لماذا تسعى تركيا إلى إقامة قاعدتين عسكريتين في ليبيا؟

الثلاثاء 16 يونيو 2020 07:46 م

تتجه تركيا إلى تأسيس واستخدام قاعدتين عسكريتين في ليبيا، ضمن خططها لتوسيع تواجدها العسكري في البلاد، وهي خطط تزعج حلفاء الجنرال "خليفة حفتر"، خاصة في الإمارات ومصر.

وتستند أنقرة في مساعيها تلك إلى تفاهمات أمنية وعسكرية أبرمتها، العام الماضي، مع حكومة "الوفاق الوطني" (معترف بها دوليا) في طرابلس.

وتتيح مذكرة التعاون الأمني والعسكري المبرمة بين ليبيا وتركيا، نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إمكانية تقديم كل أنواع الدعم العسكري والأمني لحكومة "الوفاق" بما فيه بناء قواعد عسكرية فوق الأراضي الليبية.

وترغب تركيا تحديدا في استخدام قاعدة "الوطية" الجوية، غربي ليبيا، وقاعدة "مصراتة" البحرية، وهو أمر قيد البحث والتفاوض مع حكومة "فائز السراج".

  • موقع استراتيجي

ويعود الاهتمام التركي بقاعدة "الوطية" إلى كونها واحدة من أهم القواعد الجوية الليبية، وأكبرها إذ تبلغ مساحتها نحو 50 كلم مربع.

وتتمتع "الوطية" بموقع استراتيجي هام قريب من الحدود التونسية والجزائرية، وكذلك من البحر المتوسط، ويمكن تسخيرها لمراقبة الحدود البرية والبحرية.

وتتيح القاعدة (تضم مخازن أسلحة ومرابض للطائرات ومحطة وقود)، للقوات التركية تنفيذ عمليات قتالية جوية لتأمين العاصمة طرابلس، وكامل المنطقة الغربية وحتى وسط ليبيا.

وتضم القاعدة، التي أقامتها الولايات المتحدة في أربعينيات القرن الماضي، بنية عسكرية ضخمة شديدة التحصين، ومدينة سكنية.

بينما تتزايد أهمية "مصراتة" نظرا لموقعها على البحر المتوسط بين مدينتي طرابلس وسرت؛ حيث تعد أحد الموانئ الهامة في البلاد، ولها سمعة تجارية معروفة.

وتحتل مصراتة المرتبة الثالثة بين أهم المدن في ليبيا، وتتمتع بطبيعة سياحية جذابة، ونشاطا تجاريا وصناعيا مزدهرا، إلى جانب وجود مصنع للحديد والصلب يعد من أكبر المصانع في ليبيا.

ومن المخطط له أن تحتضن قاعدة "الوطية" طائرات مسيرة، ومقاتلات متطورة، ومنظومات دفاع جوي، بينما ستضم قاعدة "مصراتة" فرقاطات وقطع بحرية تركية.

  • الغاز والنفوذ

ووفق مصدر تركي تحدث لـ"رويترز"، فإن أنقرة تسعى من وراء استخدام القاعدتين العسكريتين إلى تثبيت الوجود التركي في منطقة جنوب البحر المتوسط.

وتمنح القاعدتان أنقرة دورا أكبر، وحصة ثمينة من الاستثمارات في ليبيا، خاصة في أنشطة التنقيب عن النفط والغاز، في منطقة باتت مطمعا لقوى إقليمية ودولية.

وترى المتخصصة في السياسة الخارجية التركية بمعهد العلوم السياسية في باريس، "جنى جبور"، أن حكومة "الوفاق" تحوز على الدعم السياسي والعسكري التركي، وفي المقابل تساعد أنقرة على تحقيق أهدافها في ملف الطاقة، حسب شبكة "DW" الألمانية.

وستكون قاعدة "مصراتة" معنية بالتعامل مع الاستفزازات اليونانية في شرق المتوسط والتوتر المتزايد هناك، إضافة إلى حماية أنشطة التنقيب عن الغاز من أي تهديدات محتملة، حسب صحيفة "يني شفق" التركية.

ويقدر حجم احتياطي الغاز في حوض شرق البحر المتوسط بنحو 345 تريليون قدم مكعب، إلى جانب احتياطات من النفط تتجاوز أكثر من 3 مليارات برميل.

ومن المتوقع أن تحظى تركيا، حال إكمال هذا التموضع العسكري، بنفوذ أكبر في مواجهة أوروبا من الجنوب، وأن تكون لاعبا مؤثرا في منطقة المتوسط، خاصة في مواجهة مصر واليونان وقبرص اليونانية و(إسرائيل).

ويقول الباحث في أكاديمية روبرت بوش (ألمانية) "غالب دالاي" إن استخدام تركيا على الأخص لقاعدة بحرية في ليبيا سيرسخ نفوذها في شرق المتوسط ويمنحها نفوذا على خصومها العرب والأوروبيين.

  • نحو أفريقيا

ويفتح تحويل "الوطية" إلى قاعدة عسكرية تركية دائمة في ليبيا، الباب على مصراعيه أمام تعزيز النفوذ التركي في منطقة شمال أفريقيا.

وتوفر القاعدة، حماية للحدود التونسية، من تسلل مقاتلين أجانب، أو الإضرار بالأمن التونسي، لاسيما في ظل تحرش إماراتي سعودي بنظام الحكم في تونس.

ويجمع مراقبون أن التحرك التركي يقطع الطريق على النفوذ الإماراتي الذي يسعى للتغلغل في دول المغرب العربي (شمالي أفريقيا)، والتي تضم "ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا".

وتحتفظ الإمارات بتواجد عسكري واستخباراتي في العمق الليبي، تحديدا في قاعدة "الخادم" بمنطقة الخروبة، وقاعدة "الجفرة"، التي تضم غرف التحكم والسيطرة التابعة لمليشيا "خليفة حفتر".

وتقع قاعدة "الخادم" الجوية (شرق) على بعد حوالي 170 كيلو مترا شرق بنغازي، وهي تضم عددا من الطائرات الإماراتية والفرنسية والروسية، وتستقبل شحنات الأسلحة الإماراتية، وتوفر حماية لمعسكر "الرجمة"، معقل قوات "حفتر".

وتعد قاعدة "الجفرة" التي تبعد عن طرابلس بمسافة 600 كيلو متر شرقا، من أهم القواعد في ليبيا، وتمثل نقطة وصل بين مناطق شرقي ليبيا، ومحاور القتال في الغرب الليبي، وتضم حشودا من المرتزقة من السودان وتشاد وشركة "فاجنر" الروسية.

  • مكاسب أخرى

ويمنح الوجود الدائم لتركيا على الأراضي الليبية، أنقرة فرصة لفتح أسواق جديدة أمام الصادرات التركية، خاصة العسكرية منها.

وتأمل أنقرة في نيل حصة ثمينة من كعكة إعادة الإعمار في ليبيا، التي تقدر تكلفتها المبدئة بـ100 مليار دولار، بينما تذهب تقديرات غير رسمية إلى أنها تصل إلى 480 مليار دولار على مدى العشرين سنة المقبلة.

وتشير الحكومة التركية إلى إمكانية إبرام صفقات مع طرابلس في مجالي الطاقة والبناء فور انتهاء القتال، وفق وسائل إعلام محلية.

كذلك، ستكون نجاحات تركيا في ليبيا مكسبا سياسيا للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" كزعيم إقليمي مؤثر في ملفات عدة.

وقبل ذلك، ستؤمن قاعدتا "الوطية" و"مصراتة" مكاسب "الوفاق" على الأرض، وتحول دون فقدانها مدن الغرب الليبي، وكامل حدود العاصمة، ومدينة "ترهونة"؛ ما يقوي موقفها التفاوضي في أية تفاهمات مستقبلية، ترعاها الأمم المتحدة.


 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات التركية الليبية العلاقات الليبية التركية الاتفاق الليبي التركي إرسال قوات تركية إلى ليبيا