فلم يعرف عن النخب السياسية العربية هوى بالديمقراطية، في مقابل رسوخ أفكار الإلغاء والإقصاء والابتعاد عن السياسة بمعناها الهادف لخدمة المجموع وتنظيمه.

وفي حين تحاول هذه الحراكات تأطير أهدافها وتشبيكها وخلق وسائط سياسية وتنظيمية وإعلامية لقيادتها وتنظيم عملها، وبالتالي جعلها أداة سياسية تتناسب مع قوتها الجماهيرية ومعناها الإنساني المستقبلي، تتعرّض لمزاودات القوى السياسية الراسخة المصالح، على اختلافها.

وتستخدم هذه القوى راياتها العقائدية، بهدف إعادة التمحور على أسس طائفية أو أيديولوجية، وهو ما يحتّ في عضد المتظاهرين ويمتحن وعيهم السياسي وقدرتهم على التمسك بخطاب وطني جامع.

لقد ساهمت وسائط التواصل الاجتماعي وأشكال العولمة والانفتاح المباشر والآني على أحداث العالم، في إدراك أغلبية الشعوب والجماعات البشرية لحقوقها التي تقارنها، ببساطة، بحقوق الآخرين المكتسبة في العالم، ولكنها ساهمت أيضا في أشكال من الخندقة والانغلاق على الذات بشكل يمنع أحيانا رؤية الشراكة التي تجمع أبناء الوطن الواحد.

لقد غابت عن عالمنا الأيديولوجيات الكبرى التي كانت تقدم للأحزاب السياسية «الكليشيهات» الجاهزة لكنّه غياب كشف أيضا العوامل التي يشترك فيها العرب والمسلمون مع باقي شعوب العالم.

وأظهر ضرورة وجود خطاب وطني جامع يضم مظلوميّات الجميع ولا يتنكر لها لكنّه يرفض الانسياق للعبة المظلوميات الصغيرة على حساب النضالات التي تجمع الشعوب ولا تقسمها.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية