لحظة تصفية الحسابات بين الولايات المتحدة والعراق

السبت 13 يونيو 2020 12:35 ص

يوفر الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، هذا الأسبوع، فرصة للجانبين لوضع علاقاتهما في السياق الصحيح، بحسب ما قاله الرئيس العراقي "برهم صالح" في أبريل/نيسان الماضي.

ويمنح الحوار كلا الطرفين فرصة للتعبير عن شكواه، كما يوفر مساحة لتحديد المصالح المتبادلة، ومناقشة المبادئ الأساسية للعلاقات الثنائية المستدامة، والاتفاق على مجالات القضايا التي تتطلب التعاون في المستقبل، ووضع تدابير عملية في كل مجال لتحقيق هذا التعاون، إلى جانب جدول زمني مؤقت وآليات للإشراف على تنفيذ الاتفاق.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يجلس فيها ممثلون من الولايات المتحدة والعراق على الطاولة لمناقشة مبادئ وآليات العلاقات الثنائية المستمرة بين البلدين.

وفي عام 2007، اتفقت الحكومتان على إعلان مبادئ مشترك للصداقة والتعاون.

وفي عام 2008، انخرطت الولايات المتحدة والعراق في حوار نتج عنه اتفاقان، وهما اتفاقية الإطار الاستراتيجي، واتفاقية أمنية تعرف باسم "اتفاقية وضع القوات".

ووفقا لبيان أصدره البيت الأبيض في 4 ديسمبر/كانون الأول 2008، كان هدف اتفاقية الإطار الاستراتيجي "تتطبيع العلاقات الأمريكية العراقية في علاقات اقتصادية ودبلوماسية وثقافية وأمنية قوية، وأن تعمل الاتفاقية كأساس لعلاقة ثنائية طويلة الأمد بناء على أهداف متبادلة".

في حين كان هدف الاتفاقية الأمنية "توجيه العلاقة الأمنية بين البلدين وترتيب الانسحاب النهائي من العراق"، مع تحديد 31 ديسمبر/كانون الأول 2011 موعدا لانسحاب جميع القوات الأمريكية من العراق.

  • بناء علاقة أوسع متعددة الأوجه

يؤكد المسؤولون الأمريكيون أن الحوار الجاري يستند إلى اتفاقية الإطار الاستراتيجي وليس اتفاقية وضع القوات.

وعلى غرار محادثات عام 2007، يسعى الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق إلى تحديد المبادئ الأساسية للعلاقات الثنائية المستدامة والاتفاق عليها.

وتركز المناقشات على 4 جوانب رئيسية للعلاقة، العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية.

وعلى غرار عام 2008، ترى الولايات المتحدة في الحوار وسيلة لنقل العلاقات الثنائية إلى ما هو أبعد من العلاقات الأمنية والعسكرية نحو علاقة أوسع متعددة الأوجه بين البلدين.

وعلى غرار حوار عام 2008، فإن المناقشات هذه المرة حول الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق لن تدور حول ما إذا كان سيحدث، ولكن حول متى وكيف.

ومن حين لآخر، يعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" تواجده مرة أخرى، وبالرغم أن التنظيم لا يملك القدرات والتواجد العملياتي والدعم المجتمعي الذي تمتع به في ذروة قوته عامي 2013 و2014، إلا أنه يقدم حجة جيدة ضد الانسحاب المتسرع للقوات الأمريكية.

وسحب الجيش الأمريكي بالفعل بعض قواته، ونقلها إلى قواعد في الخليج، وخفض تواجده في 6 قواعد عسكرية عراقية.

ومن البنود المهمة على جدول أعمال الحوار هو ضمان التزام الحكومة العراقية بمنع الهجمات التي يقوم بها وكلاء إيران على الأصول الأمريكية في العراق حتى إتمام عملية الانسحاب.

  • واشنطن وبغداد وطهران

وعلى غرار الفترة 2007-2008، ستدخل الإدارة الأمريكية الحوار في خضم موسم الانتخابات الرئاسية. ولن يؤثر هذا على التوجه الرئيسي لمواقف الولايات المتحدة في الحوار، ويرجع ذلك أساسا إلى أن الإدارة الحالية وإدارة "بايدن" المحتملة لا تختلف كثيرا في الرغبة في علاقة ثنائية مستدامة تتجاوز مجرد المجال العسكري.

ويدور الفارق الرئيسي بين الاثنين حول سياستهما تجاه إيران.

وفي حين أن إدارة "ترامب" لم تضع سياسة مخصصة بشأن العراق، حيث تنظر إليه من منظور استراتيجية "أقصى ضغط" ضد إيران، فمن المرجح أن تزيل إدارة "بايدن" في وقت مبكر من فترة ولايتها الكثير من الضغوط التي تمارسها إدارة "ترامب" على إيران.

وسيؤدي ذلك إلى تقليل التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك العراق، الأمر الذي يحفز طهران على كبح تصرفات وكلائها في العراق التي تستهدف الأصول الأمريكية، وخلق مساحة للحكومة العراقية لإدخال بعض الإصلاحات الأمنية والاقتصادية.

لكن هذا لا يعني أن طهران ستقلل من نفوذها في الشؤون السياسية والأمنية العراقية، أو أنها ستوافق على وضع أسلحة وكلائها تحت سيطرة الدولة.

وعززت الاحتجاجات التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي قادها ونظمها في الغالب الشباب الشيعي، مخاوف طهران من أن تظل القومية العراقية المعادية لإيران قوية، حتى بين الدوائر التي تعتبرها صديقة.

وسيبقى وجود الميليشيات المسلحة الموالية لطهران في العراق على المدى القصير إلى المتوسط ​​أفضل ضمان لإيران لمنع تحول العراق مرة أخرى إلى تهديد لأمنها الداخلي.

وفي حين أن تأثير طهران على وتيرة السياسة العراقية وفي شؤون الأمن الداخلي أكبر بكثير مما كان عليه في عامي 2007 و2008، فإن احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، مصحوبة بالانشقاقات الأخيرة في صفوف قوات الحشد الشعبي، تسببت حتى الآن في تجزئة المشهد السياسي الشيعي، وبالتالي خلق مساحة تفاوضية أكبر لرئيس الوزراء "مصطفى الكاظمي" في مواجهة المليشيات المدعومة من إيران.

وكان الاغتيال المزدوج، في 3 يناير/كانون الثاني، لقائد فيلق القدس "قاسم سليماني" ونائب قائد قوات الحشد الشعبي "أبو مهدي المهندس"، قد حرم طهران من أكثر الشخصيات نفوذا في العراق.

ويضاف إلى تلك الضربة المزدوجة أن الصعوبات الاقتصادية التي فرضتها العقوبات الأمريكية على إيران وتداعيات وباء "كوفيد-19" أدت إلى فقدان طهران التوازن في العراق.

لكن هذا لن يدوم طويلا، فأمام رئيس الوزراء العراقي فرصة قصيرة لاستخدام الحوار مع الولايات المتحدة لإيجاد مساحة أكبر للمناورة لكي تبقى حكومته على قيد الحياة في مواجهة كل من الوكلاء الإيرانيين في العراق وطهران نفسها.

  • عين على نوفمبر/تشرين الثاني

وسيؤثر توقيت الحوار (قبل الانتخابات الأمريكية) على وتيرته، حيث ترغب إدارة "ترامب" في التوصل إلى اتفاق بشأن نهاية اللعبة في العراق قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وعلى غرار ما حدث في عام 2009، ستكون الإدارة الأمريكية في يناير/كانون الثاني 2021 أقل تركيزا على علاقاتها الثنائية مع العراق مما هي عليه بالفعل، مع إعطاء الأولوية للصحة العامة المحلية والقضايا الاقتصادية وترك القليل من الاهتمام السياسي للسياسة الخارجية.

وكانت إدارة "أوباما" مهتمة بالخروج أكثر من الحفاظ على العلاقات الثنائية مع العراق.

وقد ابتعدت عن الشؤون الداخلية للبلاد، وفي بعض الحالات غضت الطرف عن القادة السياسيين مثل "نوري المالكي" حين انخرطوا في أسوأ نوع من السياسات الطائفية، وخلقوا في نهاية المطاف الظروف السياسية والأمنية التي مكنت من ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية".

ودفعت معركة 2014-2017 ضد "الدولة الإسلامية" العلاقة الأمريكية العراقية للتركيز على القضايا العسكرية والأمنية، وتم إيلاء قدر أقل من الاهتمام للعلاقات الأخرى التي كان من المفترض أن تحدد علاقة مستدامة بين البلدين وفقا لنظام اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008.

وتوفر هذه الخطوة الثانية في مناقشة العلاقات الثنائية المستمرة بين البلدين فرصة لإعادة النظر في إعلان المبادئ لعام 2007 واتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 في ضوء الدروس المستفادة من الجانبين في الأعوام التي تلت ذلك.

وتتشابه التحديات التي تواجه العراق آنذاك والآن إلى حد كبير، مثل الفساد والإطار التنظيمي الذي يخنق ثقافة ريادة الأعمال بدلا من تمكينها ودعمها، والقطاع العام الذي يوظف الملايين مع الفشل مرارا وتكرارا في تقديم الخدمات الأساسية للشعب.

وآنذاك والآن، تقع مسؤولية مواجهة هذه التحديات في المقام الأول على عاتق الحكومة العراقية.

وآنذاك والآن، لن يخلق الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الإرادة السياسية، ولن يوفر حوافز كافية للنخب السياسية العراقية، لمواجهة هذه التحديات.

لكن ذلك ممكن فقط من خلال الشعب العراقي.

ومن مصلحة كل من الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية تطوير استراتيجيات الاتصال للانخراط مع شرائح أوسع من المجتمع العراقي خلال المحادثات.

ويجب أن يدرك الجانبان أهمية إشراك الرأي العام في مداولات الحوار وكذلك تعميق المشاورات المنتظمة مع قادة مجموعات الشباب والمنظمات المدنية حول القضايا قيد النظر في المحادثات.

المصدر | راندا سليم/معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات العراقية الأمريكية قوات الحشد الشعبي مصطفى الكاظمي الحكومة العراقية

الرئيس العراقي: نرفض أن تكون بلادنا ساحة لتصفية الحسابات

ن.تايمز: طائرات مسيرة شنت 3 هجمات على أهداف أمريكية حساسة بالعراق