استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الثورة السورية وإحياء الهوية

الأربعاء 10 يونيو 2020 06:54 ص

الثورة السورية وإحياء الهوية

يتحتم أن تطور الشام هويتها المقبلة وفقاً للفسطاط الذي وقف فيه أهلها: فسطاط الثورة أو فسطاط قتلتها وأعدائها.

مزق الاستعمار الدولة الوطنية بتاريخها وجغرافيتها فغدت حدودها حدود الدم واستلب فكرها عمود الهوية الفقري.

فاقم استلاب هوية سوريا قفز الانقلابيين الطائفيين على الحكم فخلقوا هوية طائفية غريبة عن البلاد وتاريخها وجغرافيتها.

*     *     *

لا تزال الدول الوطنية تدفع ثمن المبضع الاستعماري الذي مزّقها فمزّق تاريخها وجغرافيتها، فكانت حدودها حدود الدم، واستلب بذلك حافزها الفكري الذي هو العمود الفقري لأي هوية، وسوريا جزء من هذه الظاهرة التي استهدفت الأمة العربية تحديداً، فكان التمزيق لاثنتين وعشرين دولة.

ومما أمعن في استلاب هوية سوريا قفز الانقلابيين الطائفيين على عرش، كان بالأمس يتربع عليه خلفاء ملأت الآفاق سمعتهم ومآثرهم، فسعوا إلى خلق هوية طائفية غريبة كل الغرابة عن أيديولوجية البلد وتاريخها وجغرافيتها، بمعاونة مفكرين أدرك بعضهم متأخراً بعد خراب البصرة توظيفه من قبل العصابة.

وتمكن هؤلاء الانقلابيون الطائفيون من تقزيم سوريا، التي كانت بالأمس حاكمة لخمسة عشر مليون كيلو متر مربع، أي ثلاثة أضعاف الإمبراطورية الرومانية، فجعلوا من تاريخها وجغرافيتها وأسماء معالمها وشوارعها حكراً على عصابة طائفية.

بَنَت من السجون والمعتقلات بقدر ما هدمته من المساجد، التي تجاوز عددها حتى الآن خمسة آلاف مسجد، فضلاً عن تدميرها لبنى تعليمية وصحية وبيوت، وقتلت المليون وجرحت واعتقلت ما يوازيه، وشردت 12 مليون شخص.

وبمصطلح الجرجاني في تعريفاته، فإن الهوية هي الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة في الغيب المطلق، فهل ثمة نواة أعظم من الحافز الفكري.

ولذلك رأينا كل الإمبراطوريات على مدى التاريخ والأمم في العصر الحديث، مدفوعة بحافز أيديولوجي قوي إن كانت أميركا وكنيستها، أو بريطانيا وترؤس الملكة للكنيسة، أو روسيا وإحياء دور الكنيسة الأرثوذكسية في عهد بوتن، أو دور البوذية في اليابان، ومعه دور المذهب لدى إيران، ودور الدين في قيام دولة بني صهيون، ولا ننسى دور الهندوسية في الهند، وإطلاق تسمية ابتسم بوذا على قنبلتهم النووية.

فلا هوية بلا ثقافة، ولا ثقافة وهوية بلا فكر قوي يدفع الأمة والشعب بمغناطيس جذب قوي يجمعها، ومن أهم مكونات الفكر رموزه وشخصياته الكبرى على مدى التاريخ، فإن كانت الهوية عبارة عن طبقات من التراكمات المعرفية والثقافية، فإن بني أمية نسخ حياة الشام، ومن بعدهم طبقات بني العباس والسلاجقة والزنكيين وبني عثمان.

ومن هنا أتى الحديث عن الهوية بمناسبة تدنيس ضريح الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، على أيدي طائفيين في ريف إدلب الشرقي، وهو ما اعتبره نائب وزير الخارجية التركي تدميراً لتراث سنّي وعثماني.

فالهوية السورية امتداد لهوية إمبراطوريتها التي حكمت العالم لعقود، ولذا ينبغي التذكير دائماً بتلك الأيام المضيئة التي تشد إليها سكان المنطقة، وما دام المفكر المغربي محمد عابد الجابري يرى أن الهوية عبارة عن سيرورة، فهوية الأمة ليست سرمدية برأيه.

ولذا فإن ثورة الشام الحالية لحظة تاريخية لا بد أن تلعب دوراً أصيلاً في الهوية، وإن كان البعض قد اعتبر عام 1831م يوم دخول إبراهيم باشا للشام لحظة تاريخية، فإن لحظة الثورة الحالية لا تقارن بتضحياتها ولا بامتدادها الجغرافي والزماني بتلك اللحظة، وعليه فإن من المحتوم أن تطور الشام هويتها المقبلة وفقاً للفسطاط الذي وقف فيه أهلها، إن كان فسطاط الثورة أو فسطاط قتلتها وأعدائها.

إن وضع مرتكزات وأسس لهذه الهوية مهم اليوم، في ظل جريمة تدنيس ضريح رمز من رموز الشام والأمة، وذلك كي لا نُخدع ثانية، يوم استطاع الطاغية المؤسس ونجله تمييع هوية بلد، فتجرأ على استدعاء كل احتلالات الأرض وميليشياته وشبيحته لقتل السوريين دون أي رادع، بينما يتشدق بشعارات مقاومة لا تزال تنطلي على البعض، كل هذا وقع في ظل غياب واستلاب هوية وضياع بوصلة، وحتى لو سلمنا بما يعلنه الطاغية من أن الهوية هي الوطن المحدد بجغرافيا راهنة يدين أهله بالولاء والمحبة والعطاء والدفاع عنه كما يراه، فكيف يصنّف نفسه اليوم من خان وطنه ودمّره ورقص على جراحه، وماذا يقول وهو يبيع أرضه وسماءه وبحره، لقد كانت عاقبة النازيين الذين فعلوا بعدوهم وليس بأنفسهم وشعبهم ما نراه اليوم، فكيف ستكون عاقبة من فعل بسوريا كل هذا على مدى عقود.

أحيت الثورة السورية بلا شك، كما أحيا الربيع العربي بشكل عام هوية الشعوب، فربطتها بالفكر والتاريخ والثقافة والهمّ المشترك، وهو اليوم همّ الحرية بعيداً عن العبودية، بالمقابل كشفت الثورة مدى التلاعب بالهوية، الذي فعله ولا يزال يفعله الاستبداد ومؤدلجوه ومثقفوه.

فلا يمكن فهم ما يجري في سوريا اليوم، إن لم نرجع إلى الوراء يوم تشكلت نواة الجيش السوري من ميليشيات «شبيحة» تماماً بمصطلح اليوم وهو جيش المشرق الذي تكون من خمسة آلاف مقاتل.

وقفوا مع الاحتلال الفرنسي لقتال ثوار الغوطة وإبراهيم هنانو وغيرهم حينها، لوأد حلم السوريين المبكر بالتحرّر والاستقلال، فكوفئ هذا الجيش المكون من أقليات بأن يكون هو جيش سوريا المستقبل.

ولعل هذا هو أحد أسرار ابتعاد الأغلبية السنّية عنه، وهو ما دفع الرئيس السوري الراحل شكري القوتلي في لحظة ما لحلّه، حين أدرك مبكراً أنه من المتعذر تعديل كفته.

اختصرت العصابة الطائفية تشكيل هوية السوريين بمنظمة الطلائع والشبيبة، ثم بعضوية حزب البعث، فحوّلت المجتمع السوري إلى صندوق مغلق، وثقب أسود، فجعلت مصادر المعرفة محدودة محصورة بما تلقنه للأجيال.

ويضمن لها تشكيل آراء الأجيال وصوغها بما يخدم هويتها الطائفية الاستبدادية، ولذا أتت الثورة الحالية لتكسر كل تلك القيود، وتفتح أعين الشعب السوري على معارف وتلقينات جديدة لم يألفها من قبل.

اليوم وعلى الرغم من اقتراب السنة العاشرة للثورة السورية، لا نجد تخلي ضابط من الأقلية العلوية عن النظام، وهو ما أثبت أن هذا الجيش لم يكن إلّا امتداداً لجيش المشرق الذي شكّلته فرنسا.

وكما كانت مفاوضات السياسيين السوريين مع الفرنسيين الممتدة لعشر سنوات من عام 1936-1946م على نقطة واحدة، وهي عدم التعرّض لمؤسسة جيش المشرق، نرى اليوم حرص الغرب والشرق على إبقاء هذه المؤسسة كما هي!

وكأنها هوية الاحتلال في الشام الكفيلة بإخضاع الشعب المتمرد على القيود الداخلية والخارجية، إن فكّر بالتمرّد ثانية، ولكن حرب السنوات العشر كفيلة بتمزيق الجيش وداعميه، ونسف مصداقيته أمام الشعب كله.

النظام السوري الذي تقلّب من الشرق إلى الغرب وما بينهما حتى وقع، فيوماً تراه مع موسكو، وقد أجّر لها قواعد في طرطوس واللاذقية من أيام حافظ الأسد، ويوماً تراه يقف مع إيران في حربها ضد العراق، وهو الذي كان يصفها بالأمس في أدبياته بالفرس.

وساعة يتغير فيقف مع الإمبريالية والرجعية في حفر الباطن ضد العراق البعثي، ولحظة أخرى يدعم ويسهّل حركات الجهاديين إلى العراق وغيرها، ورابعة مع المقاومة في فلسطين ومع "حزب الله"، فهوية النظام هي هوية العصابة الطائفية المستمسكة بالسلطة.

ولذا فكلمة رامي مخلوف بداية الثورة «أمن إسرائيل من أمن النظام السوري»، اختصرت كل شيء بهوية سوريا الأسدية التي سعى إلى تسويقها منذ تسليمه القنيطرة وبيعه للجولان، والتدخل بلبنان ومجازره في مخيمات الفلسطينيين من الكرنتينا والبداوي وتل الزعتر وبرج البراجنة وصبرا وشاتيلا، وقتله أكثر من 25 ألف سجين في تدمر لوحدها، كما كشفت وثائق النظام أخيراً، فضلاً عن تسريب 55 ألف صورة للمصور العسكري قيصر.

إن تحديد هوية الشام اليوم وترسيخها أمر في غاية الأهمية، ليُعلم من مع هذه الهوية ممن ينقلب عليها فيُنبذ ويطرد، وكما قيل «كثير حول الوطنية الدعيّة، قليل حول الوطن»، كل ما سبق يفسر صمت عصابة طائفية على تدنيس ميليشياتها قبر رمز من رموز الأمة والشام، وسعيها إلى كسر شواهد قبور ونبشها لمقابر الثوار بخان السبل والأتارب وغيرهما.

فهذه الرموز تمثل هوية غيرها وليس هويتها، وإمعاناً لنسف هوية الشام قامت أخيراً ببيع معالم دمشق كمحطة الحجاز العثمانية وهدمها لبناء مجمع فنادق محلها، وكذلك تأجير مطارات الشام وعقاراتها وغاباتها وكأنها مزرعة، ولو كان هناك تحديد للهوية لما بقي من يستمع وينصت لهؤلاء الأغراب!

* د. أحمد موفق زيدان كاتب صحفي وإعلامي سوري.

المصدر | العرب القطرية

  كلمات مفتاحية

ثورة سوريا بعد 10 سنوات.. الأسد يتجه لولاية رابعة والمعارضة مشتتة